الشريعة أمان لا تخيـف أحدًا - جمال قطب - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 2:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشريعة أمان لا تخيـف أحدًا

نشر فى : الجمعة 15 يونيو 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الجمعة 15 يونيو 2012 - 9:10 ص

لأسباب كثيرة مفهومة صار لفظ «الشريعة» راية مرفوعة على «صارى» مهيب رهيب أساسه فى الأرض وفرعه قرب السماء، وهذه الراية تتنازعها أياد كثيرة يتفاوت حظها فى التدين بقدر تفاوت مداركها فى فهم الدين، ولقد تناوبت عليها أياد كثيرة ترفعها وهم جميعا بين إفراط وتزيُّد فيما يجب على الفرد والمجتمع أو تفريط وتحلل منه كما يقول الشاعر:

 

وكل يدعى وصلًا بليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاك

 

فقد وعى تاريخنا (الشيعة ثم الخوارج ثم المعتزلة ثم المرجئة ثم... ثم...) ورأى الناس بعد ذلك مذاهب فقهية مشهورة معروفة فضلا عن مذاهب مغمورة ثم جمعيات ثم جماعات ثم ما نسأل الله ألا يأذن له بالتواجد على الأرض مرة أخرى من مقاتلة واحتكام إلى السلاح.

 

(2)

 

وكلمة الشريعة فى أصلها تعنى «قناة الماء النقى الصالح للشرب» فلما أنزل الله الدين اختار لأحكامه كلمة يعرفها الناس من قريب، فسميت أحكام الإسلام الواردة فى القرآن باسم الشريعة ليتعرف ــ بسهولة ــ الناس على مضمون الشريعة وجدواها، وقد فهموا ما أراد الله تعليمه لهم فأحكام الإسلام تشبه ماء الشرب المحبوب لكل الناس والشريعة مثل الماء من وجوه: فلا يعيش الناس بغير ماء، ولا يعيشون بغير شريعة، والماء النقى هو ما أنزله الله دون تدخل بشرى، وكذلك الشريعة فهى ما أنزله الله دون تدخل بشرى، والماء الذى ينزله الله يصلح جميع الناس دون إضرار بأحد وكذلك الشريعة، يستزيد الإنسان من الماء كما يحب، وكذلك الشريعة يستزيد منها على مسئوليته فى الجهاد والتطوع.. إلخ كما يحب، العادة أن يكون الماء مباحا سهلا.. ولا بد أن تكون الشريعة مباحة وسهلة وواضحة ومفهومة.. فما الذى... أو من الذى أزعج الناس من الشريعة؟! إن سبب إزعاج الناس من كلمة الشريعة بعض روايات مدسوسة، بالإضافة إلى منهجية قاصرة فى تلقى الشريعة وتناول درسها وتفعيل أحكامها، وفوق ذلك سلوكيات وممارسات خاصة بأصحابها حملوها على الدين وألصقوها به.

 

(3)

 

موسوعات الفقه ومدونات الحديث النبوى لم توضع هكذا لتطبيق كل ما فيها، وعند تطبيق بعضها فليس على كل الناس، ولا رغم أنف الناس إلا بحكم قضائى صادر من قاض طبيعى يحكم بنص تم تشريعه بتوافق الكافة عليه، فلا انفراد لمذهب، ولا سيادة لإمام، ولا تسلط لفقيه أو حاكم أما عن موسوعات الفقه والحديث فتلك المدونات العظيمة جمعها أو صاغها المؤلفون وهى عندهم وعند أهل العلم «مخازن أدوية» لا يسمح بالبيع منها، بل لا بد من انتقال ما يحتاجه الناس إلى «الصيدليات» أولا ثم يتعامل الإنسان مع الصيدلية فيأخذ من الأدوية ما وصفه له الطبيب، أقصد ما أقنعه به الفقيه مناسبا لحاله.

 

(4)

 

وما عرف منذ زمن «بالمذهب الفقهى» يشبه إلى حد بعيد فى واقعنا المعاصر فكرة «الحزب السياسى» فكل من الحزب أو المذهب يتنافس تنافسا شريفا فى عرض ما عنده وبيان ما فيه من منفعة وتحديد أولوياته التى يبدأ بها، وآلياته التى يسلكها والأدوات التى يستعملها، كذلك فإن الحكومات الآن قد تقدمت خطوات بعيدة فى خدمة المواطن والحفاظ على حقوقه وحرياته، فيتحتم على المذهب أو الحزب أن يضع أمام الناس ماذا سيقدم، ومن أين يتم تدبير تلك الموارد وكيف يحصل كل مواطن على حقه. ولا ينبغى أن نتناسى أن المسلم كان يختار مذهبا يريحه فى الدنيا ويضمن له سعادة الآخرة ــ لكن الأحزاب حتى الآن لم تستطع أن تزيل هموم الدنيا فهل يصدقها أحد فى شئون الآخرة؟!.

 

(5)

 

إذا علم الدعاة والأحزاب معهم أن سوق العمل الجماعى بجميع مجالاته هى سوق تنافسية بين جميع المجاهدين يحكمها تماما قانون «العرض والطلب» لأسرعوا فى إعادة تصور ما يعرضونه على الناس، وأن قانون العرض يفرض إظهار السلعة أو الخدمة ظهورا تاما يجلى جميع مقوماتها بحيث لا يخفى على المتلقى شىء ولا يصعب عليه المقارنة بين مكونات ومقومات كل دعوة قبل قراره بالاختيار، كما أن قانون الطلب يفرض على المنتج تقديم وطرح ما يهم الناس وما يحتاجون إليه وذلك قبل إنتاج ما يراه هو، وكذلك شريعة الله حينما تقدم إلى الناس ينبغى ان يقدم منها ما يحتاجه الناس، فالله سبحانه قد أمر بعبادته لأنه (... الَّذِى أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات