انقلابات إعلامية! - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انقلابات إعلامية!

نشر فى : السبت 12 فبراير 2011 - 9:59 ص | آخر تحديث : السبت 12 فبراير 2011 - 9:59 ص

 ذكرنى الانقلاب الذى شهده التناول الإعلامى للصحافة القومية ووسائل الإعلام المرئية التابعة للحكومة للثورة الشبابية التى انطلقت من ميدان التحرير بأبيات رائعة للشاعر الراحل صلاح عبدالصبور فى إحدى قصائده.. يقول:

كُهّان الكلمات الكتبة

جُهال الأروقة الكذبَة

وفلاسفة الطلسمات

والبلداء الشعراء

جرذان الأحياء

وتماسيح الأموات

أقعوا فى صحن المعبد مثل الدببة

حكوا أقفيتهم وتلاقوا كذباب الحانات

ينتزعون ثياب الأفكار المومس والأفكار الحرة

وتلوك الأشداق الفارغة القذرة

لحم الكلمات المطعون

هكذا بدت صورة الصحف الرسمية التى ظلت لعدة أيام منذ بداية الثورة الشبابية، تنكر وتتنكر لما يحدث فى ميدان التحرير، ولما تعرض له المعتصمون من رصاص القوات البوليسية وخراطيم المياه والطلقات المطاطية، ولسقوط الشهداء تحت سنابك الجمال والبغال التى قادتها جموع البلطجية والمأجورين من الحزب الوطنى. وبينما كانت الصحافة الأجنبية والمستقلة وقنوات التليفزيون الخارجية تغطى الأحداث بمهنية وموضوعية كانت الصحف القومية تنقل صورا مزيفة لشوارع وميادين هادئة تحت سيطرة الأمن، مدعية أن قوى خارجية وعناصر مندسة من الإخوان وحماس وعملاء إيران هم الذين يحاولون إثارة الشغب والتخريب.

وتزاحمت على صفحات الصحف القومية أقلام كُهان الكلمات تدافع عن إنجازات النظام، وتتهم الشباب بالوقوع فى شباك أعداء الوطن من المغامرين والباحثين عن السلطة.

وعلى نفس النهج سارت برامج التليفزيون الرسمى، سواء فى النشرات الإخبارية أو برامج «التوك شو» التى استخدمت كل أساليب الكذب والمراوغة، واستجداء رجل الشارع وتحريضه ضد المتظاهرين.

وباستثناء الموقف الشريف لمحمود سعد، تقلب مذيعو «مصر النهاردة» بين الانسياق وراء تعليمات وزير الإعلام، ومحاولة التحذير من مصير كمصير العراق ولبنان.

واستضافوا نفس الوجوه المهترئة التى اعتادت أن تظهر فى كل مناسبة. أما الحقيقة فقد ضاعت على شاشات التليفزيون الرسمى، مما دفع الناس إلى البحث عنها فى العربية والـ«سى.إن.إن» والجزيرة.

وربما كانت الموقعة الفاصلة التى أدت إلى انقلاب نسبى فى أسلوب التناول الإعلامى للصحف القومية والقنوات الرسمية، حين سقط العشرات من الجرحى والقتلى فى يوم «الأربعاء الدامى» الذى شهد انهيار الجهاز البوليسى وإطلاق سراح المسجونين، ودار حوار بالطوب والحجارة وطلقات الرصاص الحى بين فرق البلطجية من الحزب الحاكم وبين ملايين المتظاهرين الذين رفعوا سقف مطالبهم إلى الإصرار على تنحى الرئيس. واكتمل الانفلات الأمنى الذى أفضى إلى إصدار الأوامر بنزول الجيش.

وجرى وضع عدد من الوزراء تحت الحراسة وتجميد أموالهم والتحقيق معهم، واستقالة هيئة المكتب السياسى للحزب الحاكم.

ليس غريبا أن يلفت موقف الصحافة القومية والإعلام الرسمى أنظار العالم، وأن تطالب الجمعيات والمنظمات الدولية المدافعة عن حرية التعبير والصحافة بتحرير الإعلام المصرى والإفراج عن المعتقلين من الصحفيين الذين كانت السلطات قد ألقت القبض عليهم.

وربما كان أكثر ما أساء إلى مصر هو الأسلوب غير المهنى الذى انتهجته السلطات إزاء الصحافة الدولية والمعاملة السيئة التى عومل بها المراسلون الأجانب الذين أجبروا على الرحيل.

ولقد اضطر الإعلام الرسمى ــ بعد ذلك ــ إلى التراجع عن كثير من تحولاته وادعاءاته. وغير بعض رؤساء التحرير مواقفهم ولغتهم وجلدهم، وأسلوب التغطية الإعلامية للأحداث.

وهو بغير شك عامل من عوامل فقدان الثقة فى السياسة الإعلامية للدولة. وقد لا تستطيع كثير من الأسماء المشهورة التى انحازت فى البداية ضد ثورة الشعب، ثم انقلبت على عقبيها استعادة مصداقيتها.

وهو ما أثبتته تجربة بعض الفنانين من أمثال «تامر حسنى» الذين ظنوا أنهم قادرون على التلاعب والإفلات من غضب الشعب.

إن هذه التجربة تجعلنا نعترف بأن سقف الحرية للصحف المملوكة للدولة.. يظل محكوما بما يفرضه النظام من رؤى وسياسات، وليس بما تقتضيه مبادئ الحرية الإعلامية وحق التعبير والالتزام بالمهنية والموضوعية.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات