التحالف الأبدى - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأحد 5 مايو 2024 11:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التحالف الأبدى

نشر فى : الخميس 28 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 28 مارس 2013 - 8:00 ص

قام الرئيس الأمريكى باراك أوباما بزيارة لإسرائيل والضفة الغربية والأردن هى الأولى من نوعها منذ وصل إلى سدة الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2008. وقد ثار الحديث قبل الزيارة عن خطط جديدة لدفع التسوية يحملها باراك أوباما، وقد شجع على الاعتقاد بصحة هذا الحديث أن الرجل الآن فى مدة ولايته الثانية، أى لم يعد يطمع فى تأييد مطلق من يهود أمريكا يحمله إلى مقعد الرئاسة أو يحافظ له عليه لمدة ثانية، كما شجع عليه أيضا ما كنا نتابعه بين حين وآخر من توتر بين الرئيس الأمريكى ورئيس الوزراء الإسرائيلى بشأن الملف النووى الإيرانى ومن موقف معارض من قبل الرئيس أوباما للتوسع السرطانى فى عمليات الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، واعتبار هذا الاستيطان عقبة فى سبيل السلام. لكن الذين داعبهم الأمل فى صحة هذا الحديث نسوا عقودا طويلة من العلاقات الأمريكية ــ الإسرائيلية لم تشذ يوما عن مسار الانحياز الأمريكى لإسرائيل اللهم إلا فى واقعة وحيدة فى أكثر من ستين عاما حينما أصر الرئيس الأمريكى الجمهورى دوايت أيزنهاور على أن تنسحب القوات الإسرائيلية من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة فى أول مارس 1957 (فى أعقاب مشاركة إسرائيل كلا من فرنسا وبريطانيا العدوان على مصر فى نهاية أكتوبر 1956) بعيدا عن المماحكات الإسرائيلية المعتادة فى هذه الظروف. كان الرئيس أيزنهاور بسبيله آنذاك إلى بناء استراتيجية أمريكية عالمية جديدة، وكان للشرق الأوسط مكانه المحورى بطبيعة الحال فى هذه الاستراتيجية، وتعلمنا منذ ذلك التاريخ أنه عندما تصطدم مصلحتان استراتيجيتان لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل فإنه لا مجال أمام القيادة الأمريكية للتسامح مع الإضرار بالمصلحة الأمريكية.

 

●●●

 

لكن آخرين كثيرين رتبوا نتائج بلا أساس على هذه الواقعة، فلأن الرئيس أيزنهاور كان جمهوريا استنتجوا أن الحزب الجمهورى أقرب إلى العرب من منافسه الديمقراطى، وظل هذا التفكير قائما سنوات طويلة حتى تكفل الانحياز المتزايد من قبل الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين ــ لا فرق فى ذلك بين جمهورى وديمقراطي ــ بإثبات وهم هذه المقولة، وارتبطت بهذه المقولة مقولة أخرى مؤداها أن الرئيس الأمريكى فى مدة رئاسته الثانية تكون يده مطلقة أو على الأقل أكثر حرية فى التعامل مع إسرائيل، لأنه لا يكون بحاجة لأصوات اليهود فى انتخابات قادمة (ولكن حزبه يحتاجها)، كذلك فإن بعضا من محاولات تحدى الولايات المتحدة لإسرائيل (تم التراجع عنها بطبيعة الحال) حدث فى ظل رؤساء لم يقضوا سوى مدة واحدة فى سدة الرئاسة، كما فى حالة تصويت الولايات المتحدة لصالح تفكيك المستوطنات فى مجلس الأمن فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، أو فى حالة تجميد ضمانات القروض (وكانت قيمتها عشرة مليارات من الدولارات تستخدمها إسرائيل فى بناء مزيد من المستوطنات) فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب. وهكذا لم يكن بمقدورنا أن نفرق بين رئيس أمريكى يقضى مدته الأولى أو الثانية من منظور الانحياز لإسرائيل، ومع ذلك فقد ظل الأمل يداعب البعض بأن يكون الرئيس أوباما استثناء على أساس الوهم القديم بأن مواقفه الحقيقية تتفهم المطالب الفلسطينية والعربية أكثر من غيره.

 

لم يستغرق الأمر سوى لحظات كى ينسف أوباما كل أنماط التفكير هذه، إذ إنه فور وصوله إلى مطار بن جوريون أكد أن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل ثابت، واعتبر زيارته فرصة لتأكيد الصلة التى لا تنفصم بين الدولتين، وإعادة تأكيد التزام أمريكا الذى لا يتزعزع بأمن إسرائيل، والتحدث مباشرة إلى شعب إسرائيل وإلى جيرانه، وأضاف أن سبب متانة العلاقة بين الجانبين هو تشاركهما فى قيم الحرية والديمقراطية، وأن إسرائيل واحدة من المصالح الأمريكية القومية، ولم ينس أوباما لاحقا أن يبدى الاحترام الكامل «للرموز» الإسرائيلية، فوضع إكليلا من الزهور على النصب المقام تخليدا لذكرى ضحايا «الهولوكوست»، وأكد أن وجود إسرائيل يعتبر حصنا منيعا لمنع حدوث «هولوكوست» جديدة، مع أن الصحيح أن يقال إن إسرائيل أصبحت مصدرا لعمليات «هولوكوست» من نوع آخر تمارس بشكل منهجى ضد الفلسطينيين، كذلك حرص أوباما بطبيعة الحال على وضع إكليلى زهور على ضريحى كلٍ من تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية وإسحق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، غير أن الأخطر هو زيارته للمتحف الوطنى الذى يضم مخطوطات البحر الميت التى استولت إسرائيل عليها فى عدوان 1967، وتزعم أنها تؤكد أحقية اليهود فى أرض فلسطين التاريخية. لذلك كله كان طبيعيا أن يلقى أوباما الثناء كله من القيادات الإسرائيلية، فأعرب نتنياهو عن شكره وتقديره للدور الذى تلعبه الولايات المتحدة بجانب إسرائيل فى ظل التغيرات السياسية التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والدفاع عن إسرائيل فى وجه أى تهديدات تتعرض لها، وأثنى نتنياهو على الدعم العسكرى الذى تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بالإضافة إلى التعاون فى المجال الاستخباراتى، فضلا عن دعم واشنطن حق الشعب اليهودى فى دولة يهودية، وتعزيز التحالف بين الجانبين فى ظل رئاسة أوباما لمواجهة المخاطر التى يشهدها الشرق الأوسط. وأشاد الرئيس بيريز بدوره بالعلاقة العميقة بين إسرائيل والولايات المتحدة مشددا على التزام واشنطن بأمن الدولة العبرية باعتباره الطريق الأفضل لتعزيز السلام.

 

●●●

 

أما الفلسطينيون فقد اكتفى أوباما بشأنهم بمواقف قديمة ومعروفة منذ بداية ولايته الأولى، بل لقد تراجع عن بعضها تراجعا واضحا كما فى قضية الاستيطان، وقد تركز حديث أوباما على حل الدولتين بالإضافة لعمليات الاستيطان، وبخصوص حل الدولتين ليس لأوباما أى فضل فيه، بل إن الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن له سبق استصدار قرار من مجلس الأمن ينص على حل الدولتين، وإن لم يتمكن من تجسيده على أرض الواقع، وقد كرر الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، بتحقيق حل يقوم على دولتين: «فلسطينية مستقلة متواصلة جغرافيا وقابلة للعيش، ويهودية فى إسرائيل» (لاحظ أن وصف إسرائيل بأنها دولة يهودية أصبح مسلما به)، لكنه لم يبين خطته لتجسيد فكرة الدولة الفلسطينية على أرض الواقع. وبخصوص الاستيطان تراجع أوباما عن موقفه السابق فى بداية ولايته الأولى حينما كان يرى فى الاستيطان عقبة أمام المفاوضات، أما الآن فالاستيطان لديه «واحدة من المشكلات، وهذه المشكلات يجب أن تحل بالتفاوض»، وهو ما يناقض الموقف الفلسطينى تماما على الرغم من اعتداله، وقد أضاف أوباما بخصوص الاستيطان أنه أكد لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن النشاط الاستيطانى غير بناءٍ ولا ملائم للسلام، ونحن متأكدون بطبيعة الحال من أن هذا القول لم يجد أى آذان صاغية من نتنياهو، ولكل هذه المواقف كان الرأى العام الفلسطينى غاضبا من الزيارة، وكذلك النخبة الأكثر قدرة على سبر غور موقف أوباما خاصة والموقف الأمريكى عامة. ماذا إذن عن الفتح الجديد فى مجال التسوية السلمية للصراع العربي ــ الإسرائيلى الذى ثار الحديث حوله قبل الزيارة؟ طمأننا الرئيس الأمريكى فى هذا الصدد بأن وزير خارجيته جون كيرى سيبذل جهدا ووقتا كبيرين لمحاولة تضييق الخلافات الإسرائيلية ــ الفلسطينية، وهو أمر ألِفْناه من قبل مع هيلارى كلينتون وكونداليزا رايس وغيرهما دون جدوى، فإلى أى شيء سوف يستند فى جهده الجديد؟

 

●●●

 

كنت قد مللت الكتابة عن هذه الموضوعات، لكن الخداع الذى يتسلل إلى عقول البعض من حين لآخر دفعنى إلى معاودة الكتابة، ولا بأس من تكرار القول للمرة الألف بأنه لا تقدم إيجابيا للقضية الفلسطينية إلا بأن يغير الفلسطينيون والعرب ما بأنفسهم، وهو أمر طال انتظاره كثيرا ولا تبدو أى مؤشرات بخصوصه.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية