الجمعة وتداعياتها - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 11:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجمعة وتداعياتها

نشر فى : الخميس 14 يوليه 2011 - 9:47 ص | آخر تحديث : الخميس 14 يوليه 2011 - 9:47 ص

 كتبت فى الأسبوع الماضى باحثا عن «ثورة يناير»، ومن الواضح أن الهاجس نفسه كان قد تملك عشرات الألوف من شباب الثورة وأنصارها، فتدفقوا يوم الجمعة الماضى إلى ميدان التحرير مسقط رأس الثورة والشاهد على عظمتها، ومعهم ألوف أخرى خرجوا فى محافظاتهم المختلفة منادين بإعادة الروح إلى الثورة المصرية. كانت مجموعة من المؤشرات المقلقة قد تجمعت فى الآونة الأخيرة تشير إلى تباطؤ فى الأداء التنفيذى والقضائى بما لا يتناسب مع أهداف الثورة، ناهيك عن عدم الرضا عن أداء الحكومة أصلا ومعها المجلس العسكرى، وكذلك عدم الرضا عن بعض الأحكام القضائية التى برأت متهمين بالفساد وأخلت سبيل آخرين بكفالات مالية دون أن تسقط التهمة عنهم. تكفلت شعارات المتظاهرين ومطالبهم بإثبات أن «جمعة 8 يوليو» قد اتسمت بنفس جديد وروح جديدة.

ولذلك رد رئيس الوزراء فى اليوم التالى مباشرة ببيان يطمئن الثوار إلى أنه بسبيل الاستجابة إلى مطالبهم.

رفض الثوار بيان رئيس الوزراء واعتبروه عاما يهدف إلى الالتفاف حول المطالب وليس الاستجابة لها. وبغض النظر عن هذا، فإن أسوأ ما فى البيان فى تقديرى كان محاكاته لأسلوب النظام السابق فى مواجهة الثورة، لأن البيان تضمن قرارات «بديهية» لا تحتاج «جمعة 8يوليو» كى يصدرها رئيس الوزراء، ولذلك استمر اعتصام الثوار، وارتفع سقف مطالبهم وأخذوا يهددون بالتصعيد طالما أن مطالبهم لم يستجب لها. وأعقب رئيس الوزراء بيانه بآخر مساء الاثنين 11/7 كان فى تقديرى أول بيان من نوعه فى السياسة المصرية، فقد تضمن أمورا نشرتها الصحافة المصرية صباح اليوم نفسه.

●●●

ولا يمكن للمرء أن يدخل فى تفاصيل كل ما سبق، لأنه من المؤكد أنها قتلت بحثا، حيث إن هذه المقالة تنشر بعد قرابة أسبوع من «جمعة 8 يوليو»، غير أن بعض الملاحظات التحليلية يبقى ضروريا.

لاشك أن المكسب الاستراتيجى الأول الذى نسب «لجمعة 8 يوليو» هو إعادة الوحدة بين قوى الثورة التى فرقها الخلاف الشهير حول أولوية الدستور أم الانتخابات التشريعية، خاصة وقد تم الاتفاق على عدم رفع شعارات من أى نوع بخصوص هذه المسألة، لكننا يجب أن نتذكر أن هناك ما يعكر صفو هذه الوحدة، كتعدد «المنصات» الذى بات التحرير يشهده فى التجمعات الأخيرة فى إشارة إلى أننا إزاء حالة «تجمع» لقوى الثورة وليس توحيدا لها.

من ناحية أخرى، فإن الكيانات السياسية التى تدعى تمثيل الثورة قد بلغ عددها حدا مذهلا. يا إلهى! هل نقول إن هناك مئات من هذه الكيانات الآن؟ ومن الطريف أن أسماء معظمها يبدأ بكلمات «الائتلاف» أو «الاتحاد» أو «التحالف». وللأمانة، فإن بينها قواسم مشتركة، لكنها تختلف فى آليات الحركة فيشارك بعضها فى حوار مع رئيس الوزراء ويشجب البعض الآخر هذا الحوار وكأنه تم مع رمز من رموز النظام السابق.

لكن الانقسام الأخطر هو دون شك بين «القوى المدنية» و«القوى الدينية» مع الاعتذار عن عدم الدقة المحتمل فى المصطلحين. فقد مالت «القوى المدنية» إلى الاعتصام والتصعيد بما فى ذلك العصيان المدنى وغيره، ورفضت «القوى الدينية» فى كل تجلياتها هذا النهج، فالرسالة قد وصلت إلى الحكومة والمجلس العسكرى ولا داعى للاعتصام، والتربة فى مصر غير مهيأة للعصيان المدنى (مع أن مصر شهدت ثورة حقيقية)، مع عدم تقبل أى نقد للمجلس العسكرى، وتوجيه انتقادات معتدلة نوعا إلى الحكومة. يؤكد الإخوان المسلمون بهذا أنهم على نهجهم محافظون، وعلى صفحتهم البيضاء مع المجلس العسكرى حريصون، فقد ينفعهم فيما هو آت، مع أنه يخلق لهم مشكلة مع باقى قوى الثورة.

●●●

أما المكسب الاستراتيجى الثانى فهو دون شك «عودة الروح» إلى الثورة، لكن الأداء هنا يثير الجدل. أما التظاهر والاعتصام وإعلان العصيان المدنى فكلها آليات مشروعة للضغط من أجل نيل الحقوق، لكن إغلاق مجمع التحرير وميدان التحرير نفسه والتهديد بأعمال أخرى مماثلة وقطع طريق السويس/ العين السخنة، والتهديد بإغلاق نفق أحمد حمدى والمجرى الملاحى لقناة السويس، كلها أمور تعنى أن «الثوار» المتصدين لهذه الأعمال فى حاجة إلى إعادة تأهيل فى مفهوم الثورة. يقول «الثوار» المناصرون لهذه الخطوات إنها وسيلة فعالة للضغط، وهذا حق، لكنها تصيب بالضرر البالغ مصالح الوطن والمواطنين، وقد تخلق فجوة بين المواطن العادى والثوار وتقوض مصالح الوطن.

تصلح هذه الخطوات لو كانت «ثورة يناير» انتفاضة وطنية ضد احتلال أجنبى، تقطع الطرق التى تتحرك عليها قواته، وتحرق الشركات والمصانع التى يمتلكها رجاله وأنصاره لأنها آلية من آليات استنزاف موارد الوطن، لكننا هنا إزاء تناقض بين قوى الثورة والحكومة التى اختارت هذه القوى رئيسها بنفسها، وهو من ثم تناقض ثانوى لا يبرر هذه الأعمال. قد يحاصر الثوار مؤسسات الحكم كما فعلوا إبان أحداث ثورة يناير، لكن مصالح الوطن يجب أن تبقى خطا أحمر.

●●●

ثمة ملاحظة أخرى حول الطابع «الفورى» الذى يطالب به الثوار لتنفيذ مطالبهم، وهناك فارق كبير بين السرعة والجدية من ناحية والفورية من ناحية أخرى، فهى قد تؤدى إلى تغييرات مرتبكة تأتى بالأسوأ فى وطن قام نظام حكمه السابق بتجريف الحياة السياسية من كل من رفضوا أن يكونوا ذيولا تابعين، وكان الأجدر بقوى الثورة أن تضع المعايير التى تحمى عملية التغيير من الانحراف، كما أن هذه القوى لو كانت على قلب رجل واحد لطولبت بأن تقدم قوائم متكاملة بشأن مقترحاتها للتغيير، وإلا فليقل لى أحد كيف يمكن لأى رئيس وزراء أن يختار ما يزيد على العشرين وزيرا وما يقرب من الثلاثين محافظا، وأن يعيد هيكلة كل مؤسسات الدولة الإعلامية والمصرفية والأكاديمية فى نحو أسبوعين؟ ألا يبدو الأمر على هذا النحو مخيفا؟

●●●

ملاحظة أخرى فى هذا المقال حول الثورة والقانون وما يرتبط بذلك من حديث عن السلطة القضائية، ويجب الاعتراف بداية بأن محاسبة المفسدين تتم قضائيا بإيقاع بطىء لا يناسب طبيعة الثورات، لكن يجب التسليم بأن ثورة يناير قد سمت بطابعها السلمى، واختارت أو رضيت أن يحاكم المفسدون أمام القضاء العادى وفقا للقوانين القائمة، ورفضت أن يحاكم المدنيون أمام المحاكم العسكرية، ويمكن الاتفاق على طريقة قانونية لتسريع خطوات القضاء العادى، لكن المستحيل هو أن نرفض كل حكم قضائى لا يعجبنا، إذ إن هذا الرفض يهدم فكرة العدالة من أساسها، ومن المؤكد أن أحكاما قضائية كثيرة لن تعجبنا لسبب بسيط هو أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، ولهذا يجب أن نتوقع أن القرار المنافى للقانون الذى اتخذه رئيس الوزراء بإنهاء خدمة الضباط المتهمين بقتل الثوار أو تعذيبهم سوف ينقض قضائيا ما لم تكن قد صدرت أحكام تثبت التهمة عليهم. وإذا أرادت الطليعة الثورية أن تقلب الآية باتجاه تشكيل محاكم استثنائية تطبق قوانين استثنائية للفصل فى قضايا الفساد بالعدل أو بدونه فلتقل ذلك صراحة، وإن كان علينا هنا أن نسأل: فيما إذن رفض القضاء العسكرى؟

●●●

يشعر المرء بالحرية لأنه ليس عضوا فى واحد من مئات الكيانات الموجودة على «ساحة الثورة» ولذلك يستطيع الإدلاء برأيه بكل صراحة، وعيب هذا النهج أنه يعرض صاحبه للهجوم من جميع الاتجاهات، لكن هذا ليس مهما، فالمهم الآن أن تكون الكلمات السابقة محفزا لحوار جاد ومخلص حول مستقبل الوطن الذى بات القلق يغمر الكثير من أبنائه جراء ما يجرى أمام عيونهم من تقلصات قد تعيق الحركة نحو المستقبل، ناهيك عن وجهة هذا المستقبل أصلا.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية