أزمة باكستانية على ضوء الزعم بوجود مؤامرة أمريكية - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 7:18 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أزمة باكستانية على ضوء الزعم بوجود مؤامرة أمريكية

نشر فى : الإثنين 18 أبريل 2022 - 8:50 م | آخر تحديث : الإثنين 18 أبريل 2022 - 8:50 م
شهدت باكستان خلال الأسابيع الماضية عدة تطورات مهمة على مستوى أوضاعها السياسية الداخلية جديرة بالمتابعة، كونها دولة إسلامية كبرى ذات مكانة تاريخية، ووزن إقليمى كما إنها الدولة الإسلامية النووية الوحيدة.
فقد اجتمع البرلمان الباكستانى (الجمعية الوطنية) فى جلسة مطولة تجاوزت منتصف الليل فى 9 إبريل الجارى وصوت بأغلبية 174 عضوا على سحب الثقة من رئيس الوزراء «عمران خان» الذى أصبح بذلك أول رئيس وزراء يتم إزاحته بسحب الثقة فى تاريخ باكستان منذ نشأتها منفصلة عن الهند عام 1947. كما لم يشذ هذا التطور، عن القاعدة التاريخية، وهى أنه لم يحدث إطلاقا فى تاريخ باكستان، الذى امتد لـ75 عاما، أن أتمَ أى رئيس وزراء فترة ولايته كاملة، فقد واجه بعضهم الإزاحة بحكم قضائى، أو الإجبار على الاستقالة فى ظل اضطرابات سياسية داخلية، أو الانقلابات العسكرية مثل حالة رئيس الوزراء «ذو الفقار على بوتو» الذى أزاحه «الجنرال ضياء الحق»، ثم أعدمه، أو نوَاز شريف الذى كان رئيسا للوزراء ثلاث مرات حيث أُزيح مرة بانقلاب قادهُ «الجنرال برفيز مشرف»، وفى المرة الأخيرة أُزيحَ بحكم قضائى نتيجة لشبهات فساد تضمنتها تسريبات «ويكيليكس».
وقد أعقب إزاحة «عمران خان» انتخاب البرلمان «لشاهباز شريف» كرئيس للوزراء، والذى كان زعيما للمعارضة ورئيسا لحزب الرابطة الإسلامية ــ نواز (PMLــN) وهو الشقيق الأصغر «لنواز شريف» رئيس الوزراء الأسبق، وخلفه فى قيادة الحزب.
وقد كان لإزاحة «عمران خان» مقدمات، وتلاها توابع، تشير جميعها إلى أن التفاعل السياسى الباكستانى الداخلى قد انتقل إلى مرحلة الصراع، وأن السيناريوهات المستقبلية هى أقرب لعدم الاستقرار السياسى.
•••
أما عن المقدمات، فقد كان حزب عمران خان (الحراك والإنصاف PTI) مشكلا للحكومة منذ عام 2018، عقب الانتخابات التى جعلته أكبر الأحزاب من حيث عدد الأعضاء فى البرلمان، لكنه لم يحصل على الأغلبية المطلقة التى تمكنه من تشكيل الحكومة إلا بعد الائتلاف مع بعض الأحزاب الصغيرة الممثلة فى البرلمان، كما كان قد رفع شعار مكافحة الفساد أثناء حملته الانتخابية، وما إن تولى منصبه حتى شرع فى ملاحقة معظم قيادات الحزبين التاريخيين الكبيرين، وهما حزب عائلة نواز شريف (الرابطة الإسلاميةــ ن / PMLــN) وحزب عائلة بوتو (حزب الشعب الباكستانى PPP)، ومن خلال قواعد مؤسسة (مكتب المحاسبة الوطنى) واختصاصاته، فقد كان يتم توجيه الاتهامات بالفساد للعديد من قيادات هذين الحزبين، وأُسرهم، ثم إصدار قرارات المنع من السفر، ثم القبض على المتهمين وسجنهم لأشهر عديدة، قبل أن تَصدُر أحكام قضائية نهائية. وقد كان ممن خضعوا لهذه الإجراءات «على زردارى» رئيس الجمهورية الأسبق، و«شاهباز شريف» رئيس الوزراء الحالى، والذى خلف «خان»، وأبناؤه، وأبناء «نواز شريف» رئيس الوزراء الأسبق، و«شاهد عباسى» رئيس الوزراء الأسبق، وآخرون، وهو ما استعدى تقريبا جميع الطبقة السياسية الباكستانية الرئيسية ضد «عمران خان»، وادَعوا أن هذه المحاكمات مُسيسة.
من ناحية ثانية، فإن محاولات إسقاط «خان» وتوحيد المعارضة ضده ليست وليدة الأيام الماضية فقط، وإنما كانت قد بدأت بعد تولى «خان» رئاسة الوزراء بفترة وجيزة، وكان يقودها رجل الدين «فضل الرحمن» زعيم جمعية علماء الإسلام، والذى كان يقوم من وقت لآخر بمظاهرات ضد «خان»، كما عقد العديد من الاجتماعات مع قادة حزبى المعارضة الرئيسيين (حزبى عائلتى شريف وبوتو) سعيا لتوحيدهما ضده، ولكن جهوده كانت تتعثر بسبب الخلافات والتنافس السياسى التقليدى بين هذين الحزبين، إضافة لعدم الاتفاق على مناسبة التوقيت من الناحية السياسية. ثم استطاعت المعارضة توحيد صفوفها فى 21 سبتمبر 2020، وشكلت (التحالف الديمقراطى لباكستان)، والذى هدف أساسا لإسقاط «خان» وطالبوه بالاستقالة، وهددوه بتنظيم مظاهرات ضده إذا لم يفعل، كما اتهموه بالعجز عن تحقيق آمال الشعب، وكرر بعضهم الادعاء بأن «خان» هو المختار من المؤسسية (Establishment) فى إشارة خفية للجيش، وليس المنتخب من الشعب.
ولكن المعارضة لم تقرر المُضى فى اتخاذ الإجراءات الفعلية الرسمية لسحب الثقة عن «خان» إلا فى مارس 2022، حيث وجدت التوقيت مناسبا، مع انشقاق نحو 20 عضوا من التكتل المؤيد «لخان» فى البرلمان، مما يجعل حكومته حكومة أقلية، وحسب النظام البرلمانى عليها أن تبحث عن حلفاء جدد من الأحزاب الأخرى فى البرلمان، ولكن لم يكن أى من الأحزاب الكبرى على استعداد للتحالف معه فى حكومة ائتلافية، فى ظل العداء المستحكم معه، وإصرارها على إسقاطه، وربما العمل على سجنه بعد ذلك، أسوة بما اقترفه ضد قادتها، كما ضمنت المعارضة عدد الأصوات الموافقة على سحب الثقة، إضافة إلى تزايد الغضب الشعبى نظرا لتردى الوضع الاقتصادى. كما أن المعارضة قد تكون قد استشعرت بوادر خلاف بين «خان» والجيش الباكستانى، كان أحد أدلتها تعيين رئيس جهاز المخابرات ISI فى أكتوبر 2021، الذى رشحته قيادة الجيش، ثم تأخر التصديق عليه من «عمران خان» لفترة، أدت لتكهنات بوجود هذا الشقاق، وقد رأت أحزاب المعارضة فى كل هذا توقيتا ملائما لإزاحته عن منصبه.
وحينما استشعر «خان» أن إزاحته وسحب الثقة أصبحت وشيكة، رفع شعار وجود مؤامرة خارجية من الولايات المتحدة ضده بالتواطؤ مع المعارضة بسبب سياساته المستقلة، واتهم المعارضة بأنهم جميعا عملاء لقوى خارجية. وبالرغم من أنه لم يقدم أى دليل واضح ومحدد على إدعائه سوى الحديث عن مضمون برقية رمزية أرسلها السفير الباكستانى فى واشنطن بشأن مقابلة أجراها مع أحد المسئولين الأمريكيين فى الخارجية، تضمنت الإِشارة إلى عِلم الأمريكان بنية المعارضة سحب الثقة، وأن خان إذا استمر فسيكون هناك تبعات سلبية على علاقات البلدين، كما نفى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ادعاء «خان» تماما.
وقد انتشرت الرسالة الإعلامية لخان حول المؤامرة، وصدقها أتباعه ومؤيدوه وقواعد حزبه، وتناقلوها عبر وسائل التواصل الاجتماعى، ونسجوا حولها المزيد من (التوابل) والتفاصيل الخيالية غير الصحيحة، وتأججت مشاعر العداء للولايات المتحدة الكامنة لدى جزء من الشعب الباكستانى، نتيجة ملابسات عديدة فى تاريخ علاقات البلدين، خاصة خلال العشرين عاما الماضية على خلفية تبعات التدخل العسكرى الأمريكى فى الجارة أفغانستان. وخرج عشرات الآلاف فى مظاهرات اعترضت على إزاحته، كما استمر «خان» فى عقد الاجتماعات الجماهيرية فى المدن المختلفة مُكررا ادعاءاته، وهو ما ينبئ، إذا استمر، بصعوبات كبيرة أمام حكومة خلَفه التى عليها إجهاض ادعاءات «خان» حول المؤامرة وتفكيكها.
•••
كان أمام «خان» ثلاث بدائل قبل سحب الثقة، فحسب ما أعلنه المتحدث باسم الجيش ومدير إدارة العلاقات العامة فى 15 ابريل 2022، فإن قائد الجيش ورئيس جهاز المخابرات، قد ناقشا هذه البدائل الثلاث فى لقاء مع «خان»، دون أن يُفضلا بديلا محددا منها وترك القرار له، وهى أولا إما الاستقالة وترك البرلمان يختار رئيس وزراء يخلفه قبل طرح الثقة، أو ثانيا الاتفاق مع المعارضة على عدم الاستمرار فى إجراءات سحب الثقة، وأن يتم حل البرلمان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة، أو ثالثا قبول سحب الثقة والانتقال لصفوف المعارضة كزعيم لها.
لكنه اختار طريقا رابعا غير دستورى ويخالف القواعد والقوانين البرلمانية، وهو محاولة تعطيل ومنع عملية التصويت داخل البرلمان من الأساس، ففى الجلسة الأولى المخصصة للتصويت، كرر نائب رئيس البرلمان الذى رأس الجلسة وينتمى لحزب خان، الادعاء بوجود مؤامرة، وبحجة أن الدستور ينص على أن يكون الولاء للدولة، فقد رفع الجلسة ومنع إجراء التصويت! ثم أصدر رئيس الجمهورية، بناء على طلب من «خان»، قرارا بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، الأمر الذى جعل المحكمة العليا (الدستورية) تتدخل وتصدر قرارا بالإجماع بعدم دستورية منع إجراء التصويت، كما ألغت قرار حل البرلمان، بل وأمرت بإجراء التصويت يوم السبت 9 إبريل الجارى، ولم يجد خان بديلا سوى قبول الحكم على مضض.
وحينما انعقد البرلمان (الجمعية الوطنية) فى جلسة التاسع من إبريل الجارى، استمر أتباع خان، خاصة رئيس البرلمان والوزراء، فى محاولات التعطيل والمماطلة، من خلال الخطابات المطولة كما رفع رئيس البرلمان الجلسة عدة مرات رغم مناشدات المعارضة الشروع فى التصويت. واستمر هذا السيناريو على الهواء إلى قرب منتصف الليل، الأمر الذى دعا المحكمة العليا أن تشرع فى فتح أبوابها ليلا تمهيدا لانعقادها بشكل طارئ لكى تتخذ ما تراه حماية للدستور، إذا ما استمر رئيس البرلمان فى المماطلة وعدم تنفيذ حكمها، ولم يجر التصويت قبيل نهاية اليوم كما أمرت، وحينما وصلت أخبار شروع المحكمة فى الانعقاد للبرلمان أعلن رئيسه الاستقالة، وتم بدء تنفيذ التصويت قبل دقائق فقط من منتصف الليل، وخرج «خان» من الحكم، ولكنه لم يخرج من المعادلة السياسية الباكستانية، حيث يستمر فى لقاءاته الجماهيرية الحاشدة فى المدن المختلفة، مصرا على ادعائه، الأمر الذى يجعل الأوضاع السياسية بها حبلى بالأحداث وبالتطورات، حتى يتم إجراء الانتخابات الجديدة فى منتصف العام القادم، أو ربما قبلها.
أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات