تفاح سورى - داليا شمس - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تفاح سورى

نشر فى : الأحد 16 مارس 2014 - 6:50 ص | آخر تحديث : الأحد 16 مارس 2014 - 6:50 ص

وراء صناديق التفاح التى ترد إلينا من سوريا، عبر طابا ونويبع، أشجار تستحق الرثاء.. بعضها أحرقته القذائف والصواريخ كما حدث فى بساتين ريف اللاذقية سواء فى جسر الشغور أو جبل الأكراد الذى كان ينتج حوالى عشرين ألف طن من التفاح سنويا، لكن إنتاجه انخفض إلى أقل من عشرة آلاف طن، ما جعل المزارعين يقولون إن النظام يعاقبهم على احتضانهم الجيش الحر ويدفعهم للتهجير حتى يتحكم فى الساحل. لكن تسللت الحياة إلى بعض الأغصان فأزهرت وأثمرت رغم صعوبة الأوضاع، وهربت من مصير التحطيب.. هنا تصبح التفاحة رمزا للانتصار على الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات ببلد يضم 15 مليون شجرة تفاح وينتج حوالى 350 ألف طن سنويا، فمع بدايات الثورة السورية كان بعض شبيحة النظام يهتفون نكاية فى الإسلاميين: «مال المشمش ع التفاح.. دين محمد ولى وراح»، كما ورد على بعض المواقع، فيرد عليهم آخرون: «لا مشمش ولا تفاح.. حتى يسقط السفاح».. هكذا صار التفاح طرفا فى المعركة دون قصد، كما كان من قبل ضالعا فى قضية الجولان المحتل منذ 1967 بمحض المصادفة، إذ يشكل العمود الفقرى لاقتصاد سوريى الجولان، أى الدروز الذين رفضوا الجنسية الإسرائيلية، واكتفوا بهوية «مقيم دائم»، ويقدر عددهم بعشرين ألفا. هؤلاء ينتجون حوالى 50 ألف طن سنويا، وينافسهم المستوطنون اليهود فى زراعة التفاح منذ التسعينيات ويسيطرون على حركة البيع والشراء، فما كان من بشار الأسد إلا أن وقع اتفاقا عام 2005 تستورد سوريا بموجبه تفاح الجولان لدعم سكانه وتشجيعهم على الصمود.. وبالتالى يشهد معبر القنيطرة سنويا، فى شهر مارس، حركة نشطة لتصدير التفاح إلى الشام (رغم الحدود المغلقة)، بدأت بخمسة آلاف طن، واستمرت حتى بعد الثورة، ووصلت إلى حوالى 18 ألف طن نقلت تحت إشراف الصليب الأحمر بواسطة سائقين من كينيا، لكن مؤخرا فضلت إسرائيل توجيه الصفقة إلى غزة خشية عدم قبض ثمن التفاح لتردى الأوضاع فى سوريا، بحسب ما ذكرته بعض الصحف.

•••

مع الزمن أصبح التفاح رمزا لمنطقة الجولان السورى المحتل، ينسب إليه أنه أحد أسباب الثبات على الأرض عام النكسة، وتقع على عاتقه أيضا معيشة غالبية عائلات الجولان.. لذا مع بدايات الثورة السورية ظهرت فرقة موسيقية بعنوان «نص تفاحة»، كان أعضاؤها مجهولى الهوية لدواعٍ أمنية، يغنون لإعلاء سلمية الثورة كغيرهم من الفنانين، إلا أن مؤسسها ــ وضاء المغربى ــ ابن قرية بقعاثا فى الجولان ــ أراد التأكيد على رمزية الاسم وارتباط التفاح بالأرض المحتلة، كما صرح أعضاء الفرقة على صفحتهم على فيس بوك: «النص الثانى من التفاحة أكله الاحتلال ونظام الأسد خلال 45 سنة مضت»، وحتى النصف المتبقى لم يسلم من الأذى.

•••

اختفى تفاؤل بدايات الربيع السورى وثورة «الأغنيات»، ولم يعد بإمكاننا أن نقضم تفاح الشام بشراهة دون أن تمتزج حلاوته بشقاء السياسة.. وقد كتب على التفاح أن يرتبط بها، على ما يبدو، منذ أن غنى الناس قديما فى لبنان وسوريا «يا محملين العنب تحت العنب تفاح.. كل من حبيبه معه وأنا حبيبى راح، يا ربى نسمة هوى ترد الولف ليا».. دائما فى فراق ومعاناة، وهو ما تشهد به كلمات هذه الأغنية «الروزانا» التى صارت ضمن فلكلور المنطقة منذ الاحتلال العثمانى.. وقتها أرسلت تركيا إلى بيروت باخرة باسم «روزانا» محملة بالتفاح لإغراق الأسواق بأثمان زهيدة.. كالعادة تضرر المزارعون وكان التجار على شفا الإفلاس، لجأ هؤلاء إلى نظرائهم فى مدينة حلب التى كانت تضم قنصليات وممثليات تجارية لحوالى عشرين دولة منذ القرن الخامس عشر الميلادى، وطبعا لها وزنها فى عملية تنظيم السوق.. تدخل وجهاء التجار هناك، واشتروا البضاعة من بيروت فأنقذوها، وفشلت مساعى «الروزانا» عندما هربوا التفاح من الحكومة ووضعوا فوقه العنب للتمويه.. وكتبت الأغنية الشعبية لشكر أهالى حلب، كما تقول إحدى الروايات العديدة المنتشرة حولها، وجاءت الكلمات كالتالى: «عالروزانا عالروزانا كل الهنا فيها.. شو عملت الروزانا الله يجازيها.. يارايحين ع حلب حبى معاكم راح.. يا محملين العنب تحت العنب تفاح»، إلى آخره. استمر الناس إلى اليوم فى ترديد «الروزانا»، لكن نسوا الحكاية وكالعادة لم يستوعبوا «درس التفاح».. وكالعادة أيضا يظل المتضرر الأكبر هو المزارع والتاجر والمواطن البسيط الذى يؤخذ بذنب آخرين، يقف على أرض محروقة، وسط أشجار تنتظر ما ستأتى به الرياح.. لا يقوى على قطف ثمار التفاح الجميلة الناضجة خوفا من قنابل النابلم.. حتى لو كان شاربه يقف عليه الصقر كما يظهر فى إعلانات التصدير، حاملا صندوق الفاكهة، فهو لا يدرى إلى متى سيظل قادرا على الاستمرار.

التعليقات