حكومة لطيفة - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكومة لطيفة

نشر فى : الخميس 15 أغسطس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 15 أغسطس 2013 - 8:00 ص

اكتب هذا المقال يوم 13 أغسطس والمرء يكاد يجن من استمرار اعتصامات الإخوان المسلمين من أنصار الرئيس المعزول وتخاذل الحكومة فى مواجهتها مع أن الأمر ينطوى على استخفاف بالغ بالدولة وهيبتها وإضرار شديد بجهود الحكومة من أجل التعافى اقتصاديا، سواء لاستمرار إعطاء الانطباع بأن الأمن غائب أو لتقطيع أوصال الدولة بسبب الأعمال شبه اليومية لقطع الطرق. ولا يخالجنى هذا الشعور وحدى بطبيعة الحال لكن يشترك معى فيه كل المواطنين الذين أيدوا ثورة 30 يونيو والذين أصاب حياتهم اليومية نَصبَ كبير سواء بسبب الطرق الالتفافية التى يتعين عليهم أن يسلكوها إلى مقار عملهم أو سكنهم، أو لما يتعرضون له من إجراءات مهينة إذا اضطرتهم ظروفهم إلى المرور بمناطق الاعتصام، ناهيك عن القلق الذى يشعر به كثير من المصريين، وبالذات من أفراد النخبة على مصير الثورة بسب الإفراط فى الحديث عن المصالحة مع الإخوان المسلمين دون قيد أو شرط والذين يبدون الآن وكأن زمام المبادرة صار بيدهم، فهم يقطعون الطرق ويحاصرون ما يريدون من منشآت ومبان ــ بما فيها مؤخرا منزل وزير الداخلية ــ دون رادع وكأنهم هم الثوار وليس خصومهم، بل إنهم أصبحوا بمثابة دولة داخل الدولة، فهم يقيمون الحواجز والمتاريس ويبنون تحصينات خرسانية وينظمون مسابقات رياضية ويوفرون لأطفالهم حمامات سباحة و«ملاهى»، ويحتلون ملكيات عامة كحديقة الأورمان ويعذبون بوحشية خصومهم أو من يشكون فيهم وصولا إلى القتل فى بعض الأحيان.

●●●

فى مقابل هذا كله اتخذ مجلس الوزراء قرارا بفض الاعتصام وتكليف وزارة الداخلية بذلك، ولم يحدث أى تقدم منذ ذلك الوقت. أما القوات المسلحة التى تعهد قائدها العام بأنها لن تسمح بترويع مواطن فإنها تشاهد يوميا هذا الترويع دون أن تقوم بالحد الأدنى المطلوب، وإذا عدنا إلى وزارة الداخلية المكلفة رسمية بفض الاعتصام نجد أنها «ألطف» وزارة داخلية يمكن أن يصادفها المرء، فهى تؤكد أولا عدم استخدام القوة فى فض الاعتصامات وهذا حق وإن وجب عليها أن تضيف: «إلا فى حالة الدفاع عن النفس»، وتؤكد ثانيا أن خطتها تدريجية تبدأ بحصار المعتصمين ومع ذلك فإن الحصار لم يبدأ بعد رغم مرور شهر ونصف على بدء الاعتصام مع أن الحصار لا ينطوى على أى مخاطرة بالنسبة للمحاصَرين (بفتح الصاد) أو المحاصِرين (بكسر الصاد)، وهكذا ما زالت المواد الضرورية وغير الضرورية تتدفق إلى داخل الاعتصام بما يساعد المعتصمين على «بناء دولتهم» ويجعل من مكان الاعتصام مكانا مسليا لـ«مشروعات الشهداء» من الأطفال الموجودين بالاعتصام. كذلك فإن وجود أعداد من النساء والأطفال يُصعب إنسانيا من عملية فض الاعتصام، وبصفة عامة فإن التباطؤ المبالغ فيه فى التعامل مع الاعتصام جعل من هذا التعامل أصعب بكثير مما كان عليه عند بداية الاعتصام. لم يبدأ الحصار إذن بعد بل إن الحكومة تنفى عن نفسها شبهة المساس بالمعتصمين، ووزارة الكهرباء تنفى شبهة العمد فى قطع التيار الكهربى عن المعتصمين 55 دقيقة، بل إن ثمة تصريحا بأنها لن تفعل حتى لو آمُرت بذلك! مع أن قطع التيار وسيلة سلمية لإقلاق المعتصمين وهو بالتأكيد جزء من فرض الحصار عليهم، ووزارة الداخلية تنفى تكثيف الحشود حول المعتصمين أو أن فض الاعتصام صار وشيكا وتبالغ فى الحديث عن تفاصيل خطة الاقتحام بما يفقدها بالتأكيد جانبا كبيرا من أوراقها، فلو كان المقصود بذلك نوعا من الحرب النفسية على المعتصمين فقد طال الحديث وفقد قيمته فتحولت الوزارة من اللطف إلى «الأيدى المرتعشة»، بينما المعتصمون يتبعون سياسة عدوانية ــ وإن كانت غير رشيدة ــ تبدأ بالسباب البذىء للقائد العام وتصل إلى تهديد من أيدوا الثورة (سنجعل العيد عيدا أسود عليهم)، وتنتهى بالتهديد بأعمال خارقة يعود بعدها مرسى والبسطاء يصدقون، وهكذا ما زال قصر النظر يلازمهم. قد يربك الإخوان الحياة فى الدولة أو ينالون من هيبتها غير أنه لا يمكنهم القضاء على نظام حكم يؤيده الجيش بهذه البساطة.

●●●

هذا عن مجرد الحصار الذى استغرق منهم شهرا ونصف دون أن يتم فماذا عن باقى الخطوات الأصعب بكثير من الحصار؟. لم أعد أطالب بفض الاعتصام وإنما بمجرد الحصار لإحالة حياة المعتصمين إلى جحيم: منع دخول أى مواد إليهم والإغراق بالمياه وقطع التيار بشكل مستمر، واستخدام الغازات المسيلة للدموع عند اللزوم، وفتح الباب للخروج دون الدخول، ومواجهة أعمال البلطجة وقطع الطرق فلماذا لا يحدث أى من هذه الخطوات؟ يقولون إن الضغوط الداخلية شديدة مع أنها لا تأتى إلا من قلة من أفراد النخبة الحاكمة وغير الحاكمة لحسابات خاصة بها. أما الرأى العام فهو مع إنهاء هذه المسألة بأسرع ما يمكن بعد أن أصبحت حياة المواطن العادى لا تطاق، ولقد أعطى الكل تفويضا للقوات المسلحة وانتهى الأمر، وهو يتحرق شوقا ليرى نتيجة هذا. يضيف آخرون أن الضغوط الخارجية مرعبة وأن تداعيات خطيرة يمكن أن تحدث إذا قامت الحكومة المصرية بفض الاعتصام، هكذا تركوا انتهاكات حقوق الإنسان الظاهرة والباطنة وتفرغوا لنا على نحو يثير الريبة كون الطرف الذى يدافعون عنه هو المنتهك لحقوق الإنسان، ولقد آن الأوان أن نقول لهم اذهبوا أنتم ومساعداتكم إلى الجحيم فلكل شىء بديل.

وإذا استمرت سياسة «اللطف» هذه فثمة تخوف من اهتزاز الثقة وانقسام الصفوف، فيا شباب ثورة 30 يونيو كونوا فى قمة الحذر من أجل حماية الثورة حتى لا تصبح ذكرى لشعب قادر على صنع المعجزات دون حمايتها.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية