لا ينكر أحد أن الانتقال من الوضع العربى السياسى والاقتصادى والاجتماعى الحالى، وضع دولة الراعى / الرعية المنبثقة عن العلاقات القبلية والعشائرية البدوية المترسخة فى تاريخ العرب، ووضع الاقتصاد الريعى المعتمد على ثروة غير إنتاجية والذى بدوره يقوى ويرسخ علاقات دولة الراعى / الرعية مع مجتمعاتها، وأشكال من أوضاع جديدة من مثل دولة الحزب الواحد القائد المهيمن.. لا ينكر أحد أن الانتقال من مثل هكذا أوضاع إلى وضع جديد ديمقراطى هى عملية صعبة ومعقدة ومليئة بالمطبات والانتكاسات.
لكن ذلك لا يعنى على الإطلاق الترحيب بما يقوله البعض، بقصد وخداع أو بدون قصد وبنية صافية، من أن النضال ضد مساوئ ومؤسسات تلك الأوضاع الفاسدة الظالمة غير الحداثية سيجلب عددا من المشاكل. ويضربون الأمثال بما وصلت إليه الأحوال فى الأقطار العربية التى حاولت شعوبها تغيير تلك الأوضاع لتجد أنها أمام مشاكل جديدة.
وبالتالى يصل هؤلاء إلى نتيجة أن العرب غير مهيئين بعد للانتقال إلى نظام ديمقراطى معقول، وأن تغير الأوضاع تلك يجب أن يترك للزمن أو لمنة وتفضل هذه الجهة أو تلك. نحن نستطيع أن نتفهم لو طالب هؤلاء بالتدرج وبتهيئة المجتمع ليكون الانتقال سلسا. وندرك تماما أن الانتقال إلى الديمقراطية يتطلب عقدا اجتماعيا يحكم الدولة والمجتمع، ويتطلب مجتمعا مدنيا مستقلا عن أية سلطة دينية بشرية تسيطر عليه، وضرورة أن تحكمه علاقات حقوق الإنسان والمواطنة والفرص الحياتية المتساوية والكرامة الإنسانية والتعددية المتسامحة السلمية، ووجود أسرة ومدرسة ومؤسسات اجتماعية تؤمن بالديمقراطية وتهيئ الفرد لممارستها مستقبلا بصورة صحيحة. وندرك أن يطالب البعض بضرورة التهيئة تلك جنبا إلى جنب مع الانتقال التدريجى الديمقراطى العادل، بل وحتى الديمقراطية التى تأخذ مؤقتا، وإلى حين، بعين الاعتبار بعض الخصوصيات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية العربية. فالولاءات القبلية والمذهبية، والاقتصاد الريعى غير الإنتاجى، والممارسات الحزبية غير الديمقراطية، والعلاقات الأسرية والمدرسية البطركية وغيرها، كلها ستحتاج إلى وقت للخروج من إشكالاتها المتعارضة مع الديمقراطية المتوازنة العادلة.
لكن عملية التغيير تلك ستحتاج إلى فرد عربى مهيأ ذهنيا ونفسيا وعقليا للإيمان بأن الديمقراطية ضرورة وجودية لمجتمعاته العربية، وبالتالى انخراطه فى ممارستها على كل المستويات الحياتية.
نحن ندرك أن ما يفعله المشككون والمستهزئون بقابلية الإنسان العربى للديمقراطية هو العكس تماما: إنهم يبنون الشعور بالنقص والدونية وترك الأمور للأقدار والظروف والاكتفاء بالتفرج والاستسلام الذليل. هؤلاء المشككون، وبينهم انتهازيون نفعيون ومنافقون وجهلة بحركة التاريخ البشرى وبتاريخ مسيرة الديمقراطية الصعبة المتعرجة، هؤلاء يجب أن يدركوا أن كتاباتهم المناهضة لأمل الديمقراطية وتعليقاتهم ستوصل الإنسان العربى إلى تفضيل الانتحار والموت على العيش فى ظل أوضاع متخلفة لا تتزحزح عن حاضرها المأساوى الظالم الحالى باسم الخوف من حدوث اضطرابات أمنية وغير أمنية متخيلة ترفع فى وجه كل من يجرؤ برفع شعار الديمقراطية ومتطلباتها من مبادئ وتنظيمات جديدة. ويا شابات وشباب الأمة لا تستمعوا إلى تلك الأصوات.
مفكر عربى من البحرين