الوضع الاقتصادى المصرى: أسئلة الاقتصاد السياسى؟ - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الوضع الاقتصادى المصرى: أسئلة الاقتصاد السياسى؟

نشر فى : السبت 14 أكتوبر 2017 - 11:10 م | آخر تحديث : السبت 14 أكتوبر 2017 - 11:10 م
حتى نتمكن من فهم أوضاع الاقتصاد والتنمية فى مصر، وقبل أن ننخرط فى تقييم أى سياسة اقتصادية أو مشروع قومى، فهناك خمسة أسئلة مهمة لا بد من الإجابة عليها أولًا، دون تقديم إجابات واضحة على هذه الأسئلة تصبح عملية التقييم السياسى للقرارت الاقتصادية دربًا من دروب العبث ومسارًا للغط إعلامى ومبارزة أيدولوجية عديمة القيمة. 
السؤال الأول يتعلق بماهية السياسة العامة الاقتصادية المتبعة من قبل النظام السياسى فى عملية التنمية، والثانى يتناول فلسفة عملية تخصيص الموارد، بينما يبحث السؤال الثالث عن عملية توزيع هذه الموارد، ثم يتعلق السؤال الرابع بعملية التقييم والرقابة على تخصيص هذه الموارد وتوزيعها، ثم يأتى السؤال الأخير ليتناول عملية الإصلاح وإعادة التخصيص أو التوزيع.
السؤال الأول يحاول أن يفهم فلسفة السياسة الاقتصادية المتبعة، هل النظام القائم يسعى إلى توزيع الموارد المحدودة على المطالب المتزايدة فى محاولة لتقليل العجز بين العرض والطلب على هذه الموارد ومن ثم الاكتفاء بسد الاحتياجات اليومية للمواطنين دون البحث بالضرورة عن عملية تنمية فعلية لهذه الموارد؟ أم أن فلسفة السياسة الاقتصادية تتعلق بما هو أكبر من مجرد سد العجز نحو تحقيق التنمية؟ وإذا كانت الإجابة هى تجاوز عملية سد العجز نحو البحث عن التنمية، فما هى فلسفة هذه التنمية؟ هل البحث عن المزيد من الموارد؟ أم تنمية مهارات القائمين على استخراج هذه الموارد (تنمية واستثمار العنصر البشرى)؟ أم البحث عن وسائل لجذب الموارد الخارجية (مثل الاستثمارت الأجنبية)؟ وهل نحن نبحث عن خطة تنموية قصيرة الأجل لتحقيق أهداف فورية أم عن عملية تنمية متوازنة ومستدامة تبحث عن زيادة الموارد وتنمية مهارات العنصر البشرى القائم على استخراجها مع مراعاة الحفاظ على ندرة هذه الموار وعدم تأثر مورد بالاستخدام الكثيف لآخر (مراعاة عنصر البيئة) مع زيادة فرص الأجيال القادمة فى التمتع بعوائد هذه الموارد؟
***
السؤال الثانى يتساءل ببساطة عن من المستفيد الرئيسى من عملية التنمية هذه، وهنا توجد سيناريوهات كثيرة، هل الهدف هو تخصيص هذه الموارد مباشرة للمواطنين من خلال سياسة تسعى لتمكينهم المباشر من الاستفادة بعوائدها (كما هو الحال مثلا فى بعض الدول المعتمدة على عوائد النفط أو الدول متناهية الصغر) أم أن عملية التخصيص تتم عبر وسطاء، كما هو الحال فى معظم دول العالم؟ لكن هذا السؤال لا يتوقف هنا، إذا كانت الدولة ستعتمد على وسطاء، فأى عملية وساطة سيتم اعتمادها؟ هل هى عملية ديمقراطية قائمة على مؤسسات تمثيلية لعامة المواطنين تقوم بمراجعة عملية التخصيص؟ أم هى مؤسسة واحدة قوية ونافذة ستتمتع بهذه الموارد ثم تقرر عملية التخصيص عبر عمليات المحاصصة مقابل الولاء المطلق (تخصيص الموارد لفئات مجتمعية وتنظيمات سياسية بعينها مقابل الولاء والتأييد السياسى؟) 
السؤال الثالث يظل مرتبطا بالإجابة على السؤال الثانى، فسواء كانت عملية تخصيص الموارد هذه مباشرة أو غير مباشرة، ديمقراطية تمثيلية أم فردية فما هى أدوات توزيع هذه الموارد والعوائد منها؟ هل هى مجرد زيادة فى المرتبات والحوافز أم عن طريق فتح فرص استثمارية أكبر ومن ثم موارد دخل إضافية؟ أم هى عملية غير مباشرة لا يتم فيها زيادة الموارد العينية للأسر والأفراد على أن توجه الموارد وعوائدها إلى دعم السياسات الاجتماعية والتعليمية والصحية للمواطنين ومن ثم تتحول الدولة من مجرد كيان اعتبارى محتكرا لعملية تطبيق القانون وتوزيع الموارد إلى كيان قانونى وسياسى يضطلع بمسئولياته الاجتماعية تجاه المواطنين؟
السؤال الرابع سؤال خطير ومهم وحاسم، لأنه يتعلق بعملية الرقابة على تخصيص الموارد وتوزيعها ! إذا كانت الدولة أو أحد أجهزتها التنفيذية هى التى تقوم بعملية التخصيص والتوزيع فمن يراقب هذه العملية ويراجعها؟ هل هى مراجعة ذاتية متروكة للأخلاق والضمير؟ أم هى مراجعة مجتمعية متمثلة فى منظمات المجتمع المدنى والمؤسسات الأكاديمية والبحثية بالإضافة لوسائل الإعلام؟ أم هى مراجعة سياسية/نيابية متمثلة فى الأحزاب السياسية والمؤسسات التشريعية على المستويين القومى والمحلى؟ أم هى مزيج من كل ذلك؟ أم أنه لا توجد رقابة من الأساس والأمر متروك لتقدير السلطة التنفيذية وأجهزتها القائمة على عملية التخصيص والتوزيع وفقا لما تقتضيه مصالحها؟
***
أما السؤال الخامس والأخير فهو متعلق بمن يملك سلطة وصلاحية إعادة عملية التخصيص والتوزيع لو ثبت أنها عملية غير مجدية أو غير ناجحة، وهذا سؤال مربك ومعقد بعض الشىء لأنه قد يعنى ببساطة العودة إلى السؤال الثالث (من يقوم بعملية التخصيص والتوزيع؟)، كما إنه مرتبط أولا وأخيرا بالسؤال الأخير لأنه لا إعادة تصحيح أو ترميم دون محاسبة ومساءلة ورقابة !
هذه الأسئلة عملية للغاية وليس فى الأمر أى تنظير وكل الدول التى انخرطت بجدية فى عملية التنمية قامت بتقديم إجابات واضحة بشأن هذه الأسئلة قبل الانخراط فى سياسات هذه التنمية لأن بدء أى مشروع أو خطة إصلاحية دون تقديم جهد واضح للإجابة على هذه الأسئلة يعنى أننا نعبث بمقدرات وموارد دولتنا ونقامر بمستقبل الأجيال القادمة!.
سواء كنت فى خانة السلطة أو المعارضة، فكيف نجيب على هذه الأسئلة فى الشأن المصرى؟
القناعة السائدة منذ عام ٢٠١٤ حيث كان الجدل حول مشروع قناة السويس الجديدة والمستمر مع مشروع العاصمة الإدارية تدفع نحو طريقتين للإجابة، إما تجنب الإجابات تحت دعوى أنها مرحلة استثنائية تتطلب حسابات أخرى غير تقليدية لجدوى المشروعات، أو نحو الدفع بأنه لا يهمنا الإجابة على هذه الأسئلة التفصيلية لأننا نثق فى الرئيس ! قطعا هذه الإجابات غير مقبولة، فلأننا فى مرحلة استثنائية فلابد أن نكون أكثر حرصا فى استخدام هذه الموارد المحدودة والنادرة بطبيعتها، وعملية الرقابة والمحاسبة لا علاقة لها بالتشكيك فى نيات صانع القرار أو الثقة فيها، فالعملية ليست شخصية، بل هى متعلقة بالشأن العام مع ما يستدعيه ذلك من تجرد وتعميم!
إجابات الأسئلة السابقة فى الحالة المصرية مثيرة للانتباه! فمن ناحية، مصر تتبع حاليا فلسفة قديمة للغاية فى عملية التنمية، ليس هناك أى إجابات واضحة بخصوص عملية التنمية البشرية أو السياسات البيئية أو التنمية المستدامة، النظام يتصرف باعتبار أن التنمية هى عملية استثمار عقارى! وتتصرف أجهزة الدولة باعتبارها مقاولا كبيرا ضخما يسعى إلى إحداث طفرة عقارية جمالية بهدف جذب الاستثمارات وإعادة تدوير (وليس توزيع) الموارد المتاحة من أجل هذه الغاية! وهى غاية محدودة ومحاولة تقليدية ومبتورة لنموذج التنمية العقارية فى بعض بلدان الخليج لأن العائد الريعى غير حاضر بالمرة فى الحالة المصرية!.
***
الإجابة على السؤالين الثانى والثالث بطبيعتها غامضة فى الحالة المصرية! عملية تخصيص الموارد وتوزيعها تتم أولا بلا شفافية وثانيا يتم تخصيص الموارد بالأمر المباشر دون أى مداولات عامة أو مؤسسية، تتم عملية تخصيص الموارد باعتبارها أسرار لا يتم الإعلان عنها لحماية الأمن القومى من أهل الشر ثم يتفاجئ الناس بها ويتم الاحتفاء بهذه المفاجاءة على أساس أنها غير متوقعة وهكذا فى درب فلسفى ومنطق اقتصادى غريب وغير مفهوم!.
أما الإجابة على السؤالين الرابع والخامس فهى بسيطة ومباشرة، لا توجد أى عملية رقابية تتم خارج المؤسسات المعنية فى مصر، فهناك قضايا لا يستطيع الإعلام تناولها بحكم القانون، وأخرى بحكم غياب المعلومات وثالثة بحكم المزايدات الفارغة والتشكيك فى الانتماءات السياسية لأى صاحب سؤال بديهى عن عمليات التخصيص والتوزيع والتمويل والعوائد، ناهيك عن أسئلة الدستور والقانون المرفوضة من الأساس !
ما الذى علينا فعله إذن لإعادة عملية التنمية فى مصر إلى رشدها؟ هذا ما أنوى تناوله فى مقالة قادمة.

 

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.