الهجرة ٣ ــ تجدد النفس - جمال قطب - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 9:04 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهجرة ٣ ــ تجدد النفس

نشر فى : الجمعة 30 أكتوبر 2015 - 12:45 م | آخر تحديث : الجمعة 30 أكتوبر 2015 - 12:45 م

الذهاب إلى الله هو العودة إلى منهجه
الفرار إلى الله هو الاستعانة به
الهجرة إلى الله هى اتخاذ مسالك جديدة لمرضاته جل جلاله
ــ لذلك هاجر المسلمون الأولون إلى الحبشة، ولم يكن غرضهم نشر الدين، إنما كانوا يبحثون عن مجتمع يخلو من الظلم فقط. فقد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه المستضعفين: «اخرجوا إلى جهة أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد..» فلا غضاضة ولا توتر من اختلاف الدين، إنما التوتر يوجد حيث يوجد الظلم ويفشو العدوان، ولا يأمن الناس على حياتهم أو أموالهم وأعراضهم.
ــ وقد خرج إلى الحبشة ستون رجلا واثنتا عشرة امرأة منهم رقية بنت رسول الله وزوجها عثمان بن عفان، وأم سلمة وزوجها، وجعفر بن أبى طالب. بل كان من بين المهاجرات السيدة أم حبيبة بنت أبى سفيان، إذ كانت قد سبقت إلى الإسلام هى وزوجها واختارا الهجرة رغم عدم تعرضهما لأدنى أذى.
ــ وبقى هؤلاء المهاجرون فى الحبشة سنوات عديدة، إذ خرجوا من مكة قبل إسلام عمر، ورجعوا إلى المدينة بعد فتح خيبر.
فانظر كم تحمل هؤلاء مشقة الاغتراب ليس للكسب ولا لنشر الدين والدعوة إليه، بل للنجاة من الفتن والضغوط الهائلة.
ــ وحينما يهاجر الإنسان من وطنه ومستقره ويترك خلفه ذكريات طفولته وصباه، وينفصل عن رحمه وقرباه، ويجد نفسه بعيدا دون أصدقائه وجيرانه، وكل ذلك الهرب من الضغط، ثم تتزايد عليه الضغوط للابتلاء والتمحيص. نعم فقد كانت أم حبيبة بنت أبى سفيان عزيزة بين قومها. فأبوها زعيم قريش، وزوجها أحد أشراف مكة، ثم يتوافق الزوجان على الإسلام ثم على الهجرة مشاركة وتأييدا للمستضعفين المهاجرين. وما أن يصل المهاجرون إلى الحبشة ويحسن النجاشى «ملك الحبشة» استقبالهم حتى يتروى الزوج فيعلن تنصره واختياره لعبادة الأحباش، وتبقى الزوجة المهاجرة بغير زوج فى غربتها.. فكم قاست تلك السيدة العظيمة، إذ تركت سطوة أهلها وسلطان أبيها واختارت الهجرة والغربة ثم تبتلى بفقد الزوج؟ أتبقى بلا زواج؟ أم تقبل الزواج من أحد المهاجرين فتزيد أعباءه؟ وماذا يعوض هذه السيدة العظيمة عما فقدته؟
ــ هنالك يتنزل فضل الله – وما أعظم فضل الله ــ فينقل الوحى خبرها إلى رسول الله فى مكة، ويدرك صلى الله عليه وسلم ما حاق بتلك السيدة العظيمة وحرج موقفها بعد تتابع الابتلاء.. فيسارع الرسول العظيم بأن يبعث إلى النجاشى يطلب منه أن يصبح وكيلا عن الرسول فى عقد زواج الرسول صلى الله عليه وسلم على السيدة أم حبيبة بنت أبى سفيان.
ــ نعم فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان
أحسنت إلى نفسها فاختارت الإسلام دينا
وأحسنت إلى المستضعفين فخرجت مرافقة لهم
وامتحنت فى غربتها بفقد الزوج فصبرت
فلكل هذا الإحسان أحسن الله إليها، برفع درجاتها فى الدنيا، وأحسن الرسول إليها باتخاذها زوجة وأما للمؤمنين.
ــ فانظر إلى هذه المهاجرة العظيمة تترك مكة وما فيها من قداسة وشرف فرارا من الشرك والأوثان، ثم تفقد زوجها وتبقى فى غربتها وحيدة حتى تغرد البشرى من حولها.. قد كان اسمك أم حبيبة فأصبحت أم المؤمنين.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات