كلٌ يناجى سلفه - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كلٌ يناجى سلفه

نشر فى : الثلاثاء 14 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 14 مايو 2013 - 8:00 ص

ينتبه كلّ متأمّل فى الخطابات المتداولة اليوم فى مختلف وسائل الإعلام إلى تصاعد وتيرة التصادم والصراع بين من كانوا بالأمس «أخوة» فإذا بهم اليوم «أعداء»... جمعهم الشوق إلى نسائم الحرية وفرّقهم الطمع فى السلطة والرغبة فى الهيمنة والتهافت وراء حيازة المواقع وتضارب المصالح.

 

بيد أنّ وراء الفرقة والشقاق والتباغض هاجسا مشتركا يؤلف بين أصحاب اليمين وأصحاب اليسار فيجعلهم يتّخذون نفس المسار، وإن بدوا متنافرين فى الظاهر إذ الكلّ «يغنّى على ليلاه» فى حركة ارتدادية ترتمى فى أحضان الماضى وترفض التأقلم مع الواقع أو استشراف الآتى من الأيام وكأنّه ما عاد بالإمكان قبول الحاضر أو المستقبل.

 

●●●

 

منذ اندلاع الثورة التونسية والسلفيون يردّدون «غرباء غرباء» فى إحالة إلى ما يوحّد بين تيارات جهادية تروم الزجّ بالمجتمع التونسى فى أتون حرب التكفير ورفع السيف وهدر الدم وتطبيق الحدود وتنظيم العلاقات وفق قاعدة الهيمنة الذكورية، تحلم باستنساخ تجربة طالبان وما فعلوه بأفغانستان.. والواقع أنّ الحالمين «بطلبنة» تونس وفق تمثّل لما كانت عليه التجربة السياسية الإسلامية ما كذبوا إذ إنّهم أثبتوا على مرّ الأيام، أنّهم بالفعل غرباء عن الوطن، لا صلة تربطهم بالتاريخ التونسى ولا بالتراث المحلى ولا بالرموز والأيقونات ولا بالفنون والعلوم والأمجاد ذلك أنّ عيونهم مشدودة إلى عوالم أخرى: عالم «السلف الطالبانى» أو «السلف الوهابى»، تقفز على التاريخ وتتعالى على الواقع المعيش وتروم إرساء عبودية جديدة تحت غطاء دينى.

 

 أمّا من رحم ربّى من أهل اليمين فإنّهم أثبتوا على مرّ الشهور، أنّهم ما تخلّصوا من أنموذج أسسه «السلف الإخوانى» ولذلك وجدنا محاولات لصياغة دستور على هوى الحزب المهيمن غايته تحويل الجمهورية إلى دولة دينية وإن ظهرت فى لبوس «حداثى» وعايننا مناورات ومؤامرات تحاك هنا وهناك من أجل تثبيت «التدافع» بأشكاله المختلفة.

 

وبين السلف الإخوانى والسلف الوهابى والسلف الطالبانى وشائج متينة وإن اختلفت المقاصد والاستراتيجيات والخطابات، فالكلّ يرفض آليات يفرضها مسار التحوّل الديمقراطى ولا يؤمن بتصوّرات وخطط وتدابير يرتكز عليها المسار. الكلّ يميل إلى تحقيق رغبات دفينة وأحلام وأمنيات كبتها طيلة عقود.

 

ولا يذهبنّ فى الظنّ أنّ أهل اليسار أو ممثلى القوى الديمقراطية أو الليبرالية أو العلمانية قطعوا الوصلة مع السلف فلهؤلاء أيضا سلفهم المقدّس يعودون إلى فترات انتعشت فيها الأرواح ويحلمون بعقود كان فيها «سيّد الأسياد» والمجاهد الأكبر والزعيم الحبيب بورقيبة يصول ويجول فى البلاد جارا العباد إلى عهد الدولة المدنية الحديثة، فلا غرابة والحال هذه أن تسترجع الذكريات عبر الإصغاء إلى خطب بورقيبة وأقواله التاريخية ومواقفه الثورية، وعبر الأغانى الوطنية، والصور الخالدة.. إنّه الزمن الجميل يسترجعه القوم فى محاولة لتجاوز زمن الرداءة والسقوط.

 

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى القوميين فصدّام يحتل الصدارة فى الشعارات المرفوعة فى المظاهرات الاحتجاجية، وصوره تؤثث الفضاء الفايسبوكى، ومواقفه تاريخية واستشرافية بامتياز ولا غبار عليها أمّا رجولته فقد صارت أنموذجا فى زمن يتنافس فيه القوم من أجل إثبات الرجولة.

 

●●●

 

وبين حرب النماذج وتعدّد السلف نعود إلى الراحلة أمّ كلثوم لنسترجع سردية أخرى: أهل اليمين تنطبق عليهم أغانى من قبيل «هجرتك» و«أمل حياتى» و«أنا فى انتظارك» و«أقول إيه عن الشوق».. فدعهم يحلمون بإرساء الخلافة أو الدولة الدينية على الطريقة السودانية، أو الإيرانية.

 

وأهل اليسار تنطبق عليهم أغانى من قبيل «فكرونى» و«لسه فاكر».. فدعهم يحلمون بمجتمع لا وجود فيه لمتعصّب أو متشدّد أو «ظلامى» أو «رجعى».

 

ولهؤلاء وهؤلاء نقول هيهات «فات الميعاد» آن الأوان لتتصالحوا مع الزمن وتتعلموا قواعد العيش معا.

 

 

 

أستاذة بالجامعة التونسية

التعليقات