ضرب الحبيب - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضرب الحبيب

نشر فى : السبت 25 ديسمبر 2010 - 9:57 ص | آخر تحديث : السبت 25 ديسمبر 2010 - 9:57 ص

 الرقة التى تتعامل بها السلطة الفلسطينية مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية تثير الدهشة، وتحتاج إلى تفسير، خصوصا أنها لا تقارن بالغلظة والشدة اللتين تتعامل بهما السلطة مع المخالفين الفلسطينيين. ما دعانى إلى إبداء هذه الملاحظة أننى قرأت فى صحف الأحد 19 ديسمبر تصريحا لرئيس البعثة الفلسطينية لدى الأمم المتحدة قال فيه إن المشروع العربى بخصوص النشاط الاستيطانى الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة، سيتم تأجيل عرضه على مجلس الأمن لتجنب «إحراج» الولايات المتحدة.

لم أصدق عينىَّ حين وقعت على الخبر فى صحيفة «الشرق الأوسط» صبيحة ذلك اليوم. إذ تصورت لأول وهلة أن السلطة الفلسطينية مشغولة بتعبئة الرأى العام الدولى ضد الاستيطان بأكثر من انشغالها بمجاملة الإدارة الأمريكية وتجنيبها الحرج الذى سوف تستشعره حين تجد نفسها مستخدمة «الفيتو» لرفض القرار، رغم ان الرئيس أوباما تبنى الدعوة إلى وقف الاستيطان فى بداية توليه السلطة، وهو يعلم جيدا أنه يعد جريمة تنتهك القوانين والأعراف الدولية. وفى ذلك لم يكن يسدى معروفا للفلسطينيين، بقدر ما كان يحاول فى بداية ولايته أن يمسح بعض العار الذى يجلل الوجه الأمريكى، ويضفى على سياستها مسحة أخلاقية تفتقدها.

لم يكن الكلام منصبا على الاحتلال الذى هو أصل الداء، ولكنه كان منصبا على فرع عنه، ثم إن ذلك الوعد تراجع عنه الرئيس أوباما بصورة تدريجية، إلى جانب أن وثائق ويكيليكس الأخيرة كشفت النقاب عن أن الرئيس الأمريكى لم يكن جادا فيه، باعتبار أن تجميد الاستيطان لم يكن يعنى بالضرورة ايقافه، ولكنه يتسع لاستمرار العمل فى المشروعات الجارى تنفيذها، وتأجيل المشروعات الجديدة، لفترة محدودة قيل إنها 90 يوما.

باختصار فإن الموقف الأمريكى كان متلاعبا ومخادعا للفلسطينيين والعرب، فى الوقت الذى كان مستمرا فى استدراج الفلسطينيين إلى مفاوضات غير مباشرة وأخرى مباشرة، حين فشلتا فإن خزانة الاحتيال السياسى أفرزت «نمرة» جديدة اطلقوا عليها اسم المفاوضات الموازية. وهو ما أعطى انطباعا قويا بأن القضية أصبحت لغوية فى نهاية المطاف. وإن المراد هو اشغال الفلسطينيين بالثرثرة حول الطاولات، فى حين تستمر إسرائيل فى تغيير الواقع على الأرض.

طول الوقت كان الموقف الأمريكى متسما بالاحتيال والتواطؤ مع الإسرائيليين والتستر على ممارساتهم وتمكينهم من إجهاض الحلم الفلسطينى وتصفية القضية. وطول الوقت كانت القيادة الفلسطينية تتلقى الصفعات والصدمات والإهانات، حتى فقدت ثقة الجماهير فى داخل فلسطين وخارجها، ونعتت بأوصاف لا تشرفها كثيرا. مع ذلك، فحين تهيأت الظروف لتقديم قرار من مجلس الأمن لإدانة الاستيطان، الذى لا تستطيع دولة عضو فى الأمم المتحدة ان تؤيده، فإن القيادة الفلسطينية رق قلبها وغضت الطرف عن مسلسل الإهانات والإذلال الذى تتعرض له طوال نحو عشرين عاما، منذ استدرجت إلى عملية السلام، ودعت إلى تأجيل المشروع العربى الخاص بالمستوطنات، مجاملة للولايات المتحدة الأمريكية.

ثمة سابقة مماثلة لجأت إليها الرئاسة الفلسطينية فى عام 2009، حين عرض تقرير القاضى الدولى جولدستون، الذى فضح وأدان الممارسات الإسرائيلية أثناء العدوان على غزة. إذ عندما عرض التقرير على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى جينيف، فإن الرئيس الفلسطينى آثر أيضا ألا يحرج الإسرائيليين، وطلب من مندوب السلطة لدى المجلس تأجيل بحث الموضوع، الأمر الذى كان بداية لتمييع الملف ونسيانه بمضى الوقت. وبدا واضحا آنذاك أن رئاسة السلطة كانت مشغولة بتطييب خاطر الإسرائيليين ورفع الحرج عنهم، بأكثر من انشغالها بعذابات الفلسطينيين فى غزة والجرائم الوحشية التى ارتكبت فى حقهم.

حين يقرأ المرء أخبار التعذيب الذى يتعرض له المئات من الفلسطينيين الذين يحتجزهم جهاز الأمن الوقائى فى رام الله، فإنه لا يستطيع أن يقاوم السؤال عن سر ذلك الاستئساد على الفلسطينيين فى الوقت الذى تمارس السلطة فيه مختلف صور الحنو والدعة مع الأمريكيين والإسرائيليين. وهى مفارقة تثير الحيرة والبلبلة بما يجعل المرء يتساءل: هى مع مَنْ وضد مَنْ؟

فى العامية المصرية مثل يقول ان ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب. وعلماء النفس يصفون تعلق الضحية بأهداب الجانى بأنه «ماسوشية»، ويعتبرونه نوعا من الخلل فى الشخصية يجعل الإنسان يتعاطف مع جلاده ويستعذب إهانته له. ولا أعرف ماذا كان أيهما يصلح لتفسير سلوك القيادة الفلسطينية، وذلك سبب إضافى للحيرة.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.