لا لثقافة الكراهية - جورج إسحق - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 9:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا لثقافة الكراهية

نشر فى : الأربعاء 27 مارس 2019 - 2:15 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 مارس 2019 - 2:15 ص

إن أحداث القتل المريعة والمؤثمة فى حدثين كبيرين فى مسجد نيوزيلندا ومسجد الروضة بالعريش ظاهرة خطيرة يجب معالجتها بالفكر قبل السلاح، لأن ثقافة الكراهية تبدأ فكرا. والسبب فى هذه الأحداث هو ظاهرة الكراهية والعداء بين الإنسان وأخيه الإنسان، لذلك يجب أن نسعى لإرساء ثقافة الحوار والتسامح وحقوق الإنسان بدلا من ثقافة الكراهية واستعداء الناس على بعضهم البعض.

هذه الثقافة قادرة على تشكيل الخطر الداهم على من يختلف معنا فى اللون أو المعتقد أو الجنس وعدم الاعتراف بهذا الخلاف ورفض المختلف وكراهيته إلى أن يصل الرفض للآخر إلى حد القتل، فثقافة الكراهية تلغى الآخر وتصر على أنها الأحق وأن المختلف هو عدو يجب التخلص منه والقضاء عليه. ولكن فى نفس الوقت ينتابنى شعور حقيقى أن هذه الكراهية سيكون مصيرها الزوال بالجهد الذى يبذل فى مقاومة ثقافة الكراهية وإحلال ثقافة المحبة التى سوف تسود فى هذا العالم المضطرب، فثقافة الكراهية تزرع فى العقل بأدوات مختلفة عن طريق زرع المعلومات الخاطئة والتطرف فى المنابر المختلفة وكذلك على صفحات التواصل الاجتماعى التى تسمح لكل المتطرفين وغلاة التعصب والعاملين على كراهية الآخر. كل هذه العوامل تؤثر على عقل البشر وخاصة صغيرى السن الذين يستطيع أى متطرف أن يؤثر فى عقولهم بشكل فعال وسريع، ولذلك يجب أن يشارك كل المتخصصين فى كيفية استعادة تأسيس العلاقة بين المختلفين وأن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة وكل إنسان له أن يعتقد ما يريد وخاصة أن دستور مصر 2014 فى المادة (64) تقول (إن حرية الاعتقاد مطلقة)، فخطابات الكراهية موجودة على منابر أماكن العبادة لكل الأطراف ويحض فى بعض الأحيان على القطيعة من خلال الكلمات الحادة والنابية ويصل بهم الأمر إلى درجة استباحة القتل من خلال الخوض فى معتقدات الآخر وتسفيه ما يعتقد وتكفير الناس بمقولات أو أفكار مستنبطة وليست حقيقية.

إن الوقوف ضد هذه المفردات التى تدعو إلى ثقافة الكراهية يجب أن يتصدى لها العلماء وحذفها من قاموس الدعوة لمساعدة الآخر المختلف، فالكلمة الطيبة صدقة وإن الله محبة وإن المحبة لا تسقط أبدا. هذه أدبيات راقية يجب رفعها فى زمن هذه المحنة التى يدور فيها العالم كله. وللقضاء على ثقافة الكراهية، يجب إعادة الاعتبار للآخر وقبوله وعدم إطلاق الاتهامات بدون دليل وحفظ حقه فى التعبير عن رأيه ومشاعره. فالاختلاف فى الرأى رحمة لكل البشر مهما كان هذا الاختلاف وليس من حق أحد العدوان عليه، وعلى المهتمين تقليل الفجوة بين المختلفين وأن تكون العدالة هى المعيار الذى يحتكم إليه الناس.

فأساس القضية هو غلق المجال العام وكبت الحريات وعدم السماح بالرأى الآخر مما يؤدى إلى ظهور الكراهية وإقصاء الناس وعدم سماع المختلفين.

وبدلا من فتح المجال العام والاستماع إلى الآراء الأخرى نرى أنه يسمح بثقافة النفاق والتآمر وتراكم عدم التعامل مع المختلفين يراكم الاحتقان ويؤدى إلى الانفجار، وتنامى فكرة الانتقام المدمر وعدم الشعور بالأمان والخوف طوال الوقت يصيب الإنسان بالتوجس والترقب ويوصله إلى حالة من الكراهية ثم الانتقام وهذا يدفع ضريبته الوطن والمجتمع. والحل هو العمل على استئصال ثقافة الكراهية وإرساء معالم الحرية والمواطنة بين جميع أبناء الوطن سيؤدى فى نهاية الأمر إلى إشاعة ثقافة الحب والترابط بين أبناء المجتمع.

فالتحليل الفكرى من خلال التواصل الاجتماعى يجد أن معظم من قام بالعمليات الإرهابية لديهم دوافع انتقامية من المجتمع ويحاولون البحث عن دور «أيا كان». والإحساس بالدونية وتأثير الكراهية والانتقام ينتشر بين الشباب الصغير فى سن المراهقة مما يسهل التأثير عليهم واستغلال مشاعرهم وتحريضهم على الفعل الذى يصل إلى حد القتل، وهذه الموجه من الكراهية ظهرت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

هل الحل فى التمعن فى الوثيقة العالمية للأخوة الإنسانية التى أعلنت قبل بضعة أسابيع من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان لترد على خطاب الكراهية المتبادل بين أصحاب الديانات المختلفة؟ نحن نريد مزيدا من الاهتمام بهذه الوثيقة، وهل سوف تؤدى إلى تقليص حجم الكراهية السائد فى العالم الآن. أو كما هى العادة تصدر الوثائق وتصدر التوصيات ثم تذهب مع الريح ولا نرى لها أى انعكاس على حياتنا. يجب تفعيل هذه الوثيقة التى تسعى لنشر ثقافة السلام والعدالة واحترام الغير بدلا من ثقافة الكراهية والعنف والدماء.

ومن أهم ما جاء فى الوثيقة التى نسعى إلى تفعيلها وتحقيقها هو التأكيد على فكرة المواطنة التى يدعو إليها دستور 2014. هكذا نريد أن نغير من ثقافة الكراهية إلى ثقافة أخرى تتماشى مع روح العصر، لنعيش فى أمان فى عالم مضطرب تعانى فيه كل شعوب الأرض من ثقافة الكراهية. وأعتقد أن من الشواهد الإيجابية فى حادثة نيوزيلاندا هو تعاطف كل المواطنين النيوزيلنديين مع هذا الحدث الكريه وكذلك فى كل عواصم العالم، ونبذ كل العنصريين والداعين إلى الكراهية ورفضهم بلا استثناء. هكذا نتمنى أن تتلاشى ثقافة الكراهية التى تسود العالم كله لأن ثقافة المحبة لا تسقط أبدا.

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات