الشرطة وآليات المقايضة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرطة وآليات المقايضة

نشر فى : الأربعاء 16 أبريل 2014 - 4:05 م | آخر تحديث : الأربعاء 16 أبريل 2014 - 4:05 م

تلفت الانتباه هذه الفترة حملة إعلامية دءوبة ومنظمة، تنطلق من الإذاعة ومن القنوات التليفزيونية الرسمية والفضائية على حد سواء، تحاول فى إصرار شديد تغيير الصورة المُتعارف عليها لمؤسسة الشرطة المصرية؛ كونها أداة القمع التقليدية، التى يستخدمها النظام للحفاظ على السلطة، وإحكام السيطرة على المواطنين. تحاول الحملة محو حقائق سابقة مُوَثَّقة، منها أن الحركة الثورية التى بدأت فى الخامس والعشرين من يناير، جاءت فى المقام الأول ضد بطش الشرطة وتغولها، وانتهاكاتها التى طالت الكثيرين.

تقدم تلك الحملة –دون تحفظ أو حياء- مؤسسة الشرطة فى صورة الضحية، التى لم ترتكب أبدًا ما يشين، والتى طالما تفانت فى أداء واجباتها، وتحملت الصعاب والمخاطر، بغير أن تطمح إلا إلى توفير الحماية والأمن للمواطنين. تقدم الحملة على الجانب الآخر ثورة يناير باعتبارها محض مؤامرة، دبرتها وقادتها ونفذتها بعض التيارات الإسلامية، فأوقعت بين مؤسسة الشرطة والمواطنين؛ إذ هاجمت الأقسام، وقتلت المتظاهرين واقتحمت السجون وأخرجت المساجين. تؤكد الحملة أن العلاقة بين الشرطة والمواطنين كانت دائماً على ما يرام، علاقة يسودها الاحترام والود، وأن سوء الفهم هو نتاج لتلك المؤامرة ليس إلا.

أجد الوضع الحالى شديد الغرابة، فأعمال العنف والتعذيب المنهجية، فضلا عن المعاملة المهينة فى أقسام الشرطة ومقار الاحتجاز المختلفة، لم تكن أبدًا بأعمال استثنائية ولا حتى مرحلية، بحيث يمكن إغماض الأعين عنها أو إخفاؤها ببساطة، وضحايا ممارسات الشرطة على مدار عقود طويلة يصعب حصرهم، والقتلى منهم، ما قبل خالد سعيد وسيد بلال، يقدرون بالعشرات وربما بالمئات، لكن الحملة الإعلامية تتجاهل هذا كله، وتبدو معتمدة فى نجاحها على تسليط الأضواء على مَن يسقط مِن أفراد الشرطة جراء أعمال العنف الحالية. لا تستهدف الحملة دراسة الوضع وتحليله، بل هى ترمى على ما يبدو إلى إشعار المطالبين بتطهير الداخلية وإعادة هيكلتها بالحرج من موقفهم المعاكس للتيار العام، فيكُفُّون عن رفع مطالبهم أو يؤجلونها على أقل تقدير، ومن ثم تعود الأمور إلى سابق عهدها وتستتب منظومة القهر.

المسكوت عنه هنا هو تلك المحاولة الضمنية الساعية إلى جعل سقوط أفراد الشرطة هنا وهناك، بمثابة حافز للتغاضى عن محاسبتهم عما ارتكبوه سلفاً، بحيث يصبح ازدياد عدد القتلى من الضباط والأمناء والمخبرين ثمنًا أو مقابلا مناسبًا، يتيح للناس غفران ما ذاقوه على أيديهم من إذلال، وما تلقوه من صفعات وسباب، وما تعرضوا له من تنكيل، والسؤال الآن هو هل يمكننا اعتبار هذا "المقابل" عادلاً ومنصفًا؟.

أظن أن ثمة خطوات يجب أن تسبق المقايضة التى تحاول السلطة وآلتها الإعلامية فرضها علينا، منها خطوة الاعتراف؛ الاعتراف الرسمى الواضح بما ارتكب من أخطاء، اعتراف يجىء فى المقدمة وعلى رءوس الأشهاد، وهو أمر غير مستهجن ولا عجيب، وقد سبقتنا إليه جنوب إفريقيا التى اعترف أفراد شرطتها بجرائم قتل وتعذيب زاولوها ضد المواطنين طالبين المصالحة، وجاءت اعترافاتهم تلك فى جلسات معلنة جاورهم فيها الضحايا، وقد لحق بهم أفراد الشرطة الأوكرانية فى الأشهر القليلة الفائتة، حين جثوا على الأرض معتذرين للجماهير وطالبين منها الصفح إزاء العنف الذى مارسوه تجاهها. فى الاعتراف بالخطأ ندم عليه وتطهر منه ووعد ضمنى بعدم تكراره. ترى هل يقبل كبار الضباط المصريين الذين مورس التعذيب تحت إشرافهم أن يعترفوا بجرائمهم، وأن يطلبوا الصفح والمغفرة إحساسًا منهم بالمسئولية ورغبة فى تحمل نتائج ما اقترفوه؟ الاعتراف محك رئيس، يشير إلى وجود نية صادقة تجاه الالتزام بالمعايير العامة المتوافق عليها، كما يدلل على احترام المجتمع وحقوق المواطنين.

خطوة ثانية؛ هى ضرورة إيجاد آلية واضحة وجادة للمحاسبة، لا تنهار أمام ثغرات القوانين ولا تنحنى لضغوط، ولا تخضع لأى اعتبارات سوى تحقيق العدل والإنصاف.

رغم غياب المنطق، وسذاجة الصورة الجديدة البراقة التى يحاول الإعلام تصديرها لمتابعيه، ورغم هشاشة وسطحية تكوينها، إلا أنها لشديد الأسف تجد لها مؤيدين، والحقيقة أن هناك من يدرك زيفها ويحفظ تاريخ القمع كاملاً، لكنه يتجاهل ما يعرف عامدًا، إذ يرى فى الصفقة المعقودة مع الشرطة خيارًا وحيدًا لاستعادة الاستقرار المفقود. على الجانب الآخر، هناك مَن تغيب عنه الوقائع والتواريخ لسبب أو آخر، فتنجح الحملة الإعلامية فى استدرار تعاطفه وكسب تأييده. على كل حال قد تبقى العلاقة بين الشرطة والمواطنين رهنًا لإرادة الحاكم الجديد إلى حين، لكن الاعتماد المبالغ فيه على آليات التضليل، لن يسفر إلا عن تأجيل قصير المدى لمواجهة جديدة بين الطرفين.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات