أَرْخِ الستارة - داليا شمس - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أَرْخِ الستارة

نشر فى : السبت 28 أكتوبر 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : السبت 28 أكتوبر 2017 - 9:20 م

شعاع الضوء ملقى على الناموسية.. يتسلل إلى رأس النائم عبر ستائر التل المُرخاة فى خفة ودلع، ومن خلال نافذة صغيرة من الزجاج الملون. صوت البحر يتهادى من بعيد، يتكرر فيوحى بالتأمل، ثم يختلط بهبوب الريح الذى يحرك أغصان النخيل. تشكل الناموسية خط الدفاع الأول بالنسبة للنائم، خط دفاع لا يخلو من الشاعرية، فهو شفاف، خفيف، يتلاعب به الهواء، لكن يحمى من هجمات الناموس البربرية التى تشتد ليلا. التل ينسدل فيعطى شعورا بالأمان لم نَعْتَدْه فى بيوتنا الحديثة التى اختفت منها الناموسيات، منذ اكتفينا بصواعق الناموس الكهربائية وروائح مبيدات الحشرات النفاذة. لم نعد ننام ونقوم فى ظل ناموسية، وكأننا فى لوحة تخص زمنا بعيدا، ونتساءل: فى أى مدينة نحن؟ وماذا سيجلب لنا اليوم التالى من خلف ستائر التل التى تحمى ولا تحجب الرؤية، بل تكسبها دلالا؟ كأننا فى مسرح يتحرك شخوصه من خلف الستار، نرى خيالاته تذهب وتجىء. وفجأة تتسرب إلى داخل الحصن المهيب ناموسة صغيرة، على الرغم من كل الاستحكامات.. تقرص وتطير.. تلدغ الجلد حيث لا تدرى. تصيبنا الحرقة والحكة فنثور من أقل شىء.

***

لا أحد يستسيغ فكرة أن يمص كائن ما دمه، حتى لو فى ظل شاعرية الناموسية. وللغرابة، أنثى البعوض هى فقط التى تلدغ، دونا عن الذكور. تثقب الجلد لتتغذى على دمك، لأنها بحاجة إلى الدماء للتكاثر ونضج البيض، وعزاؤك الوحيد أنها تضع بيضها فى الماء أو بالقرب منه، ثم تزول إلى الأبد بعد نحو 24 ساعة. أما الذكور فتعيش على عصارة النباتات ورحيق الأزهار. الفارق بين إناث وذكور البعوض قد يأخذه كل منا إلى وجهة مختلفة، ففى حين يعتبره البعض دليلا على قوة الإناث وقدرتها على أن تهب الحياة، بعد سلسلة من المنغصات والمخاطر الصغيرة المتتالية، يسوقه آخرون كمثال على خطورة الأنثى وقدرتها على الإزعاج ومص الدماء واللدغ وإصابة الهدف، حتى عبر ثقوب ستائر التل الضيقة.

***

الهواء يداعب الناموسية مجددا، فيتلاشى البعوض الذى تراص على سطحها ليذكرنا بجزء من طبيعة الكون الذى لا يبقى على حال... كائنات كالبعوض، تلف وتدور وتلدغ، ثم تموت. تجذبها المياه الراكدة والمستنقعات، حتى لو قضت معظم عمرها محلقة فى الهواء، معلقة بين السماء والأرض. كائنات مزعجة، لكن هشة، ضعيفة، قد نأتى عليها بضربة شبشب فتسقط متهاوية، غشيمة، ونشعر نحن بلذة الانتصار، بل تنطلق داخلنا موسيقى طقطوقة زكريا أحمد بصوت منيرة المهدية وإيقاع الأسطوانات الرائق، البطىء: «أرخى الستارة اللى فى ريحنا، لأحسن جيرانك تجرحنا. يا مبسوطين، يا مزأططين، يا مفرفشين قوى يا إحنا»، فنرخى ستارة الناموسية ونغط فى نوم عميق، متذكرين أن نحاول شراء النوع الأحدث من الناموسيات التى تحتوى ستائره الشفافة على مادة تقضى على البعوض، وتظل فعالة حتى بعد عشرين غسلة... وقتها نرخى الستارة فى أمان، بعيدا عن لدغات الإناث، وننام كالأطفال، يهدهدنا صوت البحر.

التعليقات