الدفع نحو الصدام - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 7:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدفع نحو الصدام

نشر فى : الإثنين 12 ديسمبر 2011 - 9:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 ديسمبر 2011 - 9:35 ص

خيمت تصريحات اللواء مختار الملا عضو المجلس العسكرى التى أفصح عنها فى لقاء مغلق مع مجموعة من الصحفيين الأجانب ــ أمريكيين وإنجليزى ــ على الأجواء الانتخابية التى حملت رياح الديمقراطية فى مصر، فأضافت إلى حالة الغموض والالتباس التى واكبت تشكيل مجلس استشارى غير محدد الاختصاصات، مزيدا من الحيرة وعدم اليقين. وتركت مجالا واسعا للتكهنات والتوقعات حملت كثيرين ممن أخذوا العملية الانتخابية مأخذ الجد، على أن يعيدوا النظر فى نوايا المجلس العسكرى، مع قدر من الإحباط إزاء ما يحيط بالموقف كله.

 

فبينما التزم المجلس العسكرى بالصمت تعليقا على نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، وما حملته من مفاجآت كانت متوقعة بحصول التيار الإسلامى على أغلبية معتبرة. كان أول رد فعل على لسان اللواء مختار الملا بأن مجلس الشعب لا يمثل جميع فئات الشعب المصرى، ولن تشكل الأغلبية فيه الحكومة القادمة، بل ولن تكون له سلطة على وضع الدستور، حيث ستبقى للمجلس الكلمة النهائية فى صياغته بعد أخذ رأى الحكومة، وبعد مداولات المجلس الاستشارى وما تسفر عنه من توصيات.

 

وهكذا بدت الصورة مختلفة عن ذى قبل. وكأن هذه الانتخابات لم تكن غير حلقة فى سلسلة يمسك العسكريون أطرافها، وليست بالضرورة تعبيرا عن رأى الشعب!

 

وقيل تفسيرا لهذا التحول الذى اتسم بقدر من الغموض، إن الهدف منه هو طمأنة الولايات المتحدة وتهدئة توجساتها من صعود الإسلاميين إلى السلطة.. وحتى لا تكون لهم الكلمة الأخيرة فى صياغة الدستور، فقد احتفظ المجلس العسكرى لنفسه بهذا الحق حتى لا تنفرد جهة أو حزب بكتابة الدستور. وبدت المخاوف ــ غير المشروعة ــ تظهر على السطح من أن البرلمان المقبل ستحكمه قوى غامضة من أغلبية إسلامية تدخل معترك الحياة السياسية لأول مرة. ولهذا السبب ــ ربما ــ تنبأت صحف الغرب وسايرتها صحف مصرية وعربية، وربما تمنت أيضا أن تكون تلك بداية صدام بين الجيش والإخوان المسلمين.. على غرار ما حدث فى الجزائر عام 92. حين ألغى الجيش الجزائرى نتائج الانتخابات التى أحرز فيها الإسلاميون (حزب الجبهة الإسلامية) أغلبية الأصوات. وبدأ الصراع الذى فقدت فيه الجزائر 200 ألف قتيل ومليارات الدولارات. فى سبيل الحصول على ثقة الغرب، جاءت هذه التصريحات بطريقة فجة، يخشى أن تفسد ما تحقق من نجاح حتى الآن فى إجراء العملية الانتخابية، وتشجيع حماس الناس على المشاركة فيها، أو على الأقل فى مرحلتها الأولى، وفى توليد جو من التفاعل والحوار بين الكتل الانتخابية المختلفة، بما يرسى علاقات صحية بين الأحزاب والقوى السياسية المتنافسة.. دون تدخل من السلطة. وهو ما بدا من تراجع التيار الإسلامى عن كثير من إدعاءاته التى أثارت غضب المجتمع وشكوك الشارع.

 

وغنى عن البيان أن أساليب الضغط والإكراه، غالبا ما تصرف الناس عن المشاركة فى العملية السياسية.. وهناك أطراف داخلية وخارجية يهمها إخراج الإسلاميين، ــ وعلى وجه التحديد الإخوان المسلمين ــ ولعل هذا ما أدركه الإسلاميون. فعلى الرغم من انسحابهم المفاجئ من المجلس الاستشارى بعد أن شاركوا فى صياغته، وهى خطوة متسرعة على كل حال، فإنهم عادوا يؤكدون حرصهم على عدم الدخول فى صدام مع العسكريين مهما كانت الظروف.. وهو موقف يتسم بالحكمة والاعتدال وروح المسئولية. إذ لابد أن يدرك الجميع أن التجربة مازالت هشة، وأن التشدد من أطراف المعادلة لن يؤدى إلا إلى الإطاحة بالثورة وما حققته حتى الآن.. وإذا كان للعملية الديمقراطية أن تحقق تقدما، فهو لن يتحقق إلا بالممارسة، وباسلوب التجربة والخطأ، وبروح التسامح الديمقراطى من جميع الفرقاء ــ وعلى مدى طويل. وإذا كانت المخاوف تنصب أساسا على كتابة الدستور، وعدم انفراد فئة أو جماعة بصياغته، فسوف يكون تشكيل لجنة المائة التى ينتخبها البرلمان المقبل، مشروطا بقدر كبير من التوافق من جانب أطراف المعادلة السياسية. وهذه ــ فى رأيى ــ هى الوظيفة الأساسية التى نتمنى أن ينهض بها المجلس الاستشارى لتحقيق التوافق السياسى بين القوى فى القضايا المهمة، وعلى رأسها كتابة الدستور، حيث أثبت المجلس العسكرى عجزه وحده عن القيام بهذه المهمة فى غيبة القوى المدنية!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات