«أنا تونيا».. كوابيس بحجم الأحلام! - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 12:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أنا تونيا».. كوابيس بحجم الأحلام!

نشر فى : الخميس 12 أبريل 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 12 أبريل 2018 - 10:15 م

هذا الفيلم الأمريكى البديع كان يستحق جوائز أكثر فى مسابقة الأوسكار 2018، على الرغم من أنه انتزع جائزة مستحقة لأفضل ممثلة مساعدة (أليسون جانى)، إنه عمل ذكى ومؤثر يرسم ببراعة ملامح شخصيات مدهشة، تتأرجح بين الحلم والكابوس، وبين الحب والكراهية، وبين الفشل والاقتراب من النجاح، كما يرسم الفيلم، المأخوذ عن قصة حقيقية، صورة للمجتمع الأمريكى بكل تفاصيله: بريق الشهرة، ودور العائلة، سطوة القانون وصرامته، ودور وسائل الإعلام فى الصعود والسقوط معا.

أتحدث عن فيلم «أنا تونيا» الذى كتبه ستيفن روجرز وأخرجه كريج جليسبى، مترجما قصة بطلة التزحلق الفنى الأمريكية تونى هاردنج التى دخلت تاريخ الرياضة من زاويتين: الأولى باعتبارها لاعبة واعدة، فقد كانت أول أمريكية فى التاريخ تحقق القفزة المحورية الثلاثية فى لعبة صعبة تجمع بين الفن والقوة، وكانت مرشحة لتحقيق أفضل النتائج فى أوليمبياد الألعاب الشتوية.

والثانية زاوية كارثية إذ اعتبرت «تونيا» متورطة هى وزوجها السابق فى ضرب منافستها اللاعبة نانسى كيريجان، وهو ما اعتبر أكبر فضيحة فى وقتها (1994)، وأدى ذلك إلى شطب تونيا من سجلات اللعبة، ومنعها من ممارستها إلى الأبد، والقضاء تماما على كل أحلامها فى رياضة التزلج.

لكن روعة الفيلم ليست فى مجرد سرد الوقائع، وإنما طريقة معالجتها، فالشخصيات التى اشتركت فى الحكاية تتحدث مباشرة إلى الكاميرا، وكأننا فى فيلم تسجيلى وهمى، وهو ما يمنح السرد حيوية ورؤى مختلفة، على الرغم من أننا بالأساس أمام وجهة نظر تونيا فيما حدث، كما أتاحت هذه الطريقة تكثيف الزمن، والقفز فوق اللحظات الدرامية الضعيفة؛ لأن الفيلم يتابع مسيرة تونيا من سن الرابعة تقريبا، والفضيحة وقعت عندما كانت فى سن الثالثة والعشرين، ثم تواصل تونيا السرد بعد الفضيحة أيضا.

المعالجة انتبهت كذلك إلى شىء خطير وهو أن فى الحكاية من الملهاة، بقدر ما فيها من المأساة، لذلك امتزجت الكوميديا بالتراجيديا على نحو متماسك، موضع «الملهاة» أن الشخصيات تبدو أحيانا أقرب إلى الحماقة والاضطراب النفسى، وموضع «المأساة» هو أننا أمام شخصية تراجيدية بامتياز: فتاة ليست شريرة، ولكنها ضحية لظروفها وتربيتها، وضحية لخطأ عمرها، وهو زوجها جيف جيللولى.

ضربة أخرى عظيمة يحققها السيناريو الفذ، وهى الخروج بالحكاية إلى دائرة أوسع، باعتبار أن قصة صعود وسقوط تونيا هى قصة أمريكية بامتياز، فالمفاتيح الثلاثة للفيلم تمثل أيقونات متكررة فى أفلام هوليوود، طالما دفعت أبطال الأفلام إلى النجاح والتفوق، ولكن هذه الأيقونات تبدو هنا كعوائق تحول الأحلام إلى كوابيس، ولذلك فإن المفارقة والتناقض فى هذا الفيلم فى بناء الفيلم نفسه.

الأيقونة الأولى هى العائلة، ويمكننا بكل وضوح أن نقول إن تونيا كانت ضحية لأم عنيفة صارمة شبه مضطربة، ولزوج عنيف أيضا ومضطرب، الاثنان لا يكرهان تونيا، ولكنهما لا يعرفان طريقة للحماية والدفع للأمام إلا بالقسوة والصرامة.

الأم ــ بأداء أليسون جانى المذهل ــ أقرب إلى وحش متحرك، والزوج أراد أن تنجح زوجته فقضى على مستقبلها بحماقته، ويقول الفيلم بصراحة إن أحد أسباب تعثر مسيرة تونيا، هو أن لجان اختيار المشاركات الأمريكيات فى الأولمبياد تحرص على تمتع اللاعبات بعائلات نموذجية، وهو ما تفتقده تونيا، حتى العائلة التى ينتمى إليها شون، الحارس الخاص لتونيا الذى خطط لإيذاء منافستها، أقرب إلى السلبية والبلاهة، الفيلم إذن معرض لعائلات فاشلة، أسقطت بطلة موهوبة.

الأيقونة الثانية هى العنف كتعبير عن القوة، وهو ما نراه فى أفلام الملاكمة مثل سلسلة «روكى» مثلا، ولكن العنف يبدو هنا مثل كارثة حقيقية، لدرجة تهدد حياة تونيا نفسها، فالأم تقذفها بسكين، وزوجها يطلق الرصاص عليها، وتونيا نفسها تضرب زوجها.
الفيلم يسخر من العنف كتعبير عن القوة، ويراه تعبيرا عن الاضطراب والحماقة، وليست مصادفة أن تظهر صورة ريجان فى خلفية أحد المشاهد تعبيرا عن القوة الخارقة، فى الوقت الذى يفسد فيها زوج تونيا حياتها بتصرفاته، وليست مصادفة أن تكون أوهام القوة والعنف مسيطرة على شون، لدرجة ادعائه أنه يقوم بمكافحة الإرهاب فى العالم كله!
ثم تأتى السخرية الأوضح عندما تحترف تونيا الملاكمة بعد شطبها من سجلات رياضة التزلج، هنا يصبح عنفها فى الساحة المناسبة لها، ولا يفوت الفيلم المقارنة بين قفزتها فى التزلج، وسقوطها فى الملاكمة، فقد مارست الرياضتين بنفس الطريقة، والدم الذى نراه على أرض الحلبة، هو كل ما سيبقى ممن لا يعرفون سوى العنف.

أما الأيقونة الثالثة التى قلبها الفيلم فهى تحقيق الحلم، تونيا موهوبة ومجتهدة وتحب رياضتها، ولا تملك سواها بعد أن تركت الدراسة، لديها أيضا مدربة تحبها وتثق فى قدراتها، ولكن كل ذلك انتهى إلى الكابوس، لأن الحلم لا يمكن أن يتحقق على أنقاض أحلام المنافسات، ولأن القانون يقظ وصارم، ولأن وسائل الإعلام التى تصنع الأبطال ليحبهم الأمريكيون، يمكن أن تجعلهم مكروهين إذا سقطوا.

لم تفهم تونيا أنها كانت تسير على حد الشهرة، وهى تسير على حد حذاء التزلق، وسقوطها المتكرر (فى التزلج أو الملاكمة) يكتسب بذلك معنى أكبر من الفشل فى الرياضة، إنه عنوان الحكاية كلها: أنت بطل إذا لم تسقط، وأنت بطل إذا استطعت الدوران، ولكن لكى تعود من جديد إلى ثباتك.

نجح مخرج الفيلم، ومعه مونتير متميز للغاية، فى أن يجعل الفيلم مثل نهر متدفق، لا ثرثرة ولا ترهل، الكاميرا تتزلج مثل بطلتنا الرائعة، وأداء الممثلين ممتاز خصوصا مارجوت روبى (تونيا)، وأليسون جانى (الأم)، وبول والتر (شون)، كما توزعت أغنيات معبرة على شريط الصوت، تلخص كل حالات الصعود والسقوط، والحلم والكابوس.

يقول الفيلم إن تونيا أمريكية تماما، مفتاح شخصيتها رغبتها فى أن تكون «محبوبة» و«ناجحة»، فلما فشلت فى التزلج، كتبت سيرتها الذاتية لتثير التعاطف، وبدأت حياة عائلة جديدة مع زوج آخر، وأنجبت طفلة، هى أيضا شخصية أمريكية براجماتية، ثم جاء الفيلم الذى يحكى عنها، ليعيدها إلى دائرة الشهرة من نافذة السينما، بعد أن خرجت من باب الرياضة.

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات