قراءة فى نتائج الانتخابات النيابية الكويتية - محمد مجاهد الزيات - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قراءة فى نتائج الانتخابات النيابية الكويتية

نشر فى : الإثنين 18 مايو 2009 - 7:58 م | آخر تحديث : الإثنين 18 مايو 2009 - 7:58 م

تعتبر التجربة البرلمانية فى الكويت تجربة رائدة على المستوى الخليجى أو العربى بصفة عامة، وقد بدأت هذه التجربة بقيام مجلس الشورى فى 1921، إثر تقديم بعض الجموع الشعبية وثيقة للحاكم طالبت بإنشاء مجلس يشارك فى اتخاذ القرار، وهو ما عكس آنذاك درجة الوعى السياسى لدى المواطنين الكويتيين والعلاقة بين الأسرة الحاكمة والشعب الكويتى.

ثم أعقب هذا المجلس، المجلس التشريعى الثانى عام 1938 والذى تم تشكيله عبر انتخابات مباشرة، وتم بالتزامن مع ذلك إقرار دستور يحدد اختصاصات المجلس، إلا أن ممارسات المجلس وتنازع السلطات مع الحاكم أدى إلى تعطيل عمل المجلس فى أول أزمة دستورية كبيرة تشهدها إمارة الكويت.

وبدأت الحياة السياسية والبرلمانية فى الكويت بصورة أكثر وضوحا بعد الاستقلال عام 1962، وإقرار الدستور الكويتى الذى لا يزال ساريا وحدد بوضوح اختصاصات الحاكم والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وساد الحياة البرلمانية الكويتية منذ الاستقلال وحتى الآن طغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية كما هو الحال فى العديد من دول العالم الثالث، كما تميزت كذلك بمحاولات أعضاء المجالس التشريعية اكتساب مزيد من الصلاحيات على حساب السلطة التنفيذية مما أدى إلى مزيد من التصادمات أدت إلى حل مجلس الأمة عام 1976، وعام 1985 وتعطيل العمل ببعض بنود الدستور مما زاد من الخلل
بين صلاحيات السلطتين ورجح كفة السلطة التنفيذية فى النهاية.

وكان الغزو العراقى للكويت نقطة تحول فى الحياة السياسية فى الكويت، فرغم الاندماج الواضح بين الشعب والأسرة الحاكمة خلال تلك الفترة، فإن خروج القوات العراقية وعودة الحياة السياسية الطبيعية للكويت، كشفتا عن جرأة واضحة لأعضاء المجالس التشريعية الذين طالبوا بصلاحيات تتجاوز ما أقره لهم الدستور، الأمر الذى دفع بالحاكم إلى تعطيل الحياة البرلمانية، وتغيير الحكومة، حتى إن الفترة من 2006 وحتى الآن شهدت تشكيل خمس حكومات وثلاثة انتخابات نيابية برلمانية، وهو ما كشف عن طبيعة وحجم الأزمة السياسية فى الكويت.

وترتبط هذه الأزمة بالدرجة الأولى بطبيعة التطور السياسى فى الكويت، ورغم أنه لا توجد أحزاب سياسية مشروعة، فإن هناك كتلا وتجمعات سياسية واجتماعية تمارس العمل الحزبى، وتتصارع فيما بينها، بل إن الأجندة المذهبية قد فرضت بعض ملامحها على ذلك العمل.

كما ترتبط تلك الأزمة كذلك بضعف الحكومات التى تم تشكيلها خلال السنوات الثلاث الأخيرة بصفة خاصة، حيث أجبر أعضاء المجالس التشريعية خمس حكومات على الاستقالة فى تلك الفترة، إذ لم تقدم أى من تلك الحكومات برامج محددة للعمل والتنمية، فتركت الساحة لأعضاء المجلس لتوجيه انتقادات حادة وتقديم مبادرات فردية حققت لهم مزيدا من الشعبية.

وقد جاءت الانتخابات الأخيرة فى أعقاب حل مجلس الأمة إثر مطالبة أحد الأعضاء باستجواب رئيس الحكومة فى سابقة لم تشهدها الكويت فى تاريخها على اعتبار أن قيادة الأسرة الحاكمة يجب ألا يتم التعامل معها بهذا الشكل، ومطالبة آخرين بأن يكون رئيس الوزراء من خارج الأسرة، وهو ما لا يتفق مع الصلاحيات التى أقرها الدستور لأمير البلاد.

وأسفرت هذه الانتخابات عن تراجع التيار السلفى من أربعة مقاعد إلى مقعدين فقط وجناح الإخوان المسلمين مقعد واحد مقارنة بثلاثة مقاعد فى المجلس السابق فضلا عن عدم نجاح أبرز قيادات هذا الجناح فى المحافظة على مقعده. ومن الملاحظ أن الذين فازوا من هذا التيار جاءوا فى مراكز متأخرة عكس الانتخابات السابقة، الأمر الذى أسفر فى النهاية عن تراجع التيار الدينى السنى بصفة عامة من واحد وعشرين مقعدا فى المجلس السابق إلى أحدى عشر مقعدا فقط فى المجلس الجديد وهو ما يؤكد تراجع شعبيتهم بصورة ملحوظة، ويشير إلى نوع من التحول فى موقف الرأى العام الكويتى تجاه هذا التيار.

ويمكن تفسير هذا التراجع بفشل هذا التيار فى الالتزام بما سبق أن أعلنه من شعارات قبل دخولهم المجلس، وكذلك الخطاب المزدوج الذى تضمن انتقادات حادة للحكومة ومساندتها فى نفس الوقت داخل المجلس مع مواجهة الاستجوابات التى تعترض عليها.

ومن المؤشرات المهمة كذلك فوز أربع سيدات فى تطور اجتماعى وسياسى لافت ستكون له تداعياته داخل منطقة الخليج، وإن كان نجاحهن قد استفاد من تأثير الأغلبية الانتخابية للمرأة فى الكويت، حيث تمثل النساء حوالى 54% من إجمالى الناخبين، ويأتى ذلك فى ذكرى مرور ثلاث سنوات على قرار الأمير بالسماح للمرأة بممارسة العمل السياسى وتعتبر زيادة عدد المقاعد التى حصل عليها الشيعة من سبعة مقاعد إلى تسعة مقاعد مؤشرا مهما، إلا أن هذه الزيادة يجب ألا يتم تفسيرها على قاعدة المذهبية الطائفية، حيث إن المقعدين الإضافيين حصلت عليها الدكتورة معصومة المبارك والدكتورة رولا دشتى ورغم أنهما شيعيتا المذهب، فإنهما محسوبتان على التيار الليبرالى ويميلان إلى جانب الحكومة والأسرة بصورة كبيرة،، كما أن بعض الأعضاء الشيعة الجدد يمكن اعتبارهم مستقلين وتم انتخابهم على حساب شخصيات محسوبة فكريا على إيران والتشدد المذهبى بصورة كبيرة، واللافت أنه قد نجحوا فى دوائر ذات أغلبية سنية، وإن كان من الملاحظ أن الدائرة الأولى التى ينتمى أغلب سكانها للمذهب الشيعى هى الدائرة التى شهدت أعلى نسبة من المشاركة فى عملية التصويت مقارنة بالدوائر السنية الأخرى.

ومن الملاحظ أيضا أن ممثلى التيار القبلى احتفظوا بنصف مقاعد المجلس تقريبا كما أن الشخصيات المؤيدة للحكومة لا تزال تحتفظ بنسبة تمثيلها وهو ما يعنى أن الحكومة لا تزال تحظى بأغلبية واضحة داخله، إلا أن عودة النواب الذين سبق تسميتهم بنواب التأزيم ــ أى الذين كانوا وراء الأزمة بين المجلس والحكومة ــ لا يعنى أن الكويت قد تجاوزت الأزمة السياسية بصورة نهائية.

وفى نفس الوقت، فإن جميع هذه المؤشرات تكشف عن طبيعة الحراك السياسى والاجتماعى الذى تشهده الكويت، وتؤكد الحقيقة المستمرة منذ بدء الحياة البرلمانية فى الكويت والتى مفادها أن التطور السياسى والاجتماعى هناك يفرض النظر فى إعادة صياغة الإطار الدستورى للعملية السياسية والبرلمانية بما يتوافق مع هذا التطور، إن استمرار الخلل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وطبيعة التوازن القائم بينهما والذى يحتاج إلى مواجهة وعلاج، ومن الضرورى أن ترتفع السلطة التنفيذية إلى مستوى المجلس التشريعى بحيث تتم التشكيلة الحكومية من كفاءات وكوادر سياسية ذات قدرات تطرح خططا لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتعيد الكويت إلى مركزها الريادى الاقتصادى والسياسى فى منطقة الخليج.

إن الإصلاح الاقتصادى يحتاج إلى مناخ سياسى مستقر، فقد أضر الاضطراب السياسى والتجاذب الذى تم بين السلطتين إلى تضرر مناخ الاستثمار فى الكويت وتراجعها فى الترتيب العالمى وفقا لمؤشر التنافسية من المرتبة رقم 30 إلى المرتبة رقم 35 كما أضرت بسمعتها لدى مؤسسات التصنيف الدولية.
نائب رئيس المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط 
 

محمد مجاهد الزيات مستشار أكاديمى فى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
التعليقات