«خيانة عهد» ووفاء للدراما - خالد محمود - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 2:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«خيانة عهد» ووفاء للدراما

نشر فى : السبت 16 مايو 2020 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 16 مايو 2020 - 11:02 م

يعزف مسلسل «خيانة عهد» على أوتار الضعف داخل نفوسنا، وكيف تتحول الشعرة الإنسانية إلى غول كثيف من الحقد والكراهية، تحاول زعزعة فطرة طبيعة الحياة وسكينتها.
فى العمل الدرامى الثرى، الحمل كان ثقيلا على بطلتنا «عهد دهب» سيدة الأعمال وصاحبة مصنع الملابس، التى تحمل قلبا مليئا بالطيبة والخير والحنو على كل من حولها، فقد واجهت، ولا تزال، الخيانة العظمى بتحالف أختها الطبيبة مع هواجس شيطانية لقتل ابنها الوحيد الشاب بحقنة بالمخدرات، كما خانها ايضا مروان دهب وذوجته بالاتفاق مع رجل الأعمال «مجدى الصياد» وهو الطامع فيها مقابل حفنة من الملايين.
صدمة عهد التى تهوى قراءة الطالع من الفنجان منذ الصغر وتلعب منعطفات خطيرة وحرجة فى حياتها الشخصية واﻷسرية كانت كبيرة، ومؤلمة بحجم تألمنا وتعاطفنا معها، وبحجم الأداء المدهش ليسرا، والتى جسدت واحدا من أهم وأعظم أدوارها وهى تنقلنا من مشاعر إنسانية بكل حميميتها، إلى لحظات انكسار وضعف، عندما وجدت ابنها «هشام» يتعاطى المخدرات، رغم عدم تقصيرها فى تربيته ثم استنهاض لاكتشاف المؤامرة والخيانة بكامل الأمهات، وهى تمسك بأبعاد الشخصية الدرامية الثرية وفق التطور الطبيعى للحالة ووفق سرد يلعب على عنصر التشويق باقتدار.
لم أنس نظرات يسرا الصارخة وتعبيراتها المنهارة فى أكثر من مشهد ملهم فى الأداء تعاملت معه بحسها الحقيقى رغم تطرف المشاعر وتباينها وتصاعدها، منها على سبيل المثال عندما دخلت المشرحة للتعرف على جثة ابنها، وترى وجهه لتردد «لا مش هو مش ابنى مش هشام»، وكأن بداخلها يرفض رحيله، أيضا مشهد انهيارها أمام مدفنه، ما كل هذا الإحساس الصادق فى لحظة صادمة، ما كل هذا التوافق فى المشاعر الداخلية ونبرة الصوت والعين الزائغة، وقد صاحبتها موسيقى تصويرية مليئة بالشجن والروحانية أبكتنى مع صوت غناء التهامى «حياتى بعد موتى أن تقولوا على قبرى لمن أهواه آه، قلبى خواء.. عقلى خواء.. فقد الأحبة والهوى»، كان أيضا فى مشهد آخر وهى تنظر بمشاعر مكبوته لأختها فرح بعدما أدركت أنها يمكن أن تكون الجانية وتقول لها «هشام كان بيحبك جدا»!!
عمق السيناريو والحوار الذى قدمه أحمد عادل، وأمين جمال، ‎ووليد أبو المجد، ومحمد أبو السعد خلق اجواء ممتعة وجذابة وصاغ شخوصه باقتدار وفق رؤية وصورة طازجة وجذابة للمخرج سامح عبدالعزيز الذى اضاف للدراما بحق، واستطاع تطويع شخصياته وفق منهج التلون على الخير والشر، ومن بينهم شخصية شيرين التى جسدتها جومانة مراد بجرأة وبوعى خالص لنموذج شر كان الجانى والضحية فى نفس الوقت بحكم واقعها الاجتماعى المشتت، فشيرين لها أسبابها ودوافعها للممارسات التى تقوم بها، وأنها ليست شريرة من فراغ، والجمهور كما سيكرهها فى بعض المشاهد يتعاطف معها أيضا فهو دور محورى، مركب وليس أحاديا، لامرأة توقع مراهقا فى حبها وفى الإدمان، ونجحت فى ان تلفت انظارنا وتستفزنا، وكذلك حلا شيحة التى طلت بشخصية جديدة مثلت الانتقام والكراهية، وهى «فرح» التى منحت حقنة الموت لابن اختها هشام «خالد انور»، وكذلك الموهوب الكبير بيومى فؤاد الذى لعب شخصية انسانية بعيدة عن ملعب الكوميديا ابكتنا فى بعض اللحظات وهى شخصية منعم ربما تضعه فى مكان اخر فى اعمال قادمة، حيث جسد بوابة الحب التى تهدأ من بركان غضب عهد.
هناك ايضا شخصيات كانت موفقة فى ادوارها لتكتمل المنظومة الدرامية منهم عبير صبرى، ورمزى العدل وهنادى مهنى.
السيناريست والشاعر د مدحت العدل مهد المتلقى لمشاهدة دراما انسانية واقعية مؤثرة من اللحظة الأولى بكلمات تتر المسلسل التى غاصت بنا فى قلب الشخصيات مع تتابع مشاهدة مصائرها» حاسب يا طيب من الزمن والناس.. فى بشر بتخون بالضحكة والإحساس.. يبقا قريبك نصيبك، لكن لوْ طال يصيبك.. يخدعك فتقول عليْه قال أعز الناس»
«خيانة عهد» يمثل محطة نجاح جديدة فى رحلة تجارب منتجه جمال العدل الذى يراهن دائما على خياراته الواعية.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات