الإنسان ذلك المعلوم 9 ــ «... إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا...» - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 11:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان ذلك المعلوم 9 ــ «... إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا...»

نشر فى : الجمعة 14 مارس 2014 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 14 مارس 2014 - 8:50 ص

نال الإنسان تكريم ربه له، وسجود الملائكة له، وتسخير المخلوقات كلها لمنفعته، فلما استجمع كل تلك الأفضال والمزايا، أخلد إلى الغفلة والتراخى فوقع أسيرا للغرور من ناحية والتقصير من ناحية أخرى، فهوى ظالما لنفسه إلى أبعد الحدود.

(1)

فحينما يهيم الإنسان على وجهه لا يلتزم حدودا، ولا يلتزم معاييرا تضبط خطواته، بذلك ينسى أن له خالقا قد خلقه فسواه ورزقه وأعطاه، فضلا على أن الله محيط به يحصى عليه جميع تصرفاته، وغفلة الإنسان عن الله وعن حقوق الله عليه كالإيمان به وطاعته وحبه، وما يجب له من ذكر وتذكر كثير ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا))، وما يجب على العبدمن تلقى قضاء الله وقدره بصبر بليغ، فالقضاء والقدر مهما كان وقعهما على الإنسان، فهما يطهرانه ويجددان ارتباطه بربه كما قال ((...وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ))، كذلك فإن الصبر علامة قوة عزم الإنسان وصلابة إرادته ((وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ))،

وماذا يملك الإنسان فى مواجهة الأقدار غير الصبر، وإذا لم يصبر فقد خسر الدنيا بما أصابه من مصيبة، وخسر الآخرة بعدم صبره. وقد كتب على بن أبى طالب لصاحب له يعزيه فى وفاة ابنه فقال: «اصبر على مصيبتك تؤجر، والولد قد مات، وإن لم تصبر فلن تؤجر، والولد قد مات».

فهل ترى ظلما أبشع من أن يظلم الإنسان نفسه فيعيش متوترا ويخسر دنياه بل وآخرته، فإياك إياك أن تظلم نفسك.

(2)

وقديما سقط إبليس سقوطا فاحشا حينما تغافل وادعى أولويته على آدم واعتبر عنصره «النار» خير من عنصر آدم «التراب» فرفض طاعة الله، وأبى أن يسجد لآدم ظانا أن النار خير من الطين كما زعم، ولو تدبر حقيقة الأمر لاكتشف أن الطين أفضل من النار..

فالنار تأكل ماحولها حتى إذا لم يبق شىء حولها راحت تأكل نفسها.. أما الطين فهو يغذى كل من يقترب منه، بل ويمده بأسباب الحياة.

وقد عبر أحد الحكماء عن ذلك فقال:

إبليس من نار وآدم طينة والنار لا تسمو سمو الطين

النار تفنى نفسها ومحيطها والطين للإنبات والتكوين

فإياك إياك أن يزحف الغرور إليك، فتنسى أنك عبدوأن جميع الناس عباد مثلك لا فضل لك عليهم واحذر أشد الحذر أن تنسى حقيقة نفسك فتنسى أن لك ربا له عليك فروض الولاء والطاعة حتى تبقى جديرا بالإنسانية وجديرا بسيادتك بين المخلوقات

(3)

كذلك فمن أشد المظالم التى يرتكبها الإنسان: أن يعتدى على حقوق الآخرين، وما أكثرصور العدوان، فمثلا هذا الشخص الذى يتصدى لمهمة أو وظيفة أو حرفة لا يتقنها، مثل هذا الطبيب الذى يعبث بالمرضى فيزيد من آلامهم، ولا يخفف أوجاعهم، ويقتطع الكثير من أموالهم، وليس له من الطب إلا مؤهل دراسى أو وظيفة حكومية حصل عليها فى ظلام السياسات القاصرة، وكذلك هذا الشخص الذى يتحول سريعا إلى مهنة التجارة فيشترى بغير دراية ويغمر الأسواق ببضائع فاسدة تتلف أموال الناس وتعطل إنتاجهم. وقل مثل ذلك فى جميع المهن والوظائف وفى جميع السلع التى يستوردها المغامرون طلبا للربح لا غير.

ومن أكبر المظالم أن يتغافل الإنسان عن حقوق جاره، وأبسطها عدم الإزعاج، وعدم المعاناة بسبب إهمال الجار فى سلوكياته أثناء «ركن السيارة» أو «كلاكس» السيارة، أو العادم الصادر منها بسبب عدم الإصلاح.

ومن أكبر وأشد المظالم ادعاء قدرتك على شئون لا تحسنها ومهارات لا تتمتع بها فهذا الادعاء ليس مجرد كذب، بل هو افتراء على الله قبل أن يكون افتراء على الحقيقة وافتراء على الناس. فما ذنب التلميذ أن يجلس أمام مدرس لا يعلم شيئا مما يتصدى له؟! وما ذنب الناس أن تسكن بيتا أشرف على إنشائه من لا يتقن أصول المعمار فيهلك حياتهم؟! وما ذنب المستهلك أن يشترى مشتريات تضره أضرارا بليغة؟! وقل مثل ذلك فى كل مجالات الحياة.

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات