حكومة العرب الخفية؟ - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكومة العرب الخفية؟

نشر فى : الأحد 12 ديسمبر 2010 - 11:35 ص | آخر تحديث : الأحد 12 ديسمبر 2010 - 11:35 ص

 هذه مصادفة كاشفة ساقتها إلينا الأقدار: أن تتولى الأجهزة الأمنية فى مصر إدارة المعركة الانتخابية وقمع المرشحين غير المرضى عنهم بطريقة فجة وقسوة غير مسبوقة.

وأن تقوم شرطة مكافحة الشغب فى الكويت بالاعتداء بالضرب على عدد من النواب المعارضين والمستقلين لأول مرة فى تاريخ التجربة البرلمانية بالكويت. وأن يتزامن ذلك مع اجتماع لقادة الشرطة والأمن العرب فى تونس. ذلك أننى أزعم أن ثمة خيطا رفيعا يربط بين الأحداث الثلاثة له دلالته المهمة فى الفضاء العربى الراهن.

الذى فعلته الأجهزة الأمنية فى مصر بالمرشحين والمندوبين والناخبين والقضاة وأعضاء اللجان بات معلومات للكافة. إذ تكفلت تلك الأجهزة، مستعينة بعناصر «صديقة» من البلطجية وأرباب السوابق بتنفيذ تعليمات «تأديب» كل من تحدى مرشحى الحزب الوطنى. أما الذى حدث فى الكويت مساء الأربعاء الماضى (8/12) فخلاصته التى تناقلتها التقارير الصحفية كما يلى: عقد بعض النواب المعارضين اجتماعا فى ديوانية أحدهم (النائب جمعان الحربش)، لمناقشة ما اعتبروه مخالفات للدستور نسبت إلى الحكومة، وهى واحدة من سلسلة لقاءات دعا إليها أولئك النواب لذات الغرض. وحين عقد الاجتماع تبين أن القاعة لا تتسع لكل الحاضرين، الأمر الذى اضطر بعضهم للوقوف خارج سور المنزل. ولأن التعليمات تقضى بألا يكون للندوات التى تعقدها المعارضة أى وجود خارج ديوان النائب، فإن وقوف البعض خارج البناية بدا مخالفة، تعاملت معها القوى الأمنية بسرعة.

فانهالت بالضرب على الواقفين. وحين خرج أعضاء مجلس الأمة من داخل الديوانية للتفاهم مع الضباط المشرفين على العملية، فإن بعضهم استقبل بالهراوات، الأمر الذى أدى إلى كسر يد أحدهم ونقل اثنين منهم إلى المستشفى للعلاج.

هذا المشهد جديد تماما على الكويت، حيث لا يخطر على بال أحد ممن اقتربوا من التركيبة السياسية والاجتماعية هناك أن أعضاء مجلس الأمة يمكن أن يتعرضوا للضرب. رغم أننا صرنا نسمع عن تعذيب فى السجون وانتزاع للاعترافات بالقوة، إلا أن ذلك كله يظل فى كفة وما حدث لأعضاء مجلس الأمة فى كفة أخرى.

أدرى أن الاعتداء على النواب المنتخبين ليس غريبا فى مصر، حيث لا كرامة لمعارض، ومن جانبى أعرف ثلاثة منهم على الأقل تعرضوا للضرب رغم الحصانة(!) من جانب عناصر أمن الدولة، (هم النواب السابقون عصام العريان وحمدين صباحى ومحمد فريد حسنين)، إلا أننى ما توقعت أو ما تمنيت أن يأتى يوم تنتقل فيه العدوى إلى الكويت.

أخشى ما أخشاه أن تكون جرأة أجهزة الأمن المصرية على المجتمع خصوصا مثقفيه وسياسييه، التى تضاعفت فى ظل قانون الطوارئ، قد شجعت آخرين فى العالم العربى على أن ينتهجوا ذات النهج. وقد خطر لى ذلك لأننى ما زلت أذكر رأيا مماثلا سمعته ذات مرة من الأستاذ أحمد بهاء الدين، قال فيه: إن الثورة المصرية منذ خمسينيات القرن الماضى أهانت السياسيين والمثقفين من الناقدين والمعارضين، واتبعت معهم أساليب لم تكن معهودة. ذلك أن هؤلاء كانوا يودعون عادة فى «سجن الأجانب»، أو كانوا تخصص لهم عنابر متميزة فى السجون العادية (كانوا يسمونها معاملة «أ»).

حيث جرت العادة على تزويد حجراتهم بالأسرّة والمكاتب والكراسى. فى حين يقدم لهم طعام متميز قد يكون مستجلبا من الخارج. لكن ذلك كله ألغى بعد الثورة، وعومل السياسيون والمثقفون أسوأ معاملة، وتعرض بعضهم للتعذيب. وقد أرتأى الأستاذ بهاء أن هذا الأسلوب كانت مصر «رائدة» فيه، وأن الدول العربية الأخرى اقتبسته وطبقته بجرأة على سياسييها ومثقفيها. وإذا صح ذلك التحليل فربما فسر لنا لماذا تجرأت الشرطة على أعضاء مجلس الأمة فى الكويت، وفى بعض الدول الخليجية الأخرى.

ما علاقة الذى حدث فى مصر وفى الكويت باجتماع قادة الأجهزة الأمنية العربية فى تونس؟ ليست لدىّ معلومات فى هذا الصدد، لكن مساحة الاستنتاجات واسعة، ذلك أننا نعرف جيدا أن التعاون الأمنى هو أهم عمل عربى مشترك تهتم به تونس، التى تحتضن منذ سنوات مقر واجتماعات وزراء الداخلية العرب. كما أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل الدور المتعاظم للأجهزة الأمنية فى العالم العربى، التى أصبحت القوة الحقيقية التى تديره (لا تنس الدور القمعى الذى مارسته تلك الأجهزة فى عمَّان مؤخرا). بالتالى فإن تفاهمات قادة الأجهزة الأمنية العربية هى التى تزودهم بالجرأة التى تدفعهم إلى التمادى فى القمع الذى نشهد تجلياته فى مختلف الساحات العربية، والتى كان لمصر دور «الريادة» فيها.

هل يصبح قادة الأجهزة الأمنية بمضى الوقت أركان الحكومة الخفية فى العالم العربى؟!.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.