المبادرة السعودية ومصير النظام العربى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 7:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المبادرة السعودية ومصير النظام العربى

نشر فى : الخميس 11 نوفمبر 2010 - 11:15 ص | آخر تحديث : الخميس 11 نوفمبر 2010 - 11:15 ص

 دعا العاهل السعودى عبدالله بن عبدالعزيز يوم السبت الموافق 30 من شهر أكتوبر الماضى الرئيس العراقى جلال طالبانى وجميع الأحزاب التى شاركت فى الانتخابات النيابية العراقية الأخيرة وجميع الفاعليات السياسية العراقية إلى الرياض بعد موسم الحج، للسعى تحت مظلة الجامعة العربية إلى «حل المعضلات التى تواجه تشكيل الحكومة العراقية» بعدما تأخر كثيرا منذ انتخابات مارس الماضى، و«لتتدارسوا وتتشاوروا وتقرروا أى طريق نبيل تسلكون».

المبادرة سعودية إذن، ولكنها قدمت تحت مظلة الجامعة العربية، وهو ما يتسق مع إشادة الأمين العام للجامعة السيد عمرو موسى بها. ولذلك فقد كانت مبادرة «عربية» بحق تواجه ما هو موجود على الساحة العراقية من تدخلات إقليمية وعالمية.

جرى «العرف العربى» فى هذه الحالات على معاملة هذا النوع من المبادرات إذا تطلب الأمر بنوع «من المجاملة»، بمعنى أن الرافضين لمبادرة ما لا يؤثرون الجهر برفضهم درءا للحرج، وإنما يشاركون بنية سيئة لإفشال المبادرة، فإن تعذر عليهم ذلك قبلوا ما تنتهى إليه المباحثات بالمنطق نفسه، لكنه سرعان ما تتضح مماطلتهم فى التنفيذ وخروجهم على ما تم الاتفاق عليه.

وتقدم لنا المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس التى تمت برعاية سعودية فى أعقاب الانشقاق الدموى بين الفصيلين فى2007 مثال واضح فى هذا الصدد. لكن الأطراف العراقية المعنية فى حالتنا هذه خرجت عن هذا العرف، وحسنا فعلت لأنها أتاحت لنا بذلك فرصة ثمينة للتأمل فيما آلت إليه أوضاع العراق خاصة والنظام العربى عامة.

كان واضحا منذ الوهلة الأولى أن ثمة استقطابا سياسيا قد ميز المواقف العراقية من المبادرة، فالأطراف المحسوبة على العرب والعروبة كالقائمة العراقية، أو المنشقة على المالكى كالمجلس الأعلى الإسلامى سارعت إلى إعلان ترحيبها بالمبادرة وتأييدها لها، بينما كان واضحا أن الأطراف الأخرى المحسوبة على إيران أو على الأقل القريبة من مواقفها وعلى رأسها ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكى والتحالف الكردستانى تبحث عن مخرج ينقذها من ورطة المبادرة.

وقد ظهر هذا من ردود الفعل الأولى لهذه الأطراف، فقد صرحت مصادر قريبة من المالكى بأن موقف دولة القانون من المبادرة سوف يتحدد من خلال اجتماع تعقده الكتلة خلال يومين، وذكر قيادى فى التحالف الكردستانى أن المبادرة «مفاجئة وجديدة» وتوقع أن تقوم جميع الكتل البرلمانية بدراستها خلال أيام. وأضاف أن المبادرة قد تؤدى إلى الضغط على هذه الكتل لتقديم تنازلات سريعة (وكأن المبادرة شر ينبغى تجنبه)، وأضاف أن ثمة اجتماعا للبرلمان قبل عيد الأضحى، فإن استمر الفشل فى الاتفاق على توزيع الرئاسات الثلاث «ربما نذهب إلى الرياض».

لكن لحظة الحقيقة لم تتأخر كثيرا فلم يأت يوم الثلاثاء الموافق الثانى من الشهر الحالى إلا وقد أُعلن رفض التحالفين الكردستانى والوطنى المبادرة باعتبارها جاءت متأخرة، وتزيد المشهد السياسى العراقى تعقيدا، وذكر التحالفان فى بيان مشترك أن تشكيل الحكومة سوف يتم عبر مبادرة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزانى من أجل الوصول إلى حكومة شراكة وطنية، وتناثرت بالإضافة إلى هذا البيان تصريحات هنا وهناك وبالذات من مصادر ائتلاف دولة القانون تتحدث عن أن تشكيل الحكومة العراقية ينبغى أن يتم «داخل العراق»، وهو قول طريف، ففيما كانت الهرولة الجماعية إلى إيران إذن منذ إعلان نتائج الانتخابات من جانب قوى سياسية عراقية محددة على رأسها ائتلاف دولة القانون؟ ومن تراه الذى رعى المصالحة بين المالكى والصدر المقيم فى إيران؟ بل لماذا كانت جولة المالكى الأخيرة فى الدول العربية وتركيا طلبا لمساندة «مشروعه السياسى» للاستمرار فى منصب رئيس الوزراء؟ أما القول إن المشاورات قد قاربت على الانتهاء فهو قول تعوزه الدقة، لأنه حتى إذا انتهت المشاورات وفق النهج الحالى المتبع من دولة القانون والتحالف الكردستانى فلا أمل كبيرا فى أن تحقق حكومة العراق القادمة استقرارا للعراق يمكنه من بدء العملية الشاقة لإعادة البناء.

أجهضت المبادرة السعودية إذن، لكن ذلك لم يحدث لأنها «سعودية» وإنما لأنها «عربية»، وبالتالى فإن إجهاضها جزء لا يتجزأ من لعبة النفوذ الإقليمى فى الساحة العراقية، وعلى هذا النحو تأكد فقدان النظام العربى أى أوراق مؤثرة فى هذه الساحة، ولنتذكر كيف غُرر بهذا النظام على الصعيد الرسمى فى أعقاب الغزو الأمريكى الذى يفترض أن قمة شرم الشيخ العربية فى أول مارس 2003 قد عارضته من حيث المبدأ، وأن مجلس وزراء الجامعة العربية على المستوى الوزارى الذى انعقد فى الشهر نفسه إبان العمليات العسكرية للغزو قد اتخذ قرارات قوية ضده، فطالب بانسحاب القوات المشاركة فيه، وهدد باللجوء إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، غير أننا فوجئنا فى أول مجلس وزارى ينعقد بعد الغزو فى سبتمبر 2003 بأن النظام العربى الرسمى يعطى شرعية لحكومة الاحتلال، ويعتبر ممثلها ممثلا للعراق فى جامعة الدول العربية فى سابقة كانت الأولى من نوعها فى تاريخ جامعة الدول العربية بغير سند من القانون الدولى.

فى ذلك الوقت كان الغزاة والقوى السياسية العراقية المناصرة لهم بحاجة إلى «شرعية عربية»، ولذلك كان السعى إلى كسب الاعتراف من النظام العربى، وعندما استجاب المجلس الوزارى العربى فى دورة سبتمبر 2005 للهواجس السعودية التى عبرت فى حينه عن المشاعر العربية عامة بخصوص ما آلت إليه الأوضاع فى العراق من نفوذ إيرانى واضح على مجريات الأمور فيه وقرر المجلس إيفاد الأمين العام فى مهمة إلى العراق كانت الأوضاع قد تغيرت، وعارضت الزيارة تلك القوى التى دعمت الغزاة وأيدتهم، لكن الأمين العام قام بزيارته، وأتمها بحنكة ظاهرة، وشرع فى الإعداد لمؤتمر عراقى وطنى فعلت تلك القوى المستحيل لكى تجهضه، ونجحت بالفعل فى أن توقفه عند حد الاجتماع التمهيدى. أما الآن فمن غير المسموح أصلا للنظام العربى أو لدولة تقوم بدور قيادى فيه «بالتدخل» فى الشأن العراقى على الرغم من كل ما نراه من إخفاق سياسى ينعكس على استقرار هذا البلد العربى الأصيل وازدهاره. فإلى أين المصير؟

سيقولون إن هذا الموقف لا يعدو أن يكون سوى انطباعات بنيت على تصورات ذاتية بغير سند صلب من الحقائق، وأتمنى أن يكون هذا النقد صحيحا، لكن الوقائع كما أرى ويرى الجميع صادمة، والأخطر من ذلك أن ما يجرى فى العراق الآن بفعل الغزو الأمريكى والتدخل الإيرانى يحدث بالطريقة نفسها فى معظم الملفات العربية المزمنة منها والساخنة إن لم يكن فيها كافة، فملف النزاع فى الصحراء الغربية محرم على العرب الاقتراب منه فيما تتداوله الأيدى الدولية التى لم تنجز بشأنه شيئا يذكر حتى الآن، وملف السودان تعبث به أطراف إقليمية وعالمية عديدة.

ومصيره يسير حتى الآن وفق إرادة هذه الأطراف دون أن نعفى أنفسنا من مسئولية ما حدث، والبصمة الإيرانية وكذلك الأمريكية الأوروبية فى الملف اللبنانى أكثر من واضحة، وملف الصراع العربى الإسرائيلى موكل إلى الإدارة الأمريكية التى ثبت عجزها من البداية، ناهيك عما سيطرأ على سلوكها بعد ما جاءت به نتائج انتخابات التجديد النصفى للكونجرس من تراجع واضح للحزب الديمقراطى. ليس العراق وحده إذن هو من يعانى من تراجع النظام العربى وتفككه وهوانه على باقى القوى الإقليمية والعالمية، فلله الأمر من قبل ومن بعد.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية