مع انطلاق عملية الاقتراع بالماراثون الرئاسى الأمريكى، ينبعث الجدل بشأن تأثير الأصوات المترددة. فعلى مستوى الولايات، ينصرف مصطلح «الولايات المتأرجحة»، إلى تلك، التى لا تحوى أغلبية سياسية جمهورية أو ديمقراطية؛ ما يجعل مواقفها مُتغيّرة من دورة انتخابية إلى أخرى. ومن ثم، تتجه أنظار قادة الحملات الرئاسية إلى تلك الولايات، بقصد استمالتها، بعد لملمة شتات أصوات ناخبيها.
يرى، أليكس كيسار، أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد، أن نتائج التصويت بمعظم الولايات، ستكون شبه محسومة، لكن الأمر سيكون مغايرًا فى الولايات المتأرجحة. ذلك أن 6% من الناخبين بولايات، كمثل: كلورادو، فلوريدا، ميشيجان، نيفادا، نيوهامشر، نيو مكسيكو، نورث كارولينا، أوهايو، بنسيلفانيا، فرجينيا ووسكانسن؛ هم الذين سيحددون مآل السباق الرئاسى. فلدى كلا الحزبين الكبيرين، عدد من الولايات، التى يعولان على الفوز بها، بحيث يمكن اعتبارها ولايات «المقعد الآمن»؛ كون ناخبيها لا يغيرون سلوكهم التصويتى. فثمة ولايات تعرف بأنها ديمقراطية زرقاء، وأخرى جمهورية حمراء، مرة وإلى الأبد. بيد أن ولايات معدودات، قد تفضل مرشح أحد الحزبين الكبيرين فى دورة انتخابية، ثم مرشح الحزب الآخر فى الدورة الانتخابية التالية. وتلك هى الولايات، التى عادة ما تكون نتائجها متقاربة، بحيث يصعب التنبؤ بها؛ لا سيما فى ظل انقسام سكانها سياسيًا، ذهابًا وإيابًا، بين فوز الديمقراطيين تارة، وانكسار الجمهوريين تارة أخرى، أو العكس. فتلك ولايات لا ينتمى ناخبوها إلى أحد الحزبين، أو أنهم ديمقراطيون أو جمهوريون، لكن لديهم استعداد للتصويت للحزب الآخر، إذا ما نحج مرشحوه فى استمالتهم وإقناعهم ببرامجهم وأفكارهم. وهى تعرف كذلك بولايات «ساحة المعركة»، التى أضحت هدفًا لزيارات كثيفة من جانب المرشحين، على أمل أن تميل الكفة إلى أحدهما على حساب الآخر. وتكمن إشكالية الولايات المتأرجحة فى إتاحتها الفرصة لمرشح مستقل أو مرشح عن حزب ثالث، لانتزاع حصة تصويتية بها، بمنأى عن مرشحى الحزبين الكبيرين، بما يخل بفرص الجمهوريين أو الديمقراطيين فى حسم ماراثون البيت الأبيض.
يعتقد ديفيد واسرمان، المحلل بمؤسسة «كوك بوليتيكال ريبورت» غير الحزبية، أن الولايات المتأرجحة تتغير مع مرور الوقت. حيث تجاوزت ولايات فلوريدا، أوهايو وأيوا، مرحلة «الخروج من المسرح»، لتنضم إلى صفوف الجمهوريين، بعد أن كانت فى دائرة الضوء. وربما تكون ولاية نيو هامبشاير خرجت من ساحة التأرجح، لتنضم إلى الولايات ذات الميول الديمقراطية. وبالتالى قد تغدو الولايات المتأرجحة لهذا العام أقل عددًا، بحيث تقتصر على أريزونا، جورجيا، ميشيجان، بنسلفانيا وويسكونسن. وبينما يتوقع مراقبون سياسيون أن تمسى نيفادا، نورث كارولاينا ومينيسوتا، ولايات متأرجحة هذه المرة، إذ تتقارب بها حظوظ المرشحين الرئيسيين؛ هاريس، وترامب. يؤكد ديفيد شولتز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هاملين، ومؤلف كتاب: «الولايات المتأرجحة الرئاسية»، تحديد هذه الولايات مصير الاستحقاق الرئاسى. ويذهب إلى أن الولايات المتأرجحة ليست هى المعضلة؛ ذلك أن مقاطعات معينة كبرى داخلها، هى التى يمكن أن تحدد المرشح الفائز بجميع أصوات الولاية. وهى الظاهرة، التى يسميها، شولتز، «نظرية 5-5-5-270». فمن بين 350 مليون أمريكى، عادة ما تقرر حوالى خمس ولايات فقط، الرئيس الجديد. وضمن هذه الخمس، يساعد 5% فقط من الناخبين فى خمس مقاطعات رائدة بها، مرشحًا واحدًا على اقتناص 270 صوتًا على الأقل، تشكل أغلبية المجمع الانتخابى.
أما الناخبون المترددون أو المتأرجحون، فهم أشخاص لا يملكون تفضيلًا ثابتًا لحزب، أو مرشح على آخر، ولذلك يطغى التردد على سلوكهم التصويتى. حتى إنهم لم يحددوا، حتى الآن، توجهاتهم التصويتية حيال السباق الرئاسى الحالى. الأمر، الذى يجعلهم هدفًا مغريًا وصعب المنال للحملات الانتخابية. خاصة أنهم بنهاية المطاف، قد يشاركون فى عملية الاقتراع، ويصوتون لأحد المرشحين. وحينئذ، من المحتمل أن يكون صوتهم حاسمًا فى تحديد نتيجة الانتخابات.
وفق منظمة «أمريكا الجديدة»، تتألف غالبية الناخبين المترددين من الشباب صغار السن، الأقل تعليمًا، ثراء وإلمامًا بالسياسة؛ كما تتلقى معارفها من وسائل التواصل الاجتماعى. وتعوز جلهم الحماسة الكافية للإدلاء بأصواتهم، فى الاقتراع الرئاسى المقبل. وذلك مقارنة بالناخبين المسيسين، المؤدلجين والمتأثرين بسياسات ومبادىء أحد الحزبين الكبيرين. وتكتنف تحديات شتى جهود المرشحين لكسب أصوات هذه الشريحة. فقد يتلاقى أولئك الناخبون المترددون مع الديمقراطيين فى ملفات، أو يتفقون مع الجمهوريين فى قضايا. وكشف استطلاع رأى أجرته شركة نانو، فى يوليو الماضى، أن 56% من المترددين صوتوا، خلال استحقاقات رئاسية سابقة، لمرشحى الحزبين الجمهورى والديمقراطى. وهو ما يشى بأنهم لا يكنون ولاءً لحزب بعينه بل يتخذون قرارًا مختلفًا فى كل موسم انتخابى. وليس كل الناخبين المتأرجحين ليبراليين ناضجين؛ فعلاوة على حداثة سنهم، يميلون أكثر إلى أن يكونوا محافظين، فيما تعتبر غالبيتهم نفسها معتدلة. ومن حيث الخصائص الديمغرافية، فإن غالبيتهم من الذكور، وينتمون إلى الطبقة العاملة، التى تفضل أن تكون محافظة اجتماعيًا. وبحسب نتائج استطلاع الرأى السابق، أفضى قلق الناخبين المترددين بشأن أمنهم الاقتصادى، إلى إعلائهم الاقتصاد وتكلفة المعيشة على رأس القضايا المؤثرة فى سلوكهم التصويتى بنسبة 85%. فيما أظهرت الشريحة الأصغر سنًا منهم، اهتمامًا خاصا بقضية السيطرة على حيازة السلاح الشخصى. وبناءً عليه، توقع استطلاع رأى لشركة «يوجوف»، أن تصب هكذا معطيات فى مصلحة المرشح الجمهورى ترامب.
أظهرت نتائج أحدث استطلاع رأى تم بمشاركة صحيفة نيويورك تايمز، موقع «فيلادلفيا إنكوايرر» الإخبارى، و«سيينا كوليدج»؛ وتضمن إجراء مقابلات مباشرة مع عينات مختلفة من الجماهير؛ عدم حسم الناخبين المتأرجحين، الذين يشكلون حوالى 18% من الناخبين المحتملين بجميع أنحاء الولايات المتحدة، أمرهم بعد؛ حيث لا يعرفون، حتى اليوم، لمن سيصوتون فى الاقتراع الوشيك. ففى حين يميل نفر منهم نحو أحد المرشحين الرئاسيين الأساسيين، من دون أن يتخذ قرارًا نهائيًا، لا ينحو الباقون باتجاه أى منهما. الأمر، الذى من شأنه إرباك حملتى، ترامب، وهاريس، لا سيما وأن هؤلاء المترددين قد يغيرون آراءهم مع الوقت، أو ربما لا يصوتون على الإطلاق. ورغم فارق الأصوات الضئيل، الذى أظهرته أحدث استطلاعات الرأى، بين هاريس، وترامب، لمصلحة الأخير، لن يكون حسم السباق الرئاسى بيد أنصارهما المطلقين على مستوى الولايات المؤيدة. وإنما سيعود إلى 18% فقط من الناخبين، أو أولئك المترددين، الذين يحتاج المرشحان إلى تعبئة قوتيهما لإقناعهم بالتصويت لمصلحتهما. فهؤلاء، وفق صحيفة «نيويورك تايمز»، هم الناخبون التعساء، غير الملتزمين، غير المؤكدين، الذين يمكن أن يحدثوا فارقًا فى الانتخابات المرتقبة، التى قد تحسم بقارق ضئيل، أى بعشرات الآلاف من الأصوات داخل الولايات المتأرجحة. حيث ستسهم تلك الفئة بحصة معتبرة من هذه الأصوات.
رغم تداول مزاعم بشأن تفوق هاريس، خلال المناظرة الرئاسية اليتيمة، التى جمعتها مع ترامب، لا يزال بعض الناخبين المتأرجحين غير مقتنعين بها، كأول امرأة يمكن أن تترأس الولايات المتحدة، وفقًا لمقابلات أجرتها «رويترز» مع ناخبين. وتفصح نتائج استطلاعات رأى حديثة عن أن جل الناخبين المتأرجحين لا يعرفون الكثير عن هاريس. ورغم مساعيها الحثيثة للانسلاخ عن تجربة الرئيس، بايدن، الأليمة، توسلًا لتعظيم فرصها فى الفوز، أوردت صحيفة «نيويورك تايمز»، أن شريحة من الناخبين الشباب، يرافقهم سود ولاتينيون، ممن يكافحون ماليًا؛ يرون أن المفاضلة بين هاريس، وترامب، ستكون على أساس «أهون الشرين». بدوره، يستبعد، أندرو كونيشوسكى، السكرتير الصحفى السابق لزعيم مجلس الشيوخ، الديمقراطى تشاك شومر، تحقيق المرشحين الرئاسيين الأساسيين، على مشارف يوم الاقتراع، أى اختراق سياسى ملموس فى أوساط الناخبين المترددين.