النائب والمشير - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

النائب والمشير

نشر فى : الخميس 23 فبراير 2012 - 8:30 ص | آخر تحديث : الخميس 23 فبراير 2012 - 8:30 ص

لم أصدق ما نُقِلَ إلى من كلمات بدرت بحق رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة من النائب زياد العليمى فى مؤتمر جماهيرى عقد يوم الجمعة الماضى بمدينة بورسعيد، واعتبرت ذلك دون تردد محاولة مكشوفة لتشويه صورة النائب الشاب الذى جمع بين دوره البارز فى قيادة ثورة يناير ونجاحه فى الوصول إلى مجلس الشعب. لكننى فوجئت على غير توقع بتسجيل كامل بالصوت والصورة أذاعه برنامج «العاشرة مساء» يؤكد ما سمعته قبلا، ومع ذلك فإننى ظللت مترددا فى تصديق ما سمعته وشاهدته، ربما لما هو معروف عن عمليات مونتاج دقيقة تجرى على مثل هذه التسجيلات، فطلبت من ابنتى وابنى ومن أثق فيهم ممن يعملون معى أن يأتونى بنص حرفى لما تم تناقله عبر شبكة الإنترنت، فجاءت النتيجة واحدة، وفيما بعد تبددت شكوكى بالكامل بعد أن رأيت النائب فى حواراته مسلما بما وقع.


بدأ زياد كلماته فى المؤتمر فى هذا المقطع الذى أثار الجدل بداية تليق بثائر شاب، فأعرب عن قلقه من فكرة أننا نريد أن نفك الحصار عن بورسعيد «فبورسعيد هى مصر، وشعب بورسعيد هو شعب مصر»، وما يحدث فيها يحدث فى غيرها. ثم انتقل إلى أن هناك من يريد أن يقسم مصر، لكنه عندما بدأ فى تحديد المسئولية حكم سلفا بأن المجرم الذى يريد ذلك هو من خرج الثوار فى 25 يناير الماضى ينادون بسقوطه، ثم انتقل من التلميح إلى التصريح بأن من يقسم مصر هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأن ما يحدث فى بورسعيد وغيرها يضيف كل يوم جرائم جديدة للمجلس لن تمر دون عقاب، ومن ثم لا يمكن الحديث عن خروج آمن للمجلس، ثم واصل قوله بأن المجرم الذى قتل الناس فى الاستاد هو نفس المجرم الذى قال بعد الجريمة: «أنا مش فاهم المصريين ساكتين ليه»، ملمحا إلى تصريح غير موفق للمشير يوم الأحداث، ووصل زياد أخيرا إلى ذروة فكرته بقوله: «مش هنقعد كل مرة نسيب الحمار ونمسك فى البردعة. إحنا عارفين إن المجرم هو الحمار». فى تلك اللحظة كانت هناك هتافات تطالب بإعدام المشير، وسؤال لزياد عن «الحمار»، فرد زياد: «الحمار المشير طنطاوى».

 

•••

 

تعمدت أن أعرض لما قاله زياد فى ذلك المقطع على نحو شبه تفصيلى حتى يعود القارئ إلى أجواء الحدث، وبالنسبة للمجلس العسكرى ومسئوليته عن كل ما حل بمصر من جرائم بعد الثورة قلت أكثر من مرة إن المسئولية السياسية مؤكدة بحكم أنه يدير شئون البلاد، أما المسئولية الجنائية فهى دون الدخول فى تفصيلات ذكرت عديدا من المرات تحتاج إلى شواهد لإثباتها، وهى غير متاحة باستثناء أحداث ماسبيرو والمواجهات مع المعتصمين والمتظاهرين فى ميدان التحرير التى شاركت فيها الشرطة العسكرية، والأجدى من السباب أن نركز على هذه المسئولية، ونطالب بالانتهاء من التحقيق فيها والقصاص من مرتكبيها، أما أن نلقى بالمسئولية الجنائية المباشرة عن كل ما وقع ويقع من مصائب على كاهل المجلس العسكرى فهو تفكير غير علمى يحصر أسباب الظاهرة فى متغير واحد، وهذا مستحيل على الأقل فى ظل وجود فلول النظام السابق وأدوار خارجية معروفة للكافة، ومثل هذا التفكير يحرفنا دون شك بعيدا عن الأسباب الأخرى المهمة لما حل وما زال يحل مصر.

 

ثم نصل إلى الجانب الأخلاقى فى الموضوع: هل كان زياد حقا بحاجة إلى القول بأن الحمار هو المشير كى يوصل فكرته؟ أم أن الحماس والزهو الثوريين وما أصبح مألوفا من التهجم على المجلس العسكرى بسبب أو بدون سبب أمور دفعته إلى أن يفعل ما فعل؟ غير أن خطورة ما قاله زياد لا تتعلق أساسا بما ذُكِرَ فى حق المشير وإنما بمستقبل الثورة، ولقد أشرت غير مرة إلى أن قطاعا ممن ينسبون أنفسهم إلى الثوار قد بلغ فى شعاراته حدا لا يصدق من البذاءة، وقلت إن من لا يصدق هذا عليه أن يقوم بجولة خاطفة على جدران مبانى التحرير بما فيها المتحف المصرى والجامعة العربية، وأن يعبر نفق التحرير لكى تصيبه الصدمة من هول ما هو مكتوب، وللأسف فإن هؤلاء المنتسبين زورا إلى الثورة يؤسسون سوابق خطيرة لأخلاقياتها، وينذرون لو أصبحت لهم يوما كلمة فى توجيه مسارها بأوخم العواقب بالنسبة لمستقبل الثورة. ومع الفارق النوعى بين اللفظ الذى استخدمه زياد وبين الشعارات الحقيرة المكتوبة على الجدران فإن تلك العناصر يمكن أن تجد فيما فعله زياد ما يشجعها على المزيد.

 

 غير أن المسألة ليست أخلاقية فقط وإنما هى سياسية أيضا، ويفترض أن زياد ــ باعتباره من القلائل الذين جمعوا بين القدرة على الحركة فى أوساط الجماهير وبين ترجمة هذه القدرة إلى وضع مؤسسى ــ مؤهل للصعود السياسى فى مصر الثورة، وشخص كهذا ينبغى عليه أن يتحلى بالقدرة على الحسابات السياسية السليمة بحيث لا تشكل تصرفاته عبئا سياسيا عليه، خاصة وأنه يعلم جيدا أنه ينتمى إلى المعارضة فى مجلس الشعب والتى يسعد الأغلبية كثيرا أن تقع فى خطأ يبرر الهجوم وتوقيع العقوبات عليها، وقد كان، وأثير الموضوع فى المجلس وتمت المطالبة بمحاسبة زياد، وكان الترصد واضحا له ولأمثاله، ومورس أسلوب الهياج بكل إمكاناته، وانتهى الأمر بمطالبته بالاعتذار، فقدم صيغة غير مباشرة لذلك تم رفضها والمطالبة باعتذار صريح، والحقيقة أن منطوق الاعتذار الذى قدمه كان يحمل بوضوح معنى أنه لا يرى خطأ فيما فعل، ومع ذلك فهو يأسف لما وقع إذا كان البعض قد أساء فهم ما قيل (ولم يكن ما قيل بحاجة إلى إساءة فهم)، وترتب على رفض الصيغة قرار بتحويل زياد إلى هيئة مكتب المجلس لبحث القضية.

 

قال زياد إنه استخدم مثلا شعبيا، وإنه آسف أن يفهم حديثه خطأ على أساس أنه مساس بشخص(!)، «فلم نعتد على سب أحد»، فعن أى اعتذار نتحدث؟ وفى اليوم التالى قدم زياد فى المجلس صيغة أكثر وضوحا للاعتذار قيل إن بعض زملائه من الأعضاء قد ساعده فى وضعها: «لا أجد حرجا فى الاعتذار عن أى شىء يكون بعض الزملاء أو بعض المصريين قد فهم أنه إساءة، وهذا أقصى شىء يقبله ضميرى». وعلى الرغم من أن هذه الصيغة كانت غير مباشرة أيضا إلا أنها أفضل مما سبقتها، وكان ممكنا لو سادت روح التسامح أن يتم التوصل انطلاقا منها إلى حل ما، لكن الاعتبارات السياسية التى أخطأ زياد فى تقديرها دفعت إلى الإصرار على مواصلة الرفض، وتم تأكيد قرار تحويله إلى هيئة مكتب المجلس.

 

لم أتطرق هنا إلى البعد القانونى فى المسألة، والذى أثاره النائب الصديق سعد عبود بخصوص أن العضو لا يُحاسب عما يقوله خارج المجلس، فلهذا الموضوع رجاله الذين يستطيعون الإفتاء فيه، لكننى أتحدث عن المساءلة السياسية، وظنى أن تصرفا كهذا لو وقع بحق النائب المحترم خارج المجلس لأقام الدنيا ولم يقعدها.

 

•••

 

والآن يواجه زياد مغبة ما فعل، وسوف يحرص خصومه على إنزال أشد عقوبة ممكنة به، وإننى لأناشد هيئة مكتب المجلس أن تحاول قدر الطاقة الحفاظ على وحدته، وعلى المستقبل السياسى للنائب الشاب بغض النظر عما بدر منه من تصرف، فنحن اليوم أشد ما نكون حاجة إلى هذه الوحدة وإلى قادة الثورة من الشباب حتى وإن بدرت منهم أخطاء، وليكتف مكتب المجلس بإصدار بيان يعلن فيه رفض ما وقع من إساءة وحرص المجلس فى الوقت نفسه على وحدة أعضائه وعلى ممارسة الشباب منهم دورهم فى صنع مستقبل مصر، وأنه لذلك يمنح فرصة للنائب المخطئ للاستمرار فى هذا الدور، وعليه أيضا أن يرسل إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة رسالة ترضية تحمل معنى الاعتزاز بدوره الوطنى، ورفض ما بدر من إساءة بحق رئيسه، وأن القوات المسلحة المصرية كانت وستبقى درة هذا الوطن العظيم، وعلى المجلس العسكرى أن يرتفع فوق مستوى الإساءة، ويثبت أنه أكبر من ذلك بكثير، ويترك الحكم والقضية كلها للشعب، وليعلم رجاله أن غالبية المصريين لا ترفض هذا السلوك فحسب وإنما تجرمه. بغير هذه الروح التوافقية سوف يبقى هذا الوطن فى إسار الحلقة المفرغة من القضايا التى تعصف دون لزوم بوحدته، ويستبد بنا القلق حول مستقبل الثورة، ونتحسب لإعصار الفوضى الذى يمكن أن ينجم عن كافة التصرفات غير المسئولة.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية