المبادرة الروسية: جدل الدبلوماسية والسلاح - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 11:19 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المبادرة الروسية: جدل الدبلوماسية والسلاح

نشر فى : الخميس 19 سبتمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 19 سبتمبر 2013 - 8:00 ص

فى التاسع من سبتمبر فى ذروة استعداد الرئيس الأمريكى لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا تقدمت روسيا بمبادرة التسوية السياسية للأزمة قبل ساعات من بدء مناقشة الكونجرس الأمريكى التفويض الذى طلبه الرئيس أوباما لتوجيه الضربة. كان واضحا من المبادرة وما تلاها من ردود أفعال أن كل أطراف الأزمة مأزومة وتريد أن تخرج من الموقف الحالى دون خسائر كبيرة، ولنبدأ بالطرف صاحب المبادرة والطرف موضوع المبادرة وهو سوريا. أما روسيا فلا شك أنها استشعرت الجدية فى التحرك الأمريكى نحو ضرب سوريا، والنظام السورى حليف لروسيا بأحد المعانى باعتبار أنه يكاد يكون المنفذ الاستراتيجى الوحيد لروسيا فى الوطن العربى والشرق الأوسط وسوف يكون هذا النظام معرضا للسقوط على نحو مباشر أو غير مباشر من جراء الضربة، بالإضافة إلى الضرر الذى لا شك أنه سيصيب المكانة الروسية بسبب العجز عن حماية حليفها. فى هذا الإطار تقدمت روسيا بمبادرتها التى لم يكن مضمونها شكليا وإنما يعكس أفكارا جادة لا شك أنها ترضى الإدارة الأمريكية وأصدقاءها وحلفاءها، فالمبادرة تنص على أن يضع النظام السورى ترسانته الكيماوية تحت رقابة دولية تمهيدا للتخلص منها والانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية.

●●●

تقدمت روسيا بمبادرتها أثناء زيارة وزير الخارجية السورى وليد المعلم الذى أعلن بعد ساعة واحدة من تقديم المبادرة أن القيادة السورية «ترحب بالمبادرة الروسية انطلاقا من حرصها على أرواح مواطنيها وأمن بلادنا ولثقتنا بحرص القيادة الروسية على منع العدوان على بلدنا». هذا طرف ثانٍ مأزوم لدرجة التضحية بترسانته الكيماوية التى تعد مع القدرة الصاروخية أداة الردع لإسرائيل عن أى عدوان تزمع القيام به ضد سوريا، لكن حسابات الأولويات لا بد أنها كانت صحيحة، فالضربة العسكرية قد تلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بالقوات المسلحة السورية وهو ما لا يعنى إضعاف القدرة العسكرية للدولة فحسب وإنما يرجح فى الوقت نفسه سقوط النظام فى معركته مع المعارضة المسلحة.

هذا عن المعسكر الرافض للضربة العسكرية فماذا عن معسكر الخصوم، سوف نلاحظ أن السمة العامة لردود الأفعال هى التعامل بإيجابية مع المبادرة مع الحذر الشديد، ويرجع ذلك إلى أن المبادرة تأتى بجديد جاد لكن سوء الظن من حسن الفطن، وبالنسبة للولايات المتحدة صرحت مصادر الخارجية الأمريكية بأن واشنطن ستدرس بعمق اقتراح موسكو، وذكر مسئول أمريكى بارز أن الولايات المتحدة تعتزم المتابعة مع روسيا للتأكد من أن الخطة ذات صدقية، وصرحت ناطقة باسم الخارجية الأمريكية بأن واشنطن تنظر بجدية إلى الاقتراح الروسى لكن لدينا بعض الشكوك. أما على صعيد الرئيس الأمريكى نفسه فقد صرح بأن الاقتراح قد يشكل اختراقا كبيرا وهو بالتأكيد تطور كبير، وأشار مسئول فى البيت الأبيض إلى أن أوباما اتصل هاتفيا فى اليوم التالى لإعلان المبادرة مع نظيره الفرنسى ورئيس الوزراء البريطانى واتفقوا على العمل سويا عن كثب وبالتشاور مع روسيا والصين من أجل استطلاع مدى جدوى الاقتراح الروسى. يعنى ما سبق أن أوباما بدوره يشعر بأنه مأزوم، فهو لا يستطيع أن يتراجع عن الضربة، وفى الوقت نفسه فإنها يمكن أن تصيب مكانته الدولية بالضرر، فضلا على ما يمكن أن تسببه من متاعب داخلية، وقد اعترف بأنه توجد ممانعة لتفويضه فى الكونجرس، ولذلك فإن المبادرة الروسية بأحد المعايير تقدم له مخرجا كريما.

●●●

على صعيد حلفاء واشنطن الأوروبيين كان المبدأ الحاكم لمواقفهم هو أيضا التعامل بإيجابية مع الحذر، فصرح رئيس الوزراء البريطانى بأن المبادرة ستمثل خطوة كبيرة إلى الأمام لكنه تحفظ فى الوقت نفسه بألا تكون المبادرة أسلوبا لصرف الانتباه عن المشكلة الحقيقية، وهو تحفظ غريب لأن الأصل أن المبادرة تتناول جوهر هذه المشكلة. أما وزير الخارجية الفرنسى فقد حرص على أن يشير إلى أن فرنسا طرحت بالفعل قرارا ملزما على مجلس الأمن ينص على وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة وتفكيكها ويجيز استخدام القوة فى حالة عدم تطبيق الالتزامات الواردة فيه بموجب الفصل السابع، ووصفت المستشارة الألمانية الاقتراح بأنه «مثير للاهتمام»، مكررة رفضها التام لأى تدخل عسكرى فى سوريا.

وربط الأمين العام للأمم المتحدة تأمين الأسلحة الكيماوية السورية بقرار يصدره مجلس الأمن يحض دمشق على الموافقة الفورية على تأمين هذه الأسلحة وتسليمها وتدميرها. وحرص على أن يشير إلى أن هذا لا يعفى من المحاسبة. وعلى صعيد الجامعة العربية قرر مجلس الجامعة فى اجتماعه الطارئ يوم 10 سبتمبر التعامل بإيجابية مع المبادرة، معربا عن أمله فى أن تؤدى إلى تحقيق إرادة الشعب السورى وتحافظ على وحدته وسيادته وكان الأمين العام قد أعلن تأييد المبادرة، مشيرا إلى أنها تأتى فى إطار سعى الجامعة للبحث عن حل سياسى بينما أكد نائبه السفير أحمد بن حلى أن حل الأزمة عن طريق المبادرة لا يعفى مرتكبى جريمة قتل السوريين من العقاب.

●●●

وبعد إعلان المبادرة أعلن وزير الخارجية الروسى أنه سيبقى على اتصال دائم مع وزير الخارجية الأمريكية وأن بلاده تعمل مع الجانب السورى على إعداد خطة محددة لتنفيذ المبادرة وأن العمل على إنجاز هذه الخطة سيجرى بالتعاون مع الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وكان واضحا أنه يسعى لحشد تأييد دولى للاقتراح، وفيما بعد أعلنت الخطوط العامة لهذه الخطة وتنقسم إلى مراحل أربع: انضمام سوريا لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية ــ الكشف عن مقار إنتاج الأسلحة وتخريبها ــ فحص ترسانة الأسلحة الكيماوية ــ تدميرها.

 ويوم السبت الماضى طالب كل من روسيا والولايات المتحدة دمشق بتقديم قائمة بأسلحتها الكيماوية فى خلال أسبوع. هكذا تقترب المبادرة الروسية أكثر فأكثر من تحقيق تسوية سياسية، وهو إنجاز للدبلوماسية الروسية ودرس لمن تعودوا الاعتماد على الآخرين فى تحقيق أهدافهم.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية