وكالة غوث المصريين - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وكالة غوث المصريين

نشر فى : الإثنين 12 أكتوبر 2009 - 9:38 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 أكتوبر 2009 - 9:38 ص

 لست صاحب فكرة العنوان، لأننى سمعته من أحد السياسيين المخضرمين فى مصر، أثناء تعقيبه على إعلان نشر على صفحة كاملة فى إحدى الصحف القومية، ناشد رئيس الجمهورية لأن يتدخل لإنصاف أحد المواطنين من تعسف جهاز الإدارة وظلمه له، تكرر الإعلان مرتين، لكنه لم يكن وحيدا، لأن الصحف الصباحية أصبحت تنشر إعلانات من هذا القبيل لمواطنين فشلوا فى حل مشاكلهم مع الإدارة، فراحوا ينشرون مشاكلهم عبر وسائل الإعلام راجين أن يتدخل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الوزراء المختصون لرد حقوقهم التى فشلوا فى تحصيلها من خلال القنوات العادية. حينذاك قال محدثى أنه إزاء استفحال الظاهرة لربما اقتضى الأمر إنشاء هيئة خاصة باسم «وكالة غوث المصريين»، تتولى تسليك الأمور العالقة فى أجهزة الدولة، التى يعجز المواطن العادى عن إنجازها.

الفكرة ليست مبتدعة تماما، لأنها منفذة على أرض الواقع بصورة مختلفة، فالذين يتولون «التخليص» فى الجمارك والمطارات، والذى يتوزعون على أبواب المصالح الحكومية من المرور إلى الضرائب وأقسام الشرطة مرورا بوزارات الخدمات وأجهزة الإدارة المحلية.

هؤلاء جميعا «وسطاء» يستخدمون خبراتهم وعلاقاتهم لتمرير المعاملات المختلفة وإغاثة عامة المصريين من أصحاب الحاجات. وهى ظاهرة يتسع نطاقها يوما بعد يوم، بحيث استقر لدى الرأى العام أن صفة المواطن ليست كافية لإنجاز مصالح الناس، وأن كل واحد لابد له من «واسطة» تساعده على تحصيل حقوقه.

لماذا حدث ذلك؟.. هناك أسباب متعددة منها تعقيد الإجراءات فى المصالح الحكومية، الأمر الذى يحير صاحب المصلحة وينهكه، ويشعره فى أحيان كثيرة بأنه فى حاجة إلى «صديق» يعينه على إنهاء معاملته، منها أيضا أن الموظف المصرى مثقل بالهموم التى عادة ما تفوق طاقته. وهو يذهب إلى عمله مكتئبا وغير مستعد لتقديم واجبات وظيفته. إذ إضافة إلى ضعف أجره فلابد أن تكون أعباء الحياة قد قصمت ظهره، خصوصا إذا كان متزوجا ولديه أبناء وبنات يطالبونه كل يوم بمصاريف الدروس الخصوصية. ناهيك عن أنه يهان فى المواصلات فى الذهاب والإياب. وتلك ظروف تجعله متبرما وضائق الصدر باستمرار، وبحاجة لمن يحمل عنه ويخدمه لا أن يقوم هو بخدمة غيره. لذلك أزعم أن مجتمع الموظفين فى مصر فى حالة إضراب عن العمل. صامت وغير معلن، وأنهم ما عادوا يعملون إلا عند الضرورة وتحت ضغط لا يستطيعون مقاومته.

لا أستطيع أن أتجاهل فى هذا السياق دور التحولات السلبية التى طرأت على منظومة القيم فى المجتمع، وبمقتضاها اختلت قيمة الحق والواجب، بعدما أدرك عامة الناس أنهم مسحوقون وبلا حقوق، ومن ثم فإنهم لم يجدوا دافعا لأن يؤدوا ما عليهم من واجبات. ولأن الحكومة هى الطرف المعنى بهذه الرسالة بالدرجة الأولى، فقد انعكس ذلك على أداء موظفيها.

وحدهم الأكابر من رجال السلطة يأخذون حقوقهم كاملة غير منقوصة، لسبب جوهرى هو أنهم مواطنون من الدرجة الأولى، ومقاماتهم تشكل عنصرا ضاغطا لا يستطيع الموظف العادى أن يتفلت من الاستجابة له. الأمر الذى يعنى أن جهاز الإدارة من الناحية العملية لم يعد فى خدمة المجتمع بقدر ما أصبح فى خدمة السلطة، وبعد التعديلات التى أدخلت على هيكل النظام الوظيفى فى مصر، وبمقتضاها أصبح مصير مسئولى أجهزة الدولة معلقا على رضا السلطات العليا، فقد ساد الاعتقاد بأن استرضاء الكبار أهم وأنفع من استجلاب رضا الناس. وهى كلها اعتبارات تضفى وجاهة على فكرة مأسسة قضاء مصالح الضعفاء بإنشاء وكالة لغوث المصريين العاديين، بعدما أصبحت أجهزة الدولة مشغولة بالمصريين الممتازين.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.