مؤتمر ميونخ للأمن 2024.. سياق مأزوم ونتائج غير فعالة - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر ميونخ للأمن 2024.. سياق مأزوم ونتائج غير فعالة

نشر فى : الخميس 29 فبراير 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الخميس 29 فبراير 2024 - 7:15 م

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب يوسف وردانى، تناول فيه تحليلا للأجواء السياسية والاقتصادية العالمية المضطربة التى صاحبت انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، والاتجاهات الرئيسية لجلسات المؤتمر ونقاشاته منها، الاستمرار فى عزل روسيا وإيران، وبحث أوروبا عن بديل للمظلة الأمنية الأمريكية، وحضور لافت لممثلى دول الجنوب بنسبة 27%. كما تطرق الكاتب إلى أن هذا المؤتمر لم يحقق تقدما ملموسا فيما يتعلق بالقضايا المطروحة فيه، مشيرا إلى بعض النتائج المحتملة له... نعرض من المقال ما يلى:
انعقد مؤتمر ميونخ للأمن فى ذكراه الستين خلال الفترة من 16 إلى 18 فبراير 2024 تحت شعار «هل يخسر الجميع»، وسط تطورات أمنية لافتة على صعيد الحرب الروسية الأوكرانية، والتخوف من نشوء حرب إقليمية شاملة بالشرق الأوسط مع استمرار حرب غزة، وتصاعد إدراك الرأى العام العالمى للمخاطر غير التقليدية على حالة الأمن العالمى.
وفى ضوء ذلك، يتناول هذا التحليل الملابسات المحيطة بانعقاد مؤتمر ميونخ للأمن هذا العام، وأهم الاتجاهات الرئيسية التى شهدتها مناقشاته، وصولا إلى استعراض بعض النتائج المترتبة عليه.
• • •
اتسم السياق السياسى والاقتصادى العالمى غير المستقر الذى انعقدت فيه فاعليات مؤتمر ميونخ للأمن 2024، بما يلى:
1ــ سيادة حالة من التشاؤم العالمى بشأن التنافس الجيوسياسى المتزايد، والتباطؤ الاقتصادى العالمى، وعدم رضا الأطراف الرئيسية الفاعلة فى النظامين العالمى والإقليمى عن التوزيع غير المتكافئ للمنافع المطلقة للتعاون فيما بينها وتركيزها على أنها تحقق مكاسب أقل من غيرها من المنافسين، وهو ما عبر عنه شعار المؤتمر «خسارة ــ خسارة»، وأشار إليه تقرير ميونخ للأمن لعام 2024 بحديثه عن «عدم وفاء المجتمع الدولى بوعده بتنمية المنافع لصالح الجميع». وأكدت كلمة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر هذا المعنى، إذ أعرب فيها عن قلقه من انقسام المجتمع الدولى بالرغم من التحديات الوجودية التى تواجهه، ومن تخوفه من أزمة المناخ وخطر خروج الذكاء الاصطناعى عن السيطرة، ومن تصاعد انتهاكات القانون الدولى الإنسانى بصورة تتجاوز حقبة الحرب الباردة.
2ــ استمرار الأزمات فى النظام الدولى، وذلك مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية التى نشبت فى فبراير 2022 عامها الثالث، وسط فشل استراتيجية الهجوم المضاد الذى تقوم به أوكرانيا، وإعلان روسيا أثناء فاعليات اليوم الثانى لمؤتمر ميونخ للأمن عن السيطرة على مدينة أفدييفكا التى تقع على بعد نحو 10 كيلومترات شمال مدينة دونيتسك شرق أوكرانيا، وهو أكبر انتصار حققته روسيا منذ الاستيلاء على باخموت فى مايو 2023. وكذلك مع استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة للشهر الخامس على التوالى منذ هجوم حركة حماس فى 7 أكتوبر الماضى، والتخوفات بشأن التكلفة الإنسانية من تهديدات حكومة بنيامين نتنياهو بشأن حملة عسكرية برية على مدينة رفح.
3ــ تغير أولويات الرأى العام العالمى، فوفقا لمؤشر ميونخ للأمن لعام 2024، والذى شارك فيه أكثر من 12 ألف شخص من دول مجموعة السبع و«بريكس» (ما عدا روسيا) وأوكرانيا خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر 2023، وشملت أسئلته معرفة توجهات هؤلاء الأفراد تجاه 31 خطرا عالميا عبر خمسة أسئلة رئيسية، فقد تصدرت التهديدات البيئية والهجرة الناتجة عن الحروب وظاهرة تغير المناخ سلم المخاطر الأمنية، وذلك لتحل محل روسيا التى جاءت فى المركز الأول فى مؤشر ميونخ للأمن العام الماضى، والتى ربما لم تعد لحربها فى أوكرانيا وتهديداتها أولوية فى عام 2023 سوى لدى مواطنى المملكة المتحدة واليابان فقط من مجموعة الدول السبع.
• • •
تمثلت الاتجاهات الرئيسية التى شهدتها أجواء مؤتمر ميونخ للأمن وجلساته ونقاشاته هذا العام، بما يلى:
1ــ الاستمرار فى عزل روسيا وإيران: فى ظل عدم توجيه إدارة المؤتمر الدعوة إليهما لحضور فعالياته للعام الثانى على التوالى؛ وذلك بسبب عدم استعداد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين للتفاوض مع حكومة أوكرانيا الحالية، وإيران بسبب عدم اهتمامها باستئناف المحادثات المتعثرة بشأن برنامجها النووى مع نظرائها من الدول الغربية.
2ــ الحضور اللافت لممثلى دول الجنوب: إذ مثلوا 27% من إجمالى المتحدثين فى فاعليات المؤتمر (250 متحدثا) ، ومع أن هذه النسبة لا تفى بتطلعات دول الجنوب لممارسة دور أكبر فى تشكيل النظام العالمى أو مناقشة قضاياه الرئيسية، فإنها تعد النسبة الأكبر منذ انعقاد مؤتمر ميونخ الأول فى عام 1963. ويرجع السبب الرئيسى فى زيادة تمثيل دول الجنوب إلى رغبة منظمى المؤتمر فى توسيع دائرة النقاش العالمى حول القضايا المطروحة، والتى مزجت بين القضايا التقليدية مثل: الرؤى المختلفة للنظام العالمى، ودور أوروبا فى الأمن والدفاع عن القارة، والحرب فى كل من أوكرانيا وغزة، وبين القضايا الأمنية غير التقليدية مثل: الهجرة واللجوء وتغير المناخ والذكاء الاصطناعى والحروب السيبرانية.
3ــ بحث أوروبا عن بديل لمظلة الأمن الأمريكية: فمع التخوفات من عودة ترامب للبيت الأبيض، ونجاح الجيش الروسى فى الحفاظ على وجوده فى شرق أوكرانيا وتحقيق انتصارات عسكرية جديدة على الأرض؛ بدأت تظهر اقتراحات محددة بشأن كيفية اتباع نهج متدرج للاستقلال الاستراتيجى عن الولايات المتحدة فى المجال الأمنى، أهمها زيادة الإنفاق الدفاعى، وسعى أوروبا لتعزيز قدراتها الذاتية للدفاع عن نفسها، وعودة الحديث عن خيار الردع النووى.
4ــ التباين بين الرؤيتين الإسرائيلية والعالمية بشأن غزة. فقد شهدت مناقشات المؤتمر، التى شارك فيها الرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتسوج وكل من وزيرى الخارجية الحالى يسرائيل كاتس والسابقة تسيبى ليفنى، تأكيد إسرائيل حقها فى الدفاع عن نفسها، وعدم نيتها حكم قطاع غزة أو تهجير الفلسطينيين منه عقب القضاء على حركة حماس، على حد تعبيرها. وفى المقابل، اتسمت التصريحات الأمريكية والأوروبية بتأكيد حل الدولتين للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وأهمية اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة الأزمة الإنسانية الكارثية فى غزة، وإبداء القلق العميق من العواقب المدمرة المحتملة على السكان المدنيين من جراء التهديد الإسرائيلى بتنفيذ عملية عسكرية شاملة فى رفح، وذلك كما برز فى اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع برئاسة إيطاليا على هامش أعمال المؤتمر، وهو الأمر الذى أكدته أيضا الوفود العربية المشاركة فى ميونخ.
• • •
فى ضوء ما سبق، يمكن القول إن مؤتمر ميونخ للأمن 2024 لم يحقق تقدما ملموسا على صعيد مناقشة أى من القضايا المطروحة فيه، وأبقى على نفس التوجهات الرئيسية السائدة قبله، والتى مثلت خسارة لجميع أطراف المنظومة الدولية. وربما تتمثل أهم النتائج المحتملة للمؤتمر فيما يلى:
1ــ سرعة قيام المفوضية الأوروبية بتقديم مقترحها لاستراتيجية الدفاع الأوروبية الموحدة، والتى حددت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، أهدافها، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، فى زيادة الإنفاق الدفاعى، وتحسين آلياته من خلال إبرام مشتريات مشتركة واتفاقيات لتوفير القدرة على التوقع وتحسين العمل المشترك بين القوات المسلحة الأوروبية، وذلك بجانب تعزيز القاعدة الصناعية العسكرية. وسوف يكون فى القلب من تلك الاستراتيجية دمج أوكرانيا فى برامج الدفاع الأوروبية، وافتتاح مكتب للابتكار الدفاعى فيها.
2ــ تأكيد الإدارة الأمريكية التزامها بأمن أوروبا ودعم حلف «الناتو»، مع السعى إلى الضغط على الكونجرس لتمرير صفقة المساعدات الخاصة بأوكرانيا باعتبار أن توقفها قد سمح لموسكو أخيرا بتحقيق أكبر انتصاراتها العسكرية منذ مايو 2023. ومن الأرجح أن تحتل قضية الدور الأمريكى فى أمن أوروبا أولوية متقدمة على سلم أولويات القضايا الخارجية للحملات الانتخابية لمرشحى الحزبين الديمقراطى والجمهورى لانتخابات الرئاسة المقررة فى نوفمبر 2024.
3ــ احتمالية إعادة الصين طرح مبادرة معدلة للسلام بشأن أوكرانيا، بعد رفض كييف والدول الغربية مبادرتها السابقة التى كانت قد قدمتها فى فبراير 2023، والتى وافقت عليها روسيا وقتها. ويعزز ذلك التصور إشارة وزير الخارجية الصينى، وانج يى، خلال اجتماعه مع نظيره الأوكرانى، كوليبا، خلال فاعليات المؤتمر، إلى أن بكين «تعمل من أجل إجراء محادثات سلام بشأن أوكرانيا».
• • •
ختاما، تبقى مسألة إصلاح النظام الدولى الحالى وإقامة نظام بديل قائم على التعددية القطبية من القضايا محل النقاش الدائم فى جميع المؤتمرات الدولية، ولم يكن مؤتمر ميونخ للأمن 2024 استثناء من ذلك، إذ لم يفلح تكرار الأمين العام للأمم المتحدة، جوتيريش، لدعواته الإصلاحية فى كلمته الافتتاحية بالمؤتمر فى حشد التأييد اللازم لها إلا فى أوساط الدول التقليدية المؤيدة وعلى رأسها الصين وروسيا.

النص الأصلي

التعليقات