مصر.. وسيناريوهات مستقبل الاقتصاد العالمي - أيمن زين الدين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر.. وسيناريوهات مستقبل الاقتصاد العالمي

نشر فى : الأحد 26 فبراير 2023 - 8:55 م | آخر تحديث : الأحد 26 فبراير 2023 - 8:55 م

أُعلِن يوم 6 فبراير الحالى، أن رئيس مجلس الوزراء كلف مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار بتنفيذ مشروع بحثى لمواجهة التحديات الاقتصادية الحالية، بمشاركة عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين المرموقين لجذب أكبر قدر من الأفكار والآراء والمشاركة المجتمعية. يهدف المشروع إلى صياغة السيناريوهات وبدائل السياسات للتعامل مع الوضع الاقتصادى العالمى خلال عامى 2023 و2024، والحد من المخاطر التى يسببها، وتعزيز القدرة على مواجهتها، وتحويلها إلى فرص تعزز من قدرة الاقتصاد المصرى.

الخطوة بالتأكيد تستحق التحية، لأنها تعكس اعترافا بأن التعامل مع التحديات الاقتصادية التى تواجهها مصر يتطلب جهدا فكريا ضخما ومكثفا، وليس مجرد العمل التنفيذى الإدارى؛ ولأنها تعبر عن إدراك لضرورة النظر إلى التحديات فى إطار ما يشهده الاقتصاد العالمى من تحولات، والبحث عما قد يكون فيها من فرص، بدلا من الاكتفاء بالحديث عن مسئوليتها عما يعانيه اقتصادنا.

هذا المشروع البحثى لن يكفيه تحليل انعكاسات «الأزمة» التى يعانيها الاقتصاد العالمى، والتى تشابه التقلبات والصدمات الدورية المعتادة، وإنما سيكون مطالبا أيضا، بل وبقدر أكبر، بدراسة «إعادة الهيكلة» الاستثنائية الكبرى التى يشهدها النظام الاقتصادى الدولى وتأثيراتها على مصر، والتى من شأنها تغيير قواعد عمله، ومواقع مختلف الفاعلين فيه.
• • •

أما ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية التى يمر بها العالم، فالواضح أن قواه الرئيسية ستركز حتى عام 2024 على استكمال جهود السيطرة على التضخم التى بدأت عام 2022 من خلال رفع سعر الفائدة أساسا، مع محاولة تفادى أن تؤدى إلى تباطؤ النمو أو ارتفاع البطالة. ورغم المخاوف التى سادت على مدى عام 2022 من حدوث تراجع اقتصادى كبير نتيجة هذه السياسات، خاصة لتزامنها مع ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية بسبب التوترات الاستراتيجية، واختناقات توريد المدخلات الصناعية التى صاحبت وباء كورونا، فقد بدأ عام 2023 ومؤشرات التضخم والنمو والبطالة فى الدول المتقدمة، عدا الصين، تسير فى الاتجاه الصحيح، فى شهادة نجاح لهذه السياسات. مع ذلك، فالأرجح أن تظل مستويات الفائدة العالمية مرتفعة لنحو 12 إلى 18 شهرا، وأن يؤدى ذلك إلى معدلات نمو منخفضة، وإلى بحث رءوس الأموال عن مقاصد آمنة.

وربما يكون أهم تداعيات ذلك على مصر هو صعوبة الاقتراض، وارتفاع تكلفته، مع محدودية ما يمكن تحقيقه من زيادة فى الاستثمار والتصدير والسياحة فى ضوء تراجع معدلات النمو العالمى. ورغم أن الاقتصاد المصرى كان حتى وقت قريب أقل تأثرا بتقلبات الاقتصاد العالمى، كما ظهر من محدودية انعكاسات الأزمة المالية العاتية التى بدأت عام 2007، فإن زيادة الاعتماد على الاقتراض الخارجى فى السنوات الأخيرة جعل أوضاع سوق المال والسياسات النقدية العالمية تؤثر بقوة على أداء الاقتصاد المصرى.
• • •

هنا تأتى أهمية المستوى الثانى للبحث، وهو المتعلق بالتحولات الهيكلية التى يشهدها النظام الاقتصادى الدولى، وما يمكن أن تتيحه من فرص لمصر، ليس فقط من مواجهة تحديات الأزمة الحالية، وإنما أيضا من الانتقال بمشروعها التنموى إلى مرحلة أكثر حيوية وفاعلية، تعوض ما فاتها من فرص كبرى.

فالاقتصاد العالمى يمر اليوم بتحولات كبرى، تشابه تلك التى استغرقت ثمانينيات القرن العشرين وكان نتيجتها النظام الذى سمى بالعولمة، وسماته الرئيسية النمو المتواصل والسريع اعتمادا على التوسع الكبير فى حركة التجارة والاستثمار عبر الحدود، وعلى الصعود الكبير للصين واندماجها فى الاقتصاد العالمى، وغلبة الحسابات الاقتصادية على الاعتبارات السياسية فى العلاقات الاقتصادية الدولية.

إلا أن أسس هذا النظام بدأت تهتز مع تراجع العوامل الدافعة نحو العولمة، وتصاعد أسباب الانقسام والتفكيك لما نشأ عنها من روابط، الأمر الذى تناولناه فى مقال سابق («تحولات النظام العالمى.. وفرصة مصر للانطلاق الاقتصادى»)، وخلصنا فيه إلى أن النظام الاقتصادى الدولى البازغ سيقوم على روابط اقتصادية تضع الحسابات الاقتصادية فى إطار اعتبارات التقارب السياسى والقرب الجغرافى وأن تدفقات التجارة والاستثمار ــ لا سيما ما يستجد منها ــ سترسمها خطوط التحالفات السياسية والاستراتيجية والأيديولوجية، على نحو يقارب ما شهدته حقبة الحرب الباردة.

يتواكب مع هذا المسار العريض للتحول محور ليس جديدا بالكامل، وهو الارتفاع المتزايد لمعدلات العمر فى الدول المتقدمة، وبالتالى نقص القوى العاملة وارتفاع تكلفتها. وهذا الأمر يضاعف الضغوط نحو تعميق نمط تقسيم العمل الدولى الذى شهدته حقبة العولمة، وهو تخصص هذه الدول على الأنشطة عالية القيمة المضافة، مثل الابتكار والتصميم والإدارة والتمويل والتسويق والخدمات المتقدمة، مقابل نقل الأنشطة الصناعية والخدمات الأبسط إلى الدول الأقل نموا التى تملك الموارد البشرية المؤهلة والأقل تكلفة، مع التركيز على الدول الأقرب سياسيا وجغرافيا كما أوضحنا فيما سبق.

يرتبط بذلك تحول بالغ الأهمية، وهو التغير فى مكانة الصين فى الاقتصاد العالمى سواء نتيجة لارتقائها سلم التنمية بصورة تجعلها تحمل المزيد من ملامح الاقتصادات المتقدمة، وتراجع ما بها من خصائص الدولة النامية لا سيما رخص العمالة، أو بسبب الواقع السياسى الدولى وتحول الدول الغربية من معاملة الصين باعتبارها «مصنع العالم« كما أُطلِق عليها، إلى العمل على الحد من الروابط الاقتصادية معها، وتقليل الاعتماد الاقتصادى عليها. من شأن هذا تحجيم وضعها كمقصد للاستثمارات ومصدر للمنتجات الاستهلاكية، وفتح الباب لغيرها من الدول النامية الطامحة لاقتطاع جزء من هذا الدور. يترافق ذلك مع تحول الصين إلى مصدر للاستثمارات، إلى الدول المتقدمة والنامية معا، بشروط ومتطلبات تثير بعض الآمال وبعض الجدل فى هذه المرحلة المبكرة.

يضاف إلى ما سبق تحول جوهرى آخذ فى التسارع، وهو الانتقال نحو الطاقة النظيفة، سواء للحد من تغير المناخ، أو لأسباب تتعلق بالصراع الدولى البازغ، وبوجه خاص مع روسيا التى تعتمد على تصدير الوقود الكربونى، وتعتمد أوروبا على وارداتها منه. هذا التحول سيكون له تأثير كبير على منطقتنا حيث يهدد بتناقص عائدات تصدير البترول والغاز فى الأجل المتوسط والطويل، وبالتالى تناقص الوفورات المالية التى كان لها دور مهم فى تمويل اقتصادات المنطقة، حتى التى لم تكن من المنتجين الرئيسيين للطاقة. هذا سيستتبعه بالضرورة خلخلة التضاريس السياسية فى المنطقة فى غير صالح الدول التى تعتمد على تصدير البترول والغاز، الأمر الذى تتحسب له الدول البترولية بتوجيه قدر متزايد من عائداتها إلى الداخل بدلا من الخارج، والاستثمار فى تنويع قاعدتها الاقتصادية تحسبا لهذا المستقبل.
• • •

إذا كان الحال كذلك، فكيف يمكن لمصر تجنب الآثار السلبية لهذه التطورات، واقتناص ما بها من فرص؟

بداية، لا مناص من تكرار ما لا يوجد عليه اختلاف، وهو وجوب تبنى برنامج إصلاح اقتصادى شامل يتخطى برامج الإصلاح المالى والنقدى التى جربنا نتائجها مرارا، أو بالأحرى مشروع تنموى، يبنى قدرات مصر الإنتاجية، خاصة الصناعة والخدمات الإنتاجية، وتوفير متطلبات ذلك من قوى عاملة، وإدارة حكومية وإطار قانونى ومؤسسى ونظام عدالة يتسمون بالكفاءة والفاعلية والعدالة، وجو تنافسى صحى، ومناخ سياسى مطمئن، بما يتعدى مجرد البعد الأمنى. بدون ما سبق، لا توجد وسيلة لتجنب الآثار السلبية لأى أزمات أو الاستفادة من أى تحولات يشهدها النظام الاقتصادى الدولى.

يتبع ذلك مراعاة أن الواقع الجديد ينشئ علاقة تنافسية لا تكاملية بين مصر ودول الخليج، يحد من قدرة مصر على الاعتماد على الإقليم فى مشروعها التنموى، الأمر الذى سيشمل حتى موضوع العمالة وتحويلاتها، التى علينا توقع أن تتجه إلى الثبات ثم التراجع خلال سنوات قليلة.

فى المقابل، فإن أمام مصر فرصا اقتصادية كبيرة من تدعيم علاقاتها بالاتحاد الأوروبى. فهو يملك القدرات الاقتصادية التى تحتاجها من رءوس أموال، وقدرات صناعية وتكنولوجية، وأسواق كبيرة وغنية، كما أن لديه مصلحة استراتيجية فى استقرار مصر وتنميتها تجنبا لما يمكن أن يترتب على تفاقم أوضاعها الاقتصادية من موجات من الهجرة الاقتصادية، ومن تهديدات أمنية مرتبطة بالتطرف والجريمة المنظمة؛ فضلا عن فوائد تحولها إلى امتداد اقتصادى لأوروبا يعوض ما تعانيه من اختلال ديموغرافى، ويوفر سوقا كبيراــ إذا ما انطلقت على طريق النموــ يكون رئة جديدة يتنفس منها الاقتصاد الأوروبى. هذا بجانب وجود قاعدة تاريخية قوية لهذه العلاقات، واتفاقيات تعاون شاملة وعميقة، وعلاقات اقتصادية هى الأكثر كثافة من بين شركاء مصر الخارجيين.
• • •

لا شك أن القائمين على هذا المشروع البحثى سيضعون أيديهم على المزيد من ملامح الاقتصاد العالمى فى العامين المقبلين، وفى وصف سبل التعامل معها، وهذا بالضبط ما تحتاجه مصر فى هذه اللحظة الحرجة؛ تضافر كل الأفكار، وتجمع كل الآراء، وشحذ كل الطاقات لتتخطاها بسلام، بل وللخروج منها أقوى اقتصاديا وأكثر صلابة ومنعة فى مواجهة المصاعب والتحديات.

قانونى ودبلوماسى سابق

أيمن زين الدين قانوني وسفير سابق
التعليقات