عم سيد الشحات رجل فقير، ولكنه يتميز عن غيره من الفقراء بأن الله من عليه بمن يرفق به. على الرغم من فقره المدقع يتمتع الرجل برعاية شركة استشارية ضخمة على رأسها مستشار قدير تطوع لرعاية العم سيد وممتلكاته. نعم ممتلكاته. لا يوجد تناقض هنا. فالرجل فقير ولكنه فى الوقت ذاته يملك أراضى شاسعة، ومنتجعات جميلة، وشواطئ بديعة، ومناجم غنية، وأراضى خصبة، وواحات خلابة، وكميات هائلة من الآثار القديمة إضافة إلى بعض المتناثرات الأخرى، وكلها تخضع لإشراف المستشار الكبير، هو المسئول عن إدارتها وعن نصح العم سيد وإرشاده والأخذ بيده.
المستشار يجلس مع العم سيد الشحات فى مكتبه الفاره. مكتب المستشار وليس مكتب العم سيد. فالأخير لا يمتلك مكتبا وإنما يقطن عشة مهدمة على الطريق المؤدى لأحد منتجعاته.
ــ بص يا عم سيد. انت جعان لأن المستشارين اللى قبلى ما عملوش شغلهم كويس.
ــ ربنا يكرم أصلك يا بيه. والله طول عمرى أقول هم السبب.
ــ أنا قبلت أساعدك بعد ما ولادك شالوهم بس لازم أصارحك إن أولادك ضروك وكان ممكن يضروا أولادهم وأولاد أولادهم.
ــ معلش سعادتك امسحها فى. طيش شباب. بس مش بتقول ما عملوش شغلهم كويس؟!
ــ أيوه. ما صارحوكش بالحقيقة. ما قالولكش انك فقير.. فقير قوى.
ــ والنعمة عارف. أومال أنا هنا ليه؟! يا بيه أنا جعان. ما بيطلعليش غير رغيفين عيش كل يوم.
ــ رغيفين؟
ــ أى والله العظيم رغيفين مالهمش تالت.
ــ (يرفع سماعة التليفون).. أحمد.. اكتب عندك.. رغيفين. طلعوا رغيفين مش رغيف. (يضع السماعة ويلتفت لعم سيد) شكرا يا عم سيد. هنرجع لك فى حكاية الرغيفين دى.
ــ ربنا يكرم أصلك. هنعمل إيه بقى؟
ــ لازم أكون صريح معاك. مشكلتك مش الفقر، لكن الإدراك. الوعى. إنت مش حاسس إنك فقير.
ــ وحياة السيدة ومقامها عارف. ولو مش عارف عصافير بطنى بتفكرنى كل صباحية. ولم ما فكرونيش عيالى بيفكرونى.
ــ مش كفاية. انت معندكش وعى حقيقى بفقرك. احنا هنزود مقابلاتنا. هنتقابل شهريا علشان اقول لك انت فقير.. فقير قوى. عايزك تفتح التليفزيون بالليل. اختار أى قناة أو برنامج أو مذيع. مش مهم. كلهم بيشتغلوا معانا علشان مصلحتك. هيفكروك انك فقير ولازم تحمد ربنا اننا واخدين بالنا منك.
ــ طب يا بيه بالنسبة يعنى لإدارة الأصول. هو مش برضه انتو واخدين بالكم منها؟ يعنى ما بيطلعش حاجة كده والا كده تخلى الرغيفين دول تلاتة؟
ــ تلاتة؟ مش باقولك معندكش وعى. بص يا شحات. يا إيه؟ يا شحات. انت عارف انى باحبك. مظبوط؟
ــ والنعمة عارف. وغلاوتك وانا كمان باحبك وباحب كلامك ونور ابتسامك. بس الولية عيانة، والعيال طلعوا من المدارس، والحالة صعبة.
ــ ده اللى عاوز اكلمك فيه. كان نفسى يبقى فيه إمكانية نعالج أم فرج، أو نعلم فرج. بس مفيش. انت فقير والريع اللى بييجى من أملاكك يادوب يغطى فوايد ديونك ومصاريف تعبنا فى توفير ديون جديدة. وما تنساش انك لسه بتعرف تشترى رغيف كل يوم.
ــ رغيفين
ــ كويس انك فكرتنى (يكتب ملحوظة فى ورقة منفصلة).
ــ طب يا بيه الواد محروس قرا فى الإنترنت إن فيه ناس كتيرة معندهاش ربع اللى عندنا وعايشين كويس. طول النهار يزن على دماغى انبهك إننا لو شغلنا باقى العيلة فى الأصول يمكن يطلع لنا قرشين كويسين.
ــ محروس؟ انت مش ابنك اسمه فرج؟
ــ ما هو فرج بعد الشر على ولادك مش عارفين له سكة. انت ناسى يا سعادة البيه؟ رجالة شبه اللى واقفين على باب شركتكم أخدوه من شهرين. ومن ساعتها ما نعرفلوش طريق. ما فاضلش غير محروس.
ــ ربنا يصبرك. بس كلام العيال الغير مسئول ده هو اللى هيضيعك. مش باقولك مشكلتك فى الوعي؟! اسمع يا شحات انت عارف باحبك قد إيه والا لأ؟
ــ والله عارف.
ــ طب هات حضن. (ينهض المستشار. يحتضن الشحات ويقوده لباب المكتب). عاوزك تشوف التلفزيون مرتين مش مرة واحدة. اعتبره أمر. مع السلامة يا شحات. يا إيه؟ يا شحات. (يعود للمكتب ويرفع سماعة التليفون) أحمد.. انت مش قلت لى سيد الشحات عنده ابن واحد؟.. لأ.. طلعوا اتنين.. ما ينفعش الشغل ده.. اسمه محروس.. الكلام ده ما يحصلش تانى.. اتفضل.. استنى.. اسمع.. ده لسه عنده انترنت كمان.