الأحداث فى باب المندب.. تداعيات ومخاطر جسيمة - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأحداث فى باب المندب.. تداعيات ومخاطر جسيمة

نشر فى : الخميس 21 ديسمبر 2023 - 8:20 م | آخر تحديث : الخميس 21 ديسمبر 2023 - 8:20 م
الحديث عن مضيق باب المندب يعنى مباشرة الحديث عن المدخل الجنوبى لقناة السويس، وهو أمر لا يتعلق بدولة بمفردها، أو بمنطقة إقليمية محددة، بل يتجاوز الأمر ذلك لأبعاد وتداعيات دولية، فمضيق باب المندب تعبره سنويا من وإلى قناة السويس 18 ألف سفينة تحمل التجارة الدولية، لذلك فالبحر الأحمر عند باب المندب هو مضيق ملاحى عالمى تتعلق به مصالح العديد من الدول والشركات الكبرى فى كل أنحاء العالم.
مع تفاقم الأمور وفى ظل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية على غزة، قام الحوثيون باحتجاز إحدى سفن ناقلات السيارات المملوكة لأحد رجال الأعمال الإسرائيليين، ولم يمر وقت طويل حتى تم استهداف ناقلة نفط نرويجية ثم استهداف إحدى سفن الحاويات لشركة ميرسك الدنماركية الكبرى، وسفينة حاويات أخرى لشركة هاباج لويد الألمانية.
أى يكن أسباب أو دوافع ذلك، فإن الأمر لا يتعلق باليمن وحدها أو إسرائيل، فمضيق باب المندب هو ممر ملاحى دولى، وليست اليمن هى الدولة الوحيدة المطلة عليه، فجيبوتى أيضا تطل على المضيق وهى مقر لعدة قواعد عسكرية بحرية لعدة دول متباينة التوجهات والمصالح، وإن كانت تتفق جميعا على حجة ضمان أمن وسلامة الملاحة عبر المضيق.
• • •
الرؤية الاستراتيجية الأمريكية وقاعدتها معسكر ليمونيه فى جيبوتى تقوم على توفير الإمدادات اللوجيستية للسفن البحرية الأمريكية وقوات المارينز والتدخل السريع، وفى ذات الإطار فإن القاعدة العسكرية الفرنسية فى جيبوتى تضم عناصر من القوات الجوية والبحرية والبرية بمعداتها الثقيلة، أما القاعدة العسكرية الصينية فتضم ثكنات عسكرية ومهابط للهليكوبتر ومستودعات للطائرات الموجهة بدون طيار، وتسهيلات بحرية للسفن الحربية، فضلا عن إدارة الصين لميناء دوراليه.
أيضا توجد فى جيبوتى القاعدة العسكرية اليابانية، وهى أول قاعدة عسكرية خارجية لليابان، وتضم تسهيلات للطائرات وخفر السواحل، ثم القاعدة العسكرية الإسبانية وهى موجودة فى إطار دعم عملية أطلانطا التابعة للاتحاد الأوروبى، حيث تشارك بنشر طائرات دورية بحرية واستطلاع، ثم القاعدة العسكرية الإيطالية وهدفها دعم النشاط البحرى الإيطالى فى المنطقة وحماية السفن التجارية وتتبع أيضا عملية أطلانطا.
على الجانب الآخر، الحوثيون المدعومون بالفعل من إيران بالسلاح والخبرة التكنولوجية والمعلومات الاستخبارية، بالإضافة لذلك يمكنهم تطوير منظومات الصواريخ الموجودة لديهم وتعديل أنظمة الملاحة والتوجيه لها، وقد يكونون قد حصلوا على النسخة الأحدث للطائرة الإيرانية المسيرة «شاهد ــ 136» التى تم تطويرها مؤخرا برأس باحث كهروضوئى، مما يجعلها قادرة على البحث عن الأهداف المتحركة ومهاجمتها بدقة، هذا فضلا عما هو متاح لديهم من صواريخ وتوربيدات وألغام بحرية، مما يعطى للأحداث عند باب المندب بعدا أخطر وأبعد مدى.
لكن الحوثيين ليسوا وحدهم فى باب المندب، فعلى مرمى حجر منهم تتواجد قوات ضاربة لعدة دول فى جيبوتى لحماية مصالحها فى شرق أفريقيا وبحر العرب وخليج عدن، ولكل منها مخططاتها وسياساتها بشأن تلك المنطقة الحساسة، وفى ذات الوقت فإن الحجة القائمة والمشروعة لوجودها جميعا هى حماية وتأمين حركة الملاحة الدولية.
• • •
والسؤال الجوهرى الذى يجب طرحه هو هل سيؤدى احتجاز الحوثيين لسفينة ما أو قصف سفينة أخرى تحقيق مطلبهم بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة وإمدادها بالمؤن والمياه؟! واقع الأمر يقول عكس ذلك، فالقدر الأكبر من المساعدات والدعم لإسرائيل يأتى أساسا من الولايات المتحدة وأوروبا عن طريق الموانئ على البحر المتوسط وعن طريق النقل الجوى كذلك، وبالتالى فتأثير هجمات الحوثيين على السفن لم يُحدث حتى الآن سوى تأثير محدود على حركة النقل والتجارة من وإلى إسرائيل، وتأثير محدود على ميناء إيلات.
ومن جهة أخرى، أسفرت تلك الهجمات عن تحويل جانب من الأضواء والاهتمام العالمى عن الأحداث الجسيمة فى قطاع غزة والجرائم الإسرائيلية اليومية هناك، وإظهار أن إسرائيل تقاتل على عدة جبهات من أطراف متعددة، كذلك تسببت الهجمات فى استعداء الدول المالكة للسفن مثل النرويج والدنمارك وسويسرا وألمانيا، وكذلك استعداء الدول المتأثرة سلبيا من تداعيات الأحداث فى باب المندب على مصالحها الملاحية والتجارية الدولية.
أما الولايات المتحدة فقد تبدت لها الفرصة سانحة فأعلنت عزمها على تشكيل قوة ردع دولية فى البحر الأحمر، ستشارك فيها 39 دولة بقوات بحرية كبيرة، من ضمنها 35 سفينة حربية وطائرات مسيّرة، وأعلنت أن 27 دولة قد وافقت حتى الآن على الانضمام لهذه القوة، والمعلن بشأنها أنها تشكلت لحماية قواعد القانون الدولى بشأن الممرات الملاحية الدولية، والتى تم انتهاكها ــ كما تعلن الولايات المتحدة وحلفاؤها ــ بواسطة الحوثيين.
• • •
التداعيات الحقيقية المتوقعة على حركة الملاحة الدولية جاءت من الشركات التى تعرضت سفنها للهجوم، حيث أعلنت شركتان منهما، ميرسك وهاباج لويد، وهما من أكبر الشركات الملاحية العالمية للنقل بسفن الحاويات فى العالم، عن تعليق إبحارات سفنهما المتجهة للبحر الأحمر وقناة السويس لحين إشعار آخر، بينما أعلنت شركة عالمية ثالثة عن تحويل إبحارات سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح كطريق بديل لقناة السويس.
والوضع لا يتعلق فقط بسفن الحاويات إذ تعبر قناة السويس قرابة 20% من أسطول سفن الحاويات العالمى، بل يتعلق أيضا بما هو أخطر وهى ناقلات النفط وناقلات الغاز الطبيعى، والتى تبحر من الخليج العربى فى طريقها إلى جنوب وغرب أوروبا وأمريكا الشمالية، وهى أيضا شديدة الحساسية تشغيليا لأى أزمات سياسية وعسكرية فى مناطق المضايق البحرية أو القنوات الملاحية حيث تعرضها تلك الصراعات العسكرية والحروب لمخاطر جسيمة.
من جهة أخرى يجب ملاحظة أن مثل تلك الأحداث سواء فى مضيق باب المندب، كفيلة بإحداث تأثيرات كارثية على حركة النقل والتجارة الدولية، فمناطق النزاعات العسكرية والحروب تعدها شركات التأمين العالمية مناطق حروب War Zone يمكن للملاحة البحرية فيها أن تعرّض السفن لخطر الضرب أو الاعتداء ومن ثم الإصابة الجسيمة الفادحة أو الغرق بما تحمل من بضائع أو أفراد الطاقم، ومن ثم تزيد أقساط التأمين بنسب عالية على السفن والبضائع المتجهة أو المبحرة فى تلك المنطقة، فتجد أنه من الأوفر والأسلم لها تحويل مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
والتداعيات الأخطر لكل ذلك، أن مثل تلك الأحداث الخطيرة تحفز الدول، كل حسب توجهاتها ومخططاتها ومصالحها، وتدفعها دفعا للبحث عن طرق ومشروعات بديلة لقناة السويس، ولا يغيب عن أذهاننا المشروع الذى بشر به الرئيس الأمريكى منذ عدة شهور، ووقف نتنياهو يحمل خريطته على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليزعم بأن ممر الهند / الخليج العربى / إسرائيل سوف يغير خريطة الشرق الأوسط تغييرا جذريا.
• • •
الواقع أن التصعيد فى باب المندب لا يحمل فى طياته سوى الضرر الجسيم والمخاطر على مختلف الأصعدة، وليس تأجيج التوتر وعسكرة تلك المنطقة الجغرافية الحساسة تحت مختلف الحجج والذرائع إلا حلقة من حلقات الصراع الدولى المتناحر وصراع المصالح التى ستفعل كل شىء وأى شىء لتحقيق أهدافها.
أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات