أحمد عبدربه يروي «حكايات في تاريخ مصر الحديث» - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أحمد عبدربه يروي «حكايات في تاريخ مصر الحديث»

نشر فى : السبت 16 مارس 2024 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 16 مارس 2024 - 9:30 م
ــ 1 ــ
منذ عقود، وأنا يستهوينى للغاية قراءة الكتب التاريخية (غير الأكاديمية) أو الكتب التى تتناول موضوعات تاريخية موجهة للقارئ العام فى المقام الأول. و«غير الأكاديمية» هنا لا أعنى بها أى معنى سلبى أو ما يوحى بأنها كتب أو مقالات تفتقر إلى الدقة والمنهجية والتوثيق، أبدًا لا أعنى ذلك، ولا أقصده على الإطلاق، إنما أقصد تحررها من قيود الأكاديمية «الشكلية» من حيث صرامة الالتزام بالمعايير الشكلية فى التصنيف والتبويب إلخ، وتحررها كذلك من نمط الكتابة الذى ربما لا يستسيغه غير الأكاديميين ولا يتجاوبون معه، ولدينا فى هذا المضمار رصيد عظيم من الكتابات التاريخية التى كُتبت خارج دوائر الأكاديمية، وحظيت برواج وانتشار وقبول كل الدوائر المعنية بالتاريخ و«التأريخ»، وكتب صلاح عيسى، وأحمد بهاء الدين، ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم، خير شاهد على جاذبية وجمال هذه المدرسة وشيوعها وانتشارها.
وأنا ممن يؤمنون بضرورة تيسير المعارف الإنسانية (وضمنها التاريخ) وتقديمها بصورة سهلة ومحببة، ولا يعنى ذلك أبدًا التخلى عن روح العلم والمنهجية والعمق فى التحليل، أبدًا، ولا أرى أى تعارض من أى نوع بين مراعاة هذه الضوابط اللازمة لأى كتابة تاريخية محترمة، وبين طرائق عرضها بأيسر الأساليب وأبسطها وأجملها، ولعل كتابات مدرسة المؤرخين المصريين من خارج الجامعة خير شاهد ومثال على ذلك.

ــ 2 ــ
وقد أسعدنى للغاية أن ينحو هذا المنحى، الآن، أساتذة وأكاديميون متخصصون فى التاريخ وغير التاريخ على السواء! بأن يقدموا إسهامات فى هذه الدائرة التى تتغيا تقديم كتابة تاريخية «ميسرة» موجهة للقارئ العام بالأساس، تعرض له الموضوع أو القضية أو الشخصية التى يعالجها تاريخيًا بأبسط الطرق وأيسرها، ودون أن يثقل على قارئه بعرض «تفاصيل التفاصيل» و«هوامش» تصرفه عن القراءة، وتجعله يدير ظهره لها بالكلية! وفى نفس الوقت لا تتخلى عن شروط التوثيق والدقة والموضوعية. ولعل أبرز من يمثل هذا الجهد الآن بين المؤرخين المتخصصين مقالات أحمد زكريا الشلق، ومحمد صابر عرب، وعماد أبوغازى، ومحمد عفيفى.. وغيرهم.
فى هذا الإطار، وعن دار الشروق، صدر كتاب الدكتور أحمد عبدربه أستاذ العلوم السياسية والكاتب بجريدة (الشروق)، بعنوان (حكايات فى تاريخ مصر الحديث ـ من نابليون ومحمد على إلى حريق القاهرة) وهو كتاب لا يتجاوز الـ200 صفحة (يقرأ بكامله فى جلسة واحدة أو جلستين على الأكثر)، مكتوب بلغة سلسة وبسيطة وموجهة إلى القارئ العام فى المقام الأول.
يضم الكتاب سلسلة المقالات التى نشرها الكاتب على مدى عشرين أسبوعًا أو يزيد فى (الشروق)، وتناول فيها جوانب من تاريخ مصر السياسى الحديث، من حملة نابليون بونابرت (1798ــ1801) وحكم محمد على (1805) وأبنائه من بعده، إلى حريق القاهرة وحركة يوليو 1952.
وأنا شخصيا كنت أحرص على متابعة هذه الحلقات أسبوعيًا، قارئًا ومستمتعًا، لأسباب منها؛ أولًا تقديرى للكاتب والمحلل السياسى وطريقته فى تحليل الوقائع والأحداث بطريقةٍ بسيطة ولا تفتقر إلى العمق والتحليل ووجهة النظر فى الوقت ذاته، فضلًا على توظيف المعلومات التى يوردها وليس الولع بإيرادها لذاتها! (مثلما هو الحال فى كثير مما نقرأ من مقالات أو كتب، أصبح جمع المعلومات وحشدها هدفا وغاية لذاته، وليس توظيفها أو عرضها فى سياق أو إطار منهجى).
ــ 3 ــ
وبالإضافة إلى ما ذكرته، فإن سببًا آخر يجعلنى شديد التقدير لهذا الكتاب ومنهجه وطريقته فى عرض وقائع وأحداث وشخوص من تاريخنا الحديث فى صورة ميسرة لملء الفراغ الرهيب أو الهوة الهائلة التى تفصل أبناء وبنات هذا الوطن عن تاريخهم، فكل شىء حولهم ينفرهم منه ومن الاقتراب منه! من أول مناهج التعليم التقليدية الرتيبة «المكرورة»، وتعاملهم مع التاريخ كمحض معلومات وتواريخ وأحداث يجب أن تحفظ! لا باعتباره «سردية» متماسكة، من سرديات عدة، كل منها يعرض «رؤيته»، و«وجهة نظره» فى أحداث ووقائع جرت وانتهت، لكن تأثيرها يظل ممتدًا إلى آماد بعيدة!
ورحم الله أستاذنا المؤرخ القدير قاسم عبده قاسم الذى كان يلح دائمًا على أن التاريخ لا يُكتب إنما يُفعل! وأن التاريخ يُصنع؛ يصنعه الناس فى مسيرتهم، ثم يُقرأ فى كل عصر؛ حسب مصلحة العصر، وحسب «زاوية الرؤية» التى يريد كل أصحاب مصلحة أن يقرأوه من خلالها.
ونحن لا ندرس التاريخ كى نستمع إلى قصص وحكايات، وأساطير ومرويات، أو وقائع غريبة وعجيبة وما إلى ذلك.. إلخ. نحن نقرأ التاريخ لنفهم حاضرنا، ونستشرف مستقبلنا. فالتاريخ علم لا ينتمى إلى الماضى إلا من حيث مادته فقط، إنما هو علم يتصل اتصالًا وثيقًا بالحاضر والمستقبل. ومن عرف نفسه من خلال تاريخه، عرف كيف يتلمس طريقه إلى المستقبل.
ــ 4 ــ
وأتصور أن هذه «الفكرة» هى الدافع العميق وراء الجهد المحمود الذى قدمه الدكتور أحمد عبدربه فى روايته «حكايات فى تاريخ مصر الحديث»، والذى كان واعيًا تمام الوعى بأنه ليس من السهل أبدًا حسم أى قضية إشكالية من قضايا التاريخ عمومًا، وبخاصة ما يتصل منها بالتاريخ الحديث والمعاصر.
فالتاريخ «كما أنه أحداث ووقائع، لكنه أيضًا وجهة نظر، فكلٌ ينظر من الزاوية التى تناسبه لرؤية التاريخ وتصنيفه والأهم سرده، وإذا كنا قد رأينا كيف أن أحداثًا معاصرة لم يمر عليها سوى عدة سنوات (ثورة يناير على سبيل المثال) وما زالت حاضرة بقوة فى أذهاننا لها أكثر من «سردية» وأكثر من تصنيف، فيكون من المفهوم أن تاريخ مصر القديم والحديث والمعاصر لا يمكن أن تكون له نفس السردية، ولا نفس الرؤية». هكذا يؤكد الدكتور عبدربه فى كتابه.
(وللحديث بقية)