صفقة (مائدة الطعام) - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 17 مايو 2024 1:19 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صفقة (مائدة الطعام)

نشر فى : الأحد 15 يناير 2012 - 9:05 ص | آخر تحديث : الأحد 15 يناير 2012 - 9:05 ص

لا توجد فى مصر أزمة سياسية أعمق من مسألة «وضع الجيش»، كل ما يثار حولك من زوابع ومشاحنات على عناوين أخرى، هى أشياء تخرج من رحم هذه الأزمة لتعود إليها، لا تحتاج نفاذا فى الكواليس لتعرف أن هناك من أعضاء المجلس العسكرى من يفكر فى البقاء، أو على الأقل ينزع إلى ضمان حضور قوى فى الدولة الجديدة بما يجعل موازين القوى كما هى، ولا تحتاج نفاذا فى الكواليس لتعرف أن هناك قوى سياسية تشجع على ذلك وتريده، إما لكسب مساحة مفترضة أثبتت الانتخابات أنها غير مترجمة فى الشارع، أو نكاية فى آخرين، أو حتى التصرف بحسن نية بالغ، تحت اعتقاد أن الجيش وحده هو من يستطيع ضمان مدنية الدولة ودستورها الحاكم.

 

الحديث المتزايد عن الصفقات، وعن الخروج الآمن ومثل هذه الأشياء دليل آخر على أن المعركة هى معركة إرادات، يملك فيها المجلس العسكرى أوراق ضغط حقيقية وقوية، فأولا هو الذى يمسك بالسلطة فعليا، وثانيا لديه بحكم الأمر الواقع الذى لا يمكن نفيه شعبية فى الشارع، على الأقل وسط جماعات «الاستقرار» وما أكثرهم فى مصر، وهى شعبية يلوح بها فى كل مأزق، من تلويحه بإجراء استفتاء على البقاء، وحتى ما سربه لكارتر فى لقائه الأخير بهم بأن الاستفتاءات ستكون حاضرة.

 

لكن القوى السياسية تملك الشرعية الجديدة، التى جاءتها عبر صناديق الاقتراع مجتمعة بإسلامييها وليبرالييها، لكن قدرة المجلس العسكرى على انتهاج سياسات أدت إلى تفتيت هذه القوى، وأبعدت بين الشارع وبين تأسيس تيار رئيسى مصرى متنوع قادر على مجابهته بندية، جعلت هذه الشرعية الديمقراطية تنضوى باتفاق أو دون اتفاق تحت مظلة الإرادة العسكرية المباشرة.

 

فرض العسكر إرادتهم حين قالوا إن البرلمان الجديد سيكون بلا صلاحيات ولن يشكل الحكومة، ورغم ما ساد الأجواء من جدل ورفض إلا أن التحالفات السياسية انتهت إلى التنازع على رئاسات اللجان فى البرلمان الجديد، دون الحكومة التى خفت الحديث عنها بإعلان الإخوان تأييد حكومة الجنزورى.

 

كذلك يتجه العسكر إلى فرض إرادتهم فى مسألة إعداد الدستور قبل الرئيس، فوجودهم فى قلب المعادلة أثناء وضع الدستور يختلف قطعا عن إعداده بعد تسليم السلطة لرئيس مدنى بعد البرلمان، وانتهى الأمر إلى أن القوى السياسية جميعها ضحت بالإعلان الدستورى الواضح فى هذا المجال، وقبلت تغيير خريطته لإنفاذ إرادة العسكر، وربما قبلت مشاركته فى التوافق على شخص الرئيس القادم.

 

بقيت معركة وحيدة وحاكمة هى وضع الجيش فى الدستور الجديد، ورؤية العسكر فيها واضحة وموجودة فى مواد «وثيقة السلمى» التى تخطئ كثيرا لو اعتقدت أنها ماتت.

 

يجهز العسكر مائدة الحكم، لمن يشتهى طعمه منذ عشرات السنوات، وبعد أن يشاهد الطعام ويقترب منه ويفتح فمه، ستوضع أمامه الشروط ليوقعها، وسيوقعها لأن البديل هو نضال ربما يبعده تماما عن حدود المائدة.. وقاكم الله شر الجوع «الكافر».

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات