لكل مَنْ خرج فى يناير وكان يعلم أنه قد لا يعود - أميمة كمال - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:50 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكل مَنْ خرج فى يناير وكان يعلم أنه قد لا يعود

نشر فى : الإثنين 29 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 29 يوليه 2013 - 8:00 ص

مادام التفويض أصبح منهجا معتمدا فى الأوساط الحاكمة هذه الآونة، فإن تفويضا للشعب بكتابة دستوره من أول وجديد، أضحى مطلبا ضروريا. بدلا من اقتصار الأمر على لجان عشرية، وخمسينية تجرى تعديلا هنا أو هناك، على دستور ثارت عليه الملايين فى 30 يونيو. فمهما علا شأن تلك اللجان، ومهما طالت قامات أعضائها، سيظل الشعب أولى بالمهمة. وإنه ليس مجديا أن يكون رأى الناس فى دستورهم عبر إرسال إيميلات، وهو مادعت إليه «لجنة العشرة»، أو حتى «SMS» كما يجتهد البعض بنفسه. ولكن رأى الناس يجب أن يكون عبر مشاركة فعلية، وتفاعل حقيقى، بل وحضور مباشر. فلماذا لايشارك الجميع فى صنع الدستور فى الساحات المفتوحة، وعبر مناقشات معلنة فى الميادين، وفى المنتديات الاجتماعية، وفى استطلاعات رأى حقيقية تجرى فى وسائل المواصلات، وفى أماكن العمل، وفى المصانع، والمزارع، وأروقة الحكومة، والقطاع الخاص، والمنتزهات؟.

ففى الوقت الذى انشغل فيه الجميع بقضية محاربة الإرهاب بين مؤيد ومعارض للتفويض على بياض لتنفيذ تلك المهمة، كان العمل داخل لجنة العشرة لتعديل الدستور يسير على قدم وساق، بينما تخلو الساحة تماما من أية مناقشات جدية من جانب القوى الفاعلة فى المجتمع حول ماهية بنود الدستور الجديد الذي يريدونه بديلا عن «الدستور المرفوض شعبيا» مثل رئيسه.

●●●

ولأنه آن الأوان أن نرد الأمور إلى أصلها. والأصل هنا هو أن ملايين الشعب التى خرجت فى ثورة 25 يناير «تدق الكعب» على رأى المبدع صلاح جاهين لم تفوض أحدا فى وضع دستور جديد. يصوغ لها حقوقها، ويحول شعاراتها الأسطورية فى (العيش والحرية والعدالة الاجتماعية) إلى بنود دستورية واضحة لايتلاعب بها أحد.

هذه الملايين كانت تصر على أن تصيغ دستورها بيدها لابيد «غريانى ولا غير غريانى». وكانت ترى فى هذه المهة هدفا واضحا. وهو ماجعل مجموعات كبيرة من النشطاء، وأعضاء المراكز الحقوقية والاجتماعية، والنقابات العمالية المستقلة، وشبكات الحق فى الأرض والسكن والتعليم والصحة، بعد ثورة يناير يستبقون لجنة «الغريانى وشركاه» ويصيغون مشروع دستور جديد تحت شعار حمله «العمال والفلاحون يكتبون الدستور». وقد جاء هذا المشروع ليترجم أحلام ومطالب القوى العمالية والفلاحية، ومجموعات من الصيادين والحرفيين والمهنيين، عبر جولات فى معظم المحافظات.

●●●

ولكن أنصار مدرسة «دستور مابعد منتصف الليل» بقيادة المستشار حسام الغريانى الذى ترأس اللجنة التأسيسية لوضع الدستور «المرفوض شعبيا» قد تجاهلوا تماما جهد كل هذه المجموعات فى وضع بنود الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التى يريدونها فى الدستور. فهل يصح بعد الانتفاضة الثورية فى 30 يونيو أن نتغافل عن طموحات الثورة الحقيقية التى صاغتها الملايين من الشعب فى يناير فى وضع دستور يستحقونه ويستحقهم؟. وهل من المقبول أن نوافق على تعديل ذلك الدستور المهلهل  الذى سيظل مرتبطا فى ذاكرة المصريين بتلك الصورة الشهيرة التى كانت فيها البهجة تعلو وجه كل من المستشار حسام الغريانى صاحب «الضربة الدستورية الأولى»، والرئيس «المعزول» محمد مرسى وهما يحملان معا الدستور. إعلانا بالانتصار فى معركة تمريره بليل رغم أنف المعترضين، أم نظل نصر على وضع دستور جديد؟.

وهل دستور كان يسعى القائمون على وضعه إلى تضييق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والتحايل عليها، بإضفاء مشروعية على بعض النظم الظالمة والبغيضة مثل عمل الأطفال أو العمل الجبرى أو فصل العمال، يمكن أن ينصلح حاله أو تفلح معه عمليات التجميل أو الترقيع؟. وهل دستور يبخل على أصحاب الثورة الحقيقيين بنتاج عملهم، ويعطى الحقوق بالقطارة، ويسحب بيد مايعطيه باليد الأخرى مثل النص على حد أدنى للأجر مع ربطه بالإنتاج، فى الوقت الذى نعلم فيه جميعا أن العامل لايتحكم فى الإنتاجية التى تعود إلى أمور خاصة بمستوى تقنية وسائل الإنتاج المستخدمة، أو بمدى توافر الخامات أو الطاقة، أو كفاءة الإدارة. أوعدم النص على زيادة الأجر سنويا بما يتناسب مع نسبة الارتفاع فى الأسعار حتى نحافظ على مستوى الأجر الحقيقى. هل دستور مثل هذا يليق بأن يصبح دستورا لثورة بحجم ثورة يناير؟.

●●●

وكيف نصلح من حال دستور يجعل من الحق فى الصحة أوالتعليم أومياه الشرب الصالحة، أوالسكن أمورا مشكوكا فيها؟. وكيف ينعدل وضع دستور لاينص صراحة على أن الخدمات الصحية غير مطروحة للخصخصة، أو أنها متاحة للجميع دون تمييز، أو أن تكون الدولة ضامنة لنسبة محددة من الإنفاق على الصحة أو التعليم من اجمالى الناتج المحلى؟. وكيف نرضى بأن يكون الحق فى الماء النظيف والغذاء الصحى غير ملزم للدولة؟.

كيف نرضى على تنقيح دستور كان القائمون عليه يتندرون بنجاحهم فى استغفال الملايين من القوى الاجتماعية التى كانت تصر على تخصيص 50% من مقاعد البرلمان للعمال والفلاحين؟. ولعل كثيرين لاينسون مشهد الدكتور رمضان بطيخ استاذ القانون الدستورى وعضو اللجنة التأسيسية التى وضعت الدستور «الموقوف» حينما كان يتباهى فى حديثه من أن اللجنة قد نجحت فى تمرير مادة انتقالية (مؤقتة ) فى الدستور تنص على 50% للعمال والفلاحين فى مجلس النواب فى دورة واحدة فقط، دون أن يلتفت إليها الكثيرون. وأكمل بأنهم نجحوا بالمناورة فى وضع تعريف واسع للعامل يجعل هذا الشرط ينطبق على كل من يريد الحصول على مقعد العمال. 

●●●

والآن بعد إزاحة المتباهين بتمرير دستور تم صنعه فى جنح الظلام. ألم يحن الوقت لكى يصنع الناس دستورهم فى وضح النهار. وأن تستدعى اللجنة التى تعيد النظر فى الدستور أصحاب المبادرات الشعبية. وأن تنظر فى مشروع الدستور الذى أعده مايزيد على مائة جهة نقابية وحقوقية واجتماعية وبحثية جمعتهم حملة «العمال والفلاحون يكتبون الدستور».

ولكن رجاء إذا أخذتم جانبا من هذا المشروع الشعبى، فعليكم أن تحتفظوا بالإهداء الذى جاء فى مقدمته.  القائمون على إعداده يهدون الدستور «إلى كل من خرج يومى 25 ، و28 يناير، وكان يعلم أنه قد لايعود».

أما إذا لم تأخذوا به، فعليكم أن تهدوا مشروعكم إلى «كل من خرجوا فى 30 يونيو ويعلمون جميعا أنهم سيعودون».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات