(المدونات وديمقراطية الأدب) - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
السبت 25 مايو 2024 12:07 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

(المدونات وديمقراطية الأدب)

نشر فى : الإثنين 14 يونيو 2010 - 10:29 ص | آخر تحديث : الإثنين 14 يونيو 2010 - 10:29 ص

 ترتبط المدونات عموما ارتباطا وثيقا بحرية التعبير، فعلى شبكة الإنترنت تُمْحَى الخطوط الحمراء، وتصبح الموضوعات كلها قابلة للنقاش بعيدا عن سيف الرقيب. وبغض النظر عن هذه الحقيقة الموضوعية العامة، فإن أدب المدونات بشكل خاص يكرس بوضوح على مستوى التحليل النقدى لثلاثة أنماط من ديمقراطية الأدب، وهى: ديمقراطية الكتابة، وديمقراطية النشر، وديمقراطية التلقى.

وتتمثل ديمقراطية الكتابة فى أن المدونات تسمح لكل فرد بأن يمارس مغامرة الكتابة وقتما يشاء بغض النظر عن إمكاناته الفنية. وهذا الكاتب يضمن تواصل القارئ الإلكترونى مع نصوصه بنسب متفاوتة، لأن هذا القارئ يبحث عن نوع جديد من الكتابة لا يتحقق غالبا فى النصوص المطبوعة، حيث يجد فى المدونات عالما أكثر جرأة فى التناول، وأكثر حرفة فى التعبير الذاتى المغترب الذى عجز عن التواصل المباشر مع المجتمع فخاطبه من وراء حجاب الحاسوب.

وفى عالم المدونات يتساوى الكاتب الكبير والكاتب الصغير، فلا مجال للتمييز الطبقى بين الكُتَّاب، ولكن لا مجال أيضا للتمييز الفنى بينهم، فالنشر متاح للجميع بالصورة نفسها، ويبقى العبء الأكبر على القارئ الخبير الذى يجب أن يفرق بين ما هو فضفضة لا تستقيم لغتها أحيانا، وما هو نص محكم يتجاوز دائرة الصواب والخطأ إلى محاولة خلق لغة جديدة تناسب هذا القالب الإبداعى المستحدث.

فالصياغة اللغوية للمدونات لا تميل غالبا إلى الزخرفة والترميز واللف والدوران فلا طاقة لكاتبها وقارئها بهذه الجماليات التقليدية، لكنها فى الوقت نفسه تفتح الباب على مصراعيه أمام كاتبها لاستخدام الطاقات التعبيرية الفذة للصورة. وإذا كنا نتحدث عن المدونات بوصفها أدبا فلابد لنا من محاولة اكتشاف قوانينها الجمالية الجديدة النابعة من دوافعها الاجتماعية وانفتاحها العالمى وخصوصية وسيطها التعبيرى ــ الحاسوب ــ قبل أن نشرع فى محاسبتها فنيا بقوانينها الخاصة.

أما ديمقراطية النشر فهى متحققة إلى أقصى درجة ممكنة فى المدونات، فكل من يكتب ينشر بعيدا عن لجان التحكيم التى لو مر منها سيصطدم بطوابير الانتظار فى دور النشر الحكومية، أو بابتزاز بعض دور النشر الخاصة التى ستطبع له الكتاب على نفقته وتجبره على شراء كمية من النسخ بسعر الغلاف لتغطية تكاليف الطبع، ثم لا تمنحه بعد كل ذلك مليما واحدا.

كما أن المدونات قد نجحت فى أن تتجاوز عبر الإنترنت مشكلات النشر العويصة مثل تحديد عدد النسخ المطبوعة لضغط النفقات وصعوبة التخزين، ومثل عدم إمكانية توزيع الكتاب المطبوع فى لحظة واحدة على كل الناطقين بلغته فى العالم، ومثل تمكين القارئ من الحصول على الكتاب دون أن يتكبد أموالا، والاحتفاظ به على ذاكرة الحاسوب دون أن يحتل مساحة فى منزله.

وتجدر الإشارة إلى أنه فى سياق المدونات لا تنفصل الكتابة عن النشر انفصالا زمنيا، ففور انتهاء الكاتب من نصه يقوم بنشره على الإنترنت فى لحظة واحدة، وهذا هو ما لا يمكن حدوثه مع الكتاب المطبوع حتى لو كان المؤلف شخصيا هو صاحب دار النشر. وقد تسبب ضياع الفجوة الزمنية بين التأليف والنشر فى المدونة إلى افتقاد النص لما يمكن أن يصادفه من مراجعة يقوم بها المؤلف فى الفترة التأملية الفاصلة بين الانتهاء من كتابة النص والانتهاء من الإجراءات الفنية الطويلة لطباعته.

أما ديمقراطية التلقى فتتمثل بشكل بارز فى تحويل المدونات للمسار التاريخى الأحادى الاتجاه فى نظرية التوصيل، فقد كان المؤلف يبدع كتابا مطبوعا يتلقاه القارئ ولا يستطيع أن يناقش كاتبه للنقد أو للإضافة، أما فى المدونات فإن قارئ النص يستطيع أن يسجل تعليقه عليه فورا فى الموقع نفسه، وقد يرد عليه المؤلف، وبهذا يتحول التلقى السلبى أحادى الاتجاه من مرسل لمستقبل فقط، إلى تلقِ حوارى يعتمد على التغذية المرتدة.

وفى بعض الحالات تكثر تعليقات القراء، وقارئ النص الجديد غالبا ما يقرأ التعليقات أيضا، وأحيانا يعلق هذا القارئ على تعليق سابق وليس على النص نفسه، وبهذا يصبح القارئ الأول مؤلفا، وندخل فى دائرة نقد النقد التى تحلق فى آفاق العصف الذهنى لكن قد تبتعد بنا أحيانا عن النص الأصلى.

لقد سمحت التكنولوجيا للمدونات بكل هذه الأنساق الديمقراطية التى أشرنا إليها فى التأليف والنشر والتلقى، ومنحتها خصوصية متفردة جعلت إصدار بعض هذه المدونات فى كتب مطبوعة يمثل من وجهة نظرى نوعا من التطبيع المرحلى المقبول بين القارئ الورقى والقارئ الإلكترونى، وإن كان يحرم النص من مميزات الوسيط وخصوصيته التى لو افتقدها لا ينطبق عليه وصف المدونة، كما أن تكريم هذه المدونات بطباعتها يتضمن حكما متعاليا بأن الأدب الحقيقى هو الأدب المطبوع فقط.

وعلى الرغم من الاحترام الكامل لخصوصية هذا الرافد الإبداعى العالمى الحديث، فإن الخوف قد يعترينا من أن تؤثر هذه النقلة التكنولوجية الديمقراطية على القيمة الجمالية للأدب. فسوف تتقدم التكنولوجيا بسرعة فائقة متوقعا لها أن تصل فى وقت قريب إلى نقل كم ضخم من المعلومات والنصوص من ذاكرة الحاسوب إلى ذاكرة الإنسان مباشرة فى لحظة واحدة، بحيث يمكنه أن يسترجعها عند الحاجة إليها، وبهذا ستتم المنفعة ولكن لن تتحقق المتعة، والمتعة والمنفعة شرطان أساسيان فى كينونة الأدب.

التعليقات