وراء الجبل.. فيلم يدعوك للتحليق بعيدا عن وضع متأزم وواقع متصدع - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 6:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وراء الجبل.. فيلم يدعوك للتحليق بعيدا عن وضع متأزم وواقع متصدع

نشر فى : الإثنين 11 ديسمبر 2023 - 6:25 م | آخر تحديث : الإثنين 11 ديسمبر 2023 - 6:25 م
يجىء الفيلم التونسى «وراء الجبل» تأليف وإخراج محمد بن عطية فى تجربته الثالثة، ليشكل معزوفة سينمائية بصرية مدهشة تتخطى حواجز كثيرة عانت منها السينما العربية من حيث اللغة البصرية وعمق الفكرة والأداء، وأعتقد أنه سيحظى بصدى كبير ومردود أكبر لدى الجمهور العاشق لسينما يفكر معها فى مصير شخصياتها التى لم تلقى بكل تفاصيل حكايتها على الشاشة.
يواصل مخرجه وبطله مسيرة إبداعية بدأها بفيلم «نحبك هادى» الفائز بجائزة أفضل ممثل وأفضل عمل أول بمهرجان برلين السينمائى عام ٢٠١٦، وحينئذ كنت شاهدا على تصفيق الحضور إعجابا بالعمل، وأيقنت أن هذا الثنائى يقدم سينما مختلفة قادرة على المنافسة وراهنت عليهم، وفى الفيلم الجديد يحققان التوقعات وأتفق مع قول الناقد بسكرين لى مارشال بأن التجربة الثالثة لمحمد بن عطية تمثل دليلا إضافيا على الحيوية التى تعيشها السينما فى شمال إفريقيا حاليا.
يتتبع الفيلم الذى عرض على شاشة مهرجان البحر الأحمر السينمائى بقسم روائع عربية، رحلة رفيق «مجد مستورة» الذى يعانى أرقا نفسيا لا يتخلص منه سوى بالقفز طائرا فى الهواء ويظن الجميع انه يحاول ان ينتحر، وتتركه زوجته، وعندما يحاول التهور على زملاء العمل يتم وضعه بالسجن أربع سنوات، ولدى خروجه لا يوجد أمامه سوى خطة واحدة، وهى أن يخطف ابنه ويصطحبه بعيدا فى رحلة إلى ما وراء الجبال حتى يريه اكتشافه المذهل، وهناك يمر بمواقف صعبة تنتهى بموته بعد قفزة كبيرة فى الهواء حاملا ابنه على ظهره وهو يقول له أن عليه إخبار أمه أنه يطير بالفعل وليس يرغب دائما فى الانتحار.
نحن أمام قصة أب وابنه، وكيف تتحول العلاقة الفاترة بينهما إلى شبه صداقة عبر دراما ممزوجة بقلة الحوار وجمال الصورة التى تعكس طبيعة خلابة بكرا للجبال والأرض يتبخر فيها بالنهاية عناد العقل والاستسلام للمشاعر، وكأنه استكشاف غريب لخيال فى عالم واقعى.
أعود لمنتصف الرحلة عندما ينضم للاب والابن راعى غنم بمنطقة الجبال النائية «سامر بشارات»، وكأنه يهرب هو الآخر من مصيرة، ويختفون من مطاردة الشرطة بمنزل أسرة فى الطريق، ويخيفون اصحاب الدار وكأنهم ارهابيون وعندما يضيق الخناق يضطرون للهروب من جديد إلى نهاية رسمها القدر.
طوال الوقت يحيط المخرج محمد بن عطية بطله بالغموض، هو رجل يبدو عاديا، ولكنه فى يوم من الأيام يفقد كل شىء بكل بساطة؛ حيث يقوم بتدمير مكان عمله فى نوبة من الغضب العنيف المفاجئ وغير المبرر؛ لا نعرف أبدا سبب غضبه، لكن هذا الغضب ربما يعكس التيار الرئيسى للمجتمع التونسى. وبعد أربع سنوات من السجن، يحرص على إعادة التواصل مع ابنه ياسين (وليد بوشيوة)، رغم أنه يبدو غير صالح للأبوة، وفى مشاهد قوية ومربكة، يقوم باختطافه ويأخذه إلى الجبال حيث أراد أن يظهر له شيئا وهو انه يمكنه الطيران فى حين يقول الجميع إن ذلك مستحيل لكنه يتحقق فى النهاية وكأنه اسقاط على المجتمع بأنه يمكنه ان يحلق من جديد يلتقطون مزارعا صامتا على طول الطريق، وسرعان ما يجد الثلاثى غير المتوقع أنفسهم تحت المطاردة من قبل السلطات، أعتقد ان بن عطية لديه موهبة خاصة فى بناء الشخصيات ومنحهم سمات محددة تضىء مشاعرهم ورغباتهم الأوسع كما حدث فى فيلمه السابق «نحبك هادى»، هنا لدينا قصة أخرى لشخص ينتفض ضد الأعراف المجتمعية الأوسع، وتتوقف بشكل كبير فى النصف الثانى حيث تتحول إلى أزمة محلية ويقيد القصة فى الوقت الذى يجب أن تتوسع فيه حيث دارت الأحداث وسط الحياة التونسية المعاصرة على مدى فترة زمنية مضغوطة وكان لديه القدرة على التعبير بقوة عن ملامح وخطوط الصدع فى البلد، ومن المؤكد أن التوترات الحالية فى المجتمع التونسى، والعواقب الحتمية التى أعقبت الربيع العربى، والاحتمالات المشئومة دائما للتطرف الدينى، هى التى حفزت طرح هذا العمل الذى يصور بطله متطلعا للطيران، هربا وهلعا من الواقع والإحباط.
فالفكرة الأساسية للعمل نابعة من الطيران بعيدا عن الأوضاع المتأزمة، والتحليق نحو عالم مغاير، والواقع أن القصة الإنسانية يمكن أن تعاش فى أى مكان وزمان.
الفيلم تجربة سينمائية مختلفة عن أفلام بن عطية السابقة، على مستوى الكتابة والمعالجة والتقنيات المعتمدة خاصة عنصر توظيف المؤثرات البصرية.
حصل وراء الجبل على عرضه العالمى الأول فى مهرجان فينيسيا السينمائى الدولى حيث شارك فى قسم آفاق، وفاز الفيلم بجائزة الصحافة فى مهرجان الفيلم العربى بفاماك، وشارك فى مهرجان هامبورج السينمائى ومهرجان بوسان السينمائى الدولى، ومهرجان لندن السينمائى، ومهرجان ساوباولو السينمائى الدولى، ومهرجان بينجياو السينمائى الدولى. ويشهد عرضه الأول فى العالم العربى فى مهرجان البحر الأحمر السينمائى الدولى.
خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات