الأقليات المسلمة - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأقليات المسلمة

نشر فى : الثلاثاء 31 يناير 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 يناير 2023 - 8:30 م

أتاح لى المجلس المصرى للشئون الخارجية فرصة طيبة لعرض كتابى الجديد الذى أصدرته دار المعارف بعنوان «الأقليات المسلمة»، وأدار الجلسة الرئيس الجديد للمجلس السفير/ محمد العرابى وزير الخارجية الأسبق وشارك بالحضور وفى النقاش السفير الدكتور/ منير زهران الرئيس المنتهية ولايته للمجلس وكذلك مديره التنفيذى السفير الدكتور/ عزت سعد كما شارك فى الحضور وأثرى النقاش السفير الدكتور/ مصطفى الفقى وكان من بين الحضور أيضا الأستاذ/ سعيد عبده رئيس مجلس إدارة دار المعارف ورئيس اتحاد الناشرين العرب، كما شارك لفيف كبير من كبار السفراء وعدد من أساتذة الجامعات وممثلى الإعلام وكانت المناقشة ثرية ومتعددة الجوانب.

والكتاب يبدأ بتقديم من البروفيسور/ أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامى الذى أشار فيه «إلى أن الأقليات الإسلامية تشكل ثلث الأمة الإسلامية فى تعدادها والتى تنتشر فى القارات الخمس لكوكب الأرض ويضيف التقديم أن الكتاب هو شهادة للتاريخ عن أحداث جسام يتم تسجيلها لأول مرة من خلال تجارب شخصية ومفاوضات طويلة، ويقدم فيه المؤلف بجانب تحاليله السياسية مشاهداته الشخصية».

والدكتور/ إحسان أوغلو هو أحد الوجوه البارزة فى عالم الثقافة وتاريخ العلوم فقد عمل عضوا بهيئات التدريس فى عدد من الجامعات المصرية والتركية والأوروبية والأمريكية، وهو من أسس مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إرسيكا) وظل يديره لسنوات طويلة كما كان رئيسا للاتحاد العالمى لتاريخ العلوم وفلسفتها، وله العديد من المؤلفات الضخمة والكتب الموسوعية.

وفى عام 2005 اُنتخب د. أكمل الدين أمينا عاما للمنظمة الإسلامية وبعد انتخابه لم تعد الليلة كالبارحة فجعل من هذه المنظمة شيئا مذكورا بعد أن كانت كيانا لا يكاد يبين.

والأقليات المسلمة تشكل ثلث العالم الإسلامى أى إن 500 مليون مسلم يعيشون كأقلية 

فى بلادهم بينما هم ــ فى معظم الأحيان ــ أصحاب البلاد الأصليين Indigenous Population.

والكتاب هو نتاج معايشة شخصية دامت أكثر من عشر سنوات لمشاكل هذه الأقليات مع التركيز على الأقليات المسلمة فى آسيا لأنها كانت ولا تزال تعانى من توتر شديد وصل إلى حد النزاع المسلح فى بعض المناطق وهى المناطق التى قمت فيها بمهمة الوساطة نيابة عن منظمة التعاون الإسلامى وأمينها العام.

فمسلمو جنوب تايلاند مثلا كانوا يعيشون فى سلطنة إسلامية تسمى سلطنة فطانى أو Patani شأنهم شأن معظم سلطنات شبه جزيرة الملايو (ماليزيا الآن)، فقامت دولة سيام (تايلاند الآن) بغزو شبه الجزيرة وضمتها بالكامل إليها، وعندما احتلت بريطانيا شبه الجزيرة توقفت عند سلطنة فطانى وتركتها لتايلاند، بالرغم من أن سكان السلطنة ينتمون عرقيا ودينيا وثقافيا إلى شبه جزيرة الملايو ولا يزالون يتحدثون اللغة المالاوية بل ويكتبونها بحروف عربية، وهذا النموذج يتكرر حرفيا بالنسبة لمسلمى شمال غرب الصين الإيجور الذين ينتمون إلى الأقوام التركية Turkik ويجاورون دولا تنتمى لنفس عرقيتهم ودينهم ولغاتهم، وأيضا أقلية الروهينجيا الذين يقطنون مقاطعة راخين بغرب ميانمار فهم ينتمون إلى عرقية البنجال، وهذه الأقلية التعسة تعانى الآن أبشع أنواع الاضطهاد وذلك حسب تقارير الأمم المتحدة حيث نزعت منهم الجنسية وأحرقت بيوتهم وطرد مئات الآلاف منهم فى موجات متتالية (نحو 750 ألفا حتى الآن) ولا يجدون أى رعاية أو أى ترحيب من الدول المجاورة بما فى ذلك بنجلاديش.

• • •

وقد ثار خلاف داخل منظمة التعاون الإسلامى حول التسمية، فالبعض يستنكر إطلاق وصف الأقلية عليهم ويراه انتقاصا لحقوقهم ويفضل كلمة المجتمعات الرسمية، بينما رأى البعض الآخر أن العكس هو الصحيح، فكلمة الأقلية قد أخذت وضعا محددا فى القانون الدولى الإنسانى وتم وضع تعريف دقيق لها وتم إصدار قرارات واتفاقيات دولية ترتب حقوق ثابتة ومحددة لهذه الأقليات وأصبحت الدول التى صدقت على هذه الاتفاقيات ملزمة بتطبيقها.

 وضع الأقلية يرتب لاصحابها حقوقا والتزامات قانونية على الدولة من خلال موافقتها على الإعلان الرسمى لحقوق الأقليات الصادر بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 135/47 فى ديسمبر 1992 والذى أكدته القمة العالمية التى عقدت لهذا الغرض عام 2005 التى نصت على أن احترام حقوق الأقليات والمساواة التامة مع مواطنيهم هو الدعامة الحقيقية للاستقرار السياسى والاجتماعى وطالبت الحكومات باتخاذ جميع الإجراءات التشريعية والإدارية لتحقيق هذا الهدف.

• • •

إن معظم الأقليات فى العالم خصوصا فى آسيا وأفريقيا وشرق أوروبا هم من أصحاب البلاد الأصليين، بينما الأقليات الوافدة «المهاجرة» توجد بكثرة فى أوروبا الغربية والأمريكتين، وهى ظاهرة موجودة فى 93 دولة ولا تكاد دولة واحدة تخلو من وجود أقلية بها.

• • •

وعندما عزمنا فى منظمة التعاون الإسلامى على القيام بالوساطة فى المناطق المشتعلة واجهتنا صعوبة أخرى حول كيفية القيام بدور الوساطة دون الاصطدام بمبدأ عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول وهو المبدأ المنصوص عليه فى ميثاق الأمم المتحدة وقد تم تذليل هذه الصعوبات دون مشقة، الأمر الذى دعانى إلى التساؤل عن ما الذى يجعل دولة فى صراع مع أقلية مسلمة لديها أن تقبل وساطة منظمة هى إسلامية فى المقام الأول، فما الذى جعل الفيليبين ذات الأغلبية الكاثوليكية ــ مثلا ــ أن تقبل وساطة منظمة التعاون الإسلامى فى نزاعها مع مسلمى الجنوب ولم يمنعها الخوف من انحياز المنظمة إلى الجانب الإسلامى؟.

أعتقد أن حكومة الفيليبين قدرت الموقف تقديرا سليما.. تماما كما فعل أنور السادات عندما ارتضى أن تكون الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل هى الوسيط «النزيه» بين مصر وإسرائيل.. ولسبب واضح وهى أن أمريكا تملك أوراق ضغط على إسرائيل قد لا يملكها أحد غيرها.

وكذلك قدرت الفيليبين أن المنظمة الإسلامية لديها من أوراق الضغط ما يؤهلها لهذا الدور، خاصة أن المنظمة الإسلامية التزمت بعدم تأييد أى نزعات انفصالية أو أى مطالب بالاستقلال كما أنها تدين العنف ضد المدنيين أيا كان مصدره ولا تجرى أى اتصالات مع الأقليات الإسلامية بدون علم الجهات الرسمية، وهذا ما حدى بالصين مثلا أن تقبل استقبال بعثة من منظمة التعاون الإسلامى على إثر اندلاع الاضطرابات فى إقليم شينجيانج ذى الأغلبية المسلمة فى الوقت الذى رفضت فيه قبول بعثة من الأمم المتحدة.

ويتوقف نجاح الوساطة الدولية على عوامل كثيرة وليس فقط على أوراق الضغط والعصا والجزرة، وفى أحد تقارير الأمين العام للأمم المتحدة المرفوع إلى مجلس الأمن تحدث عن شروط الوساطة الناجحة فذكر أن أهم شروطها هو التدخل المبكر قبل أن تتكاثر المجموعات المعارضة أو تنقسم وتتشرذم ويصبح من العسير إيجاد متحدث واحد باسمها، وكم من مرة سمعنا الطرف الحكومى فى عدة مناطق يقول: «نحن لا نجد من نتفاوض معه»، ولهذا السببب كان أول ما سعينا إليه هو توحيد صفوف المعارضة أو جبهات التحرير فى كيان واحد سواء فى الدول التى قمنا فيها بجهود الوساطة مثل الفيليبين وتايلاند أو فى غيرها مثل ميانمار.

وأحيانا كان من الصعب توحيد كيانات المعارضة تحت مظلة واحدة فلجأنا إلى العمل على تشكيل وفد موحد بين هذه الكيانات لغرض التفاوض مع الحكومة مع بقاء المنظمات وهياكلها على حالها وهذا ما حدث فى الفيليبين وأدى إلى استئناف مفاوضات السلام.

ومن عناصر نجاح الوساطة أيضا هو الوضوح الشديد فى إظهار المزايا التى سيحققها الطرفان من قبول الحل المقترح، وهناك شروط أخرى تعرضت لها فى ثنايا الكتاب، ومن الصعوبات التى واجهتنا فى هذا الشأن هو لجوء جميع الدول إلى دمغ حركات التحرير بالإرهاب بل وقدمت بعض قادتها إلى المحاكم ومنهم رئيس الجبهة الوطنية لتحرير مورو، ويستعرض الكتاب الجهود التى بُذلت لكى ينتقل هذا الشخص المدان من السجن إلى مائدة التفاوض، ويتصل بهذا الموضوع حل المعادلة الصعبة بين السماح بالإفلات من العقاب Impunity لمن ارتكب جرائم ضد حقوق الإنسان وبين مخاطر إفساد فرص السلام.

وقد أوضحنا فى اتصالاتنا مع الدول المعنية وجوب التركيز على جذور المشكلة The Root Causes، وقد تبنينا هذا المبدأ كأساس لحل جميع المشكلات ونجحنا فى الحصول من تايلاند على سبيل المثال على تعهد كتابى بالتصدى لجذور المشكلة.

وأخيرا فمن المهم توخى الحذر من مفسد الصفقة The Spoiler وهو الطرف الذى يشعر أنه قد نُحِّىَ جانبا ولم يخرج من الصفقة بأية مكاسب.

وقد وجدنا أنه من المفيد الاستعانة ببعض المنظمات الدولية غير الحكومية NGOS فهم غير مقيدين بالاعتبارات الرسمية وقد استعنا فعلا بمركز الحوارات الإنسانية ومقره جنيف Center of Humanitarian Dialogue (CHD) فى مشكلتى جنوب الفيليبين وجنوب تايلاند، وهذا المركز هو الذى نجح فى ترتيب مفاوضات السلام بين حكومة إندونيسيا والجبهة المتمردة فى إقليم آتشيه بشمال سومطرة.

• • •

أما أهم الدروس المستفادة التى استخلصناها من سنوات الوساطة الطوال فهى أن توقيع اتفاق السلام ــ فى حد ذاته ــ لا يعنى نهاية النزاع، بل يجب أن تستمر جهود الوساطة فى مرحلة تنفيذ الاتفاق والمساعدة فى التغلب على ما يواجهه من صعوبات، وهو ما حاولنا معالجته فى مشكلة الفيليبين وتعرضت له بالتفصيل فى ثنايا الكتاب.

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات