برامج الفراغ التليفزيونى - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 9:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برامج الفراغ التليفزيونى

نشر فى : الإثنين 16 أغسطس 2010 - 10:03 ص | آخر تحديث : الإثنين 16 أغسطس 2010 - 10:04 ص

 عاما بعد عام يغرق شهر رمضان فى مستنقع استهلاكى وترفيهى عميق. يختلط فيه البيزنس بالتسلية بالتهريج والإسفاف، ويتحول إلى مسلسلات واستعراضات وحوارات تستغرق اليوم بطولة من ساعات الإرسال التليفزيونى فى الصباح إلى ساعات الليل المتأخرة..

يشتد التنافس فيها على تلهية الجماهير التى لا تقرأ ولا تكتب حتى وإن كانت تقرأ وتكتب. ومن فاته شىء فى ساعات الليل يستطيع أن يستعيدها فى ساعات النهار أو فى قناة أخرى!

وتبلغ المحنة الحقيقية ذروتها بالنسبة لعوام الناس وستات البيوت والأجيال الشبابية حين نعرف أن مجموع ساعات عرض «برامج الفراغ» هذه خلال شهر رمضان ما يزيد على يومين وثلاث ساعات. ومعنى ذلك أن الإنسان المصرى معرض طوال الشهر الكريم لطاقة إشعاعية مدمرة، محملة بقوى الجهل والسطحية التى تغسل العقل من كل قدرة على التفكير..

وتهبط به إلى المستويات الدنيا من الحكاوى وثرثرة المقاهى، والاستظراف الذى لا ينطوى على نكتة ذكية أو سخرية لاذعة.

وطوال الأيام التى سبقت شهر رمضان، تابعت سيل الإعلانات التى ملأت صفحات فوق صفحات مزودة بصور نجوم ليسوا بنجوم، تبشر الناس بما ينتظرهم من برامج وسهرات.

وقد استوردت بعض قنوات جديدة نجوما من لبنان لإجراء حوارات كل هدفها أن تفجر الفضائح وتكشف عن الأسرار وتخوض فى الأعراض. ويتباهى صاحب البرنامج بأنه يدفع الثمن بالدورلارات وبالسيارات الفارهة!

لقد تحول رمضان خلال السنوات الأخيرة بالتدريج إلى سوق هائلة لاستهلاك الإنتاج الفنى الرخيص على الطريقة اللبنانية، وإلى مباراة فى تقديم الحوارات الجنسية المكشوفة بين «قرشانات» السينما المصرية ممن فاتهم قطار الزواج والأسرة، ولم يعد لديهم ما يخافون عليه أو منه.. وياليتها كانت حوارات أو نقاشات حول فنون التمثيل أو الأداء الفنى لأدوار مرموقة قمن بها كبطلات لعمل جيد. ولكنها حوارات هابطة، يعمل المذيع كل ما بوسعه ليزيدها هبوطا باستفزاز طرف ضد الآخر.

لقد انتقد البعض غياب المسلسلات الدينية. وربما كان هذا هو الجانب الإيجابى الوحيد لأن المسلسلات الدينية كما عهدناها كانت تزيف الحس الدينى ولا علاقة لها بعصرها ولا بالعصر الذى نعيش فيه. ولكن هذا لا يمنع من تجسيد حياة بعض الأئمة والعلماء من العصر الحديث مثل الطهطاوى ومحمد عبده والمراغى وشلتوت وغيرهم..

ويغيب عن عقل المسئولين فى التليفزيون المصرى تماما أننا نعيش فى عصر العلم.. فلا يوجد مسلسل واحد يعكس ذلك الصراع الذى نشب أوائل القرن الماضى بين أنصار العلم وأنصار الدين. وكيف أمكن لمصر أن تخوض نهضة علمية لم تكتمل بعد.. ولكنها نجحت فى التوفيق بينهما بعد. ولكنها، وباستثناء مسلسل الجماعة الذى قدم صورة سلبية فى أجواء القمع الذى لعبت فيه السياسة والأطماع السياسية أدوارا بالغة العنف، لا تكاد تجد ما يشفى.

وإذا صحت الأرقام التى ذكرت بأن عدد القنوات التليفزيونية المملوكة للحكومة تقدر بـ54 قناة، إضافة إلى نحو 22 قناة خاصة.. هذه كلها تضخ ليلا ونهارا مواد تفتقر إلى القيمة الفنية الجيدة. حيث لا توجد معايير للجودة فى تقييم الإنتاج التليفزيونى غير ما يفرضه مزاج وزير الإعلام أو كبار الموظفين!!

ما الذى بقى بعد ذلك فى رمضان؟
لا يستطيع أحد أن يعيد عجلة الزمن إلى الوراء، لنحتفل بالشهر الكريم كما كان الآباء يحتفلون به فى القرى والنجوع والأحياء الشعبية. فقد طغت بهرجة المدينة وأضواء التليفزيون وإغراءات النجوم وصناعة السينما على كل شىء. ولم يبق غير الأذان الذى تريد الحكومة تأميمه ــ والصلاة فى المساجد العريقة واستحضار مشاعر الإيمان والخشوع..

وفيما بين هذا وذاك تلمح بعض بؤر مضيئة بتجمعات من الناس تؤدى صلاة التراويح فى النوادى والشوارع، من مختلف الأعمار والأجيال.. لا أحد يدرى من أين جاءوا ولا إلى أين ذهبوا.. ولكنهم أشبه بسحابة صيف رطبة تمتص قدرا من التلوث والسموم!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات