التافهون الجدد فى عالم السياسة - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:32 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التافهون الجدد فى عالم السياسة

نشر فى : الثلاثاء 28 يناير 2020 - 8:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يناير 2020 - 8:15 م
من يتابع المشهد السياسى فى الشهور الأخيرة سوف يدرك ــ من دون جهد ــ أن عدد الظواهر والشخصيات التافهة، قد زاد بنسبة كبيرة.
لن أتحدث عن أسماء، فلست منشغلا بها، ولكن يهمنى رصد الظاهرة، فربما نستطيع إيجاد حلول لها.
حينما يتحدث شخص فى السياسة، وهو لا يعرف حرفيا «الألف من كوز الدرة»، ويتمكن من الاستحواذ على ملايين المشاهدين، فالمؤكد أن هناك انقلابا فى المفاهيم التقليدية المتعارف عليها. وحينما يراهن البعض على مثل هذا النموذج، ثم ينتظرون فيديوهاته وتعليماته وتنظيراته وآراءه، فالمؤكد أن هناك شيئا كارثيا.
وحينما تكون لغة الخطاب السياسى السائدة والموجهة من بعض الناشطين للجمهور، مقتصرة تقريبا على شتائم بذيئة وبصورة ممنهجة، فالمؤكد أن هناك مصيبة كبرى لا نريد أن نقر بها.
فى السطور التالية لا اتحدث عن الخلافات السياسية الطبيعية بين القوى والاحزاب المحتلفة، حتى لو كانت غير شرعية، ولا أتحدث عن الأكاذيب والأخبار المفبركة والمضروبة و«نص اللبة»، ولكن اتحدث عن الشخصيات الغريبة والكاريكاتورية التى حولت علم وعالم السياسة إلى مسخ كبير فى الشهور الاخيرة!!
القاعدة الأساسية أنه حينما يكون من يفتون فى عالم السياسة مثل النماذج السابقة، فالخطورة الحقيقية هى أن من يستمعون وينصتون إليهم ويشاهدون فيديوهاتهم، سوف يتحولون إلى نسخ مشوهة منهم!!
المنطقى أن مثل هذه النماذج التافهة تكون سريعة الاشتعال والتوهج، لكنها أيضا سريعة الاحتراق والتلاشى.
هل نظلم هذه الشخصيات حينما نصفها بأنها تافهة؟!
الاجابة هى لا، وكلمة تافهة هنا ليست سبا ولا قذفا، بل توصيف حالة موجودة بالفعل.
بعض هذه الشخصيات التى قررت التصدى لعالم السياسة والافتاء فيه تتباهى فى مرات كثيرة بأنها ليست سياسية ولم تعمل بالسياسة.
وللموضوعية فإن هذه الظاهرة ليست قاصرة على بعض المعارضين للحكومة، ولكنها متفشية فى مناحٍ كثيرة من حياتنا. وشاهدنا بعضا ممن دخلوا عالم السياسة «على كبر»، لم يسبق لهم الاشتراك فى حزب او نقابة أو حتى جمعية أهلية او حتى «جمعية تعاونية». هم دخلوا الحزب كوظيفة أو لتمشية وتسليك الأمور أو أحيانا من أجل «الوجاهة والنفوذ والابهة»!!
بعض هؤلاء حينما يتحدثون فى قضايا عامة، نتذكر شخصية «منصور ابن الناظر»، التى أداها ببراعة الفنان المبدع الراحل يونس شلبى فى مسرحية «مدرسة المشاغبين»، أى الشخص الذى يتهته فى كل شىء وغير ملم بأى شىء، ولا يستطيع إكمال جملة أو فكرة سليمة، ولذلك نستمع إلى كوميديا سوداء تخرج من أفواههم!!
هل يعقل أن تختفى الأحزاب والقوى السياسية المصرية وكبار كوادرها، وتبقى مثل الشخصيات التافهة على الساحة لتدعو الجماهير إلى الثورة اليوم أو غدا؟!
هل يعقل أن يستمر ملايين المصريين فى مشاهدة أراجوزات، وهم يضجون ويفتون بغير علم أو خبرة فى عالم السياسة، ثم يراهن بعضهم على أن حل مشاكل الأمة والوطن سيكون على يد هذه النوعيات؟!
ما هذه الضحالة التى تجعل مثل هذه النوعيات تتصدر المشهد السياسى، وتجعلهم يعتقدون أنهم صاروا قادة رأى ومحركين للجماهير؟
سمعت أحد هؤلاء يقول انه لم يكن مهتما بالسياسة حتى شهور قليلة مضت، هو قال ذلك، معتقدا أن تلك ميزة ايجابية لصالحه. والأسوأ ان بعض من استمع إليه وشاهده وتأثر به رأى نفس الرؤية وكان يصفه بأنه ليس سياسيا. والأكثر غرابة ان هناك من حاولوا تنفيذ بعض ما سمعوه على أرض الواقع!
سيقول قائل: هل من العدل والموضوعية والأمانة ان تتهم هذه النماذج بالتفاهة، وتنسى الظروف والأسباب والبيئة التى أدت إلى نشوء هذه الظواهر التافهة أصلا، وهل كان هناك مناخ مختلف، كى تظهر القوى والاحزاب والكوادر السياسية؟!
السؤال موضوعى جدا، وإجابتى عليه انه لولا غياب السياسة الحقيقية، ما ظهرت مثل هذه الطحالب فى المياه السياسية الآسنة. وهذا موضوع يحتاج إلى نقاش مفصل إن شاء الله.
عماد الدين حسين  كاتب صحفي