هل تنفع الجراحة التجميليّة؟ - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تنفع الجراحة التجميليّة؟

نشر فى : الثلاثاء 13 مايو 2014 - 2:45 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 13 مايو 2014 - 2:45 ص

هل بدأ الفتور يسيطر على الناشطين، والوهن يدبّ فى نفوس المحلّلين والمراقبين، واللامبالاة تستشرى من جديد فى صفوف التونسيين؟ أسئلة نطرحها ونحن نقارن بين ما كان عليه أداء مختلف مكوّنات المجتمع المدنى سابقا وما آل إليه اليوم. ولا مفرّ، فى تقديرنا، من الاعتراف بأنّنا لم نعد نعاين نفس الحماس وشدّة المتابعة واليقظة.

•••

إنّ مرور مائة يوم على «حكومة مهدى جمعة» لم يكن قادحا لنقاش معمّق حول أداء هذه الحكومة، ولا مناسبة لتبيّن تقييم مختلف الفاعلين للسياسات المتبعة. فهل أنّ عين المحبّين لمهدى جمعة كليلة لا ترى إلاّ الفضائل، وتغضّ الطرف عن المساوئ، وتتعمّد انتهاج سياسة العمى؟ أم أنّنا بدأنا نجنى ثمار اعتماد التوافق مبدأ أساس، وفقه المرحلة الانتقالية حتى وإن اقتضى ذلك التنازل عن بعض القيم والآليات التى تقوم عليها العمليّة الديمقراطية؟

قد يحلو للبعض تفسير خفوت لهجة الانتقاد بأنّه راجع إلى «الإجماع» الحاصل حول هذه الحكومة، والتذرّع بأنّ المرحلة تتطلّب شيئا من «التسامح» حتى نصل إلى برّ الأمان وتجرى الانتخابات فى موعدها. غير أنّنا نعتبر أنّ أهمّ مكسب تحقّق للتونسيين بعد الثورة هو تشكّل مجتمع مدنى قوى نسبيا، استطاع أن يمارس قوّة ضغط، وأن يغيّر التعريف الكلاسيكى للسلط (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذى قدمه «مونتسكيو» فى القرن الثامن عشر. فنحن اليوم إزاء سلط تتجاور وتتفاعل وتشترك فى صياغة السياسات بحيث ما عاد بالإمكان تجاهل دور مختلف منظمات المجتمع المدنى. ولا بدّ لهذه المكونات من أن تستمرّ فى الاضطلاع بدورها الرئيس لاسيما فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، وأن تنأى بنفسها عن انتهاج سياسة الكيل بمكيالين أو الوقوع فى فخّ الانحرافات الأيديولوجية، حتى تحافظ على مصداقيتها وتعزّز ثقة المواطن/ة بها.

•••

لقد بدا الفاعلون السياسيون والناشطون فى مختلف المجالات «خجولين» فى انتقاد سياسة أداء «حكومة جمعة» وكأنّ لسان حالهم ليس بالإمكان توقّع الأفضل من حكومة مؤقتة و«غير مسيّسة» يشرف عليها «التكنوقراط». بيد أنّ جديّة الرصد والمتابعة والجرأة فى اتّخاذ المواقف يمليان على كلّ مهتمّ/ة بالشأن السياسى الإقرار بأنّ أداء هذه الحكومة لا يعبّر إلى حدّ الآن، عن طموحات شرائح كبرى من المواطنين حتى وإن تفنّن المستشارون فى إقناع رئيس الحكومة بجدوى إجراء عمليات الجراحة التجميليّة.

قد يعنّ للوزراء، وعلى رأسهم السيّد «جمعة» العناية بصورتهم، والاهتمام بمظهرهم، وسلوكهم فى الفضاءات العمومية، والتسويق لأفكار وقيم من قبيل «تشبيب الحكومة» و«تعصير» أشكال التعامل مع الإعلام، والحداثة، وحبّ العمل، والتقشّف، ... وأسطرة صورة الوزيرة الناجحة. ولكن أنّى لسياسة الأجساد واقتصاد الصورة أن يقنعا المهمّشين والكادحين الذين يكابدون يوميا من أجل القوت؟ إن هى إلاّ سياسات تتجه إلى الخارج ولا تولى اهتماما بما يجرى فى الداخل مبرّرها فى ذلك أنّ الرهان اليوم: تنشيط قطاع السياحة وبثّ الروح فى قطاعات من الاقتصاد.

•••

قد يعنّ للوزراء اتخاذ مختلف التدابير الحازمة من أجل التحكّم فى الميزانية وتجنّب الكارثة الاقتصادية ولكن أنّى لمن افتقر إلى المعرفة الدقيقة بواقع البلاد الفعليّ، والرؤية الشمولية، والقدرة على التفكير المركّب أن يقدّم الحلول الناجعة؟ إن هى إلاّ ضروب من المسكّنات. قد يعنّ للوزراء حفظ ماء الوجه بتجنّب الوقوع فى «مصيدة» برامج إعلامية تقتات على وقع الخصومات والفضائح ولكن أنّى لمن عاش فى حصنه العتيد، وهاب الوسيط الإعلامى والزيارات الميدانية أن يفهم الحراك الذى يمرّ به المجتمع. فهل للإحصائيات قيمة إن عجز المسئول عن الاقتراب من هموم المواطنين وكسر الحواجز والمسافات ورؤية البشاعة بملء العين؟ وهل للتصريحات أهميّة إن جهل المسئول ما يجرى على أرض الميدان وغاب التنسيق بين مختلف الأطراف؟

ومع استمرار سوء ترتيب الأولويات، و«سياسة الورقة البيضاء واليد المرتعشة»، والمهادنة والتوافقية والشعبوية والجهوية والترميم، والتوفيق والتلفيق.. لن يكون لعمليات الجراحة التجميلية أثر بليغ. هيهات إن شاخ الجسد واستبدّت به العلل.. لن ينفع معه العقار.

التعليقات