منذ حوالي عامين، سيطر مسلحو تنظيم ما يعرف بــ "الدولة الإسلامية" على مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية.
ومنذ ذلك الحين، بقيت جامعة المدينة مفتوحة معظم الاوقات، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عما إذا كان سبب ذلك هو لاضفاء لمسة ما عن سير الحياة في المدينة، أو أن الجامعة تُستخدم لتطوير الأسلحة، خاصة الكيميائية.
لكن ثمة شبكات سرية من طلبة وأساتذة جامعة الموصل، يسعون لكي يعرف العالم ما يحدث في جامعتهم بعد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" عليها، في ظل الأوضاع المتدهورة في المدينة.
ويتلقى هؤلاء الأكاديميون مساعدة من "صندوق إنقاذ الباحثين"، ومقره نيويورك، وهو تابع لمعهد التعليم الدولي، الذي أنقذ الأكاديميين في أوروبا من النازية اثناء الحرب العالمية الثانية.
وتحدث أكاديميو الموصل بشكل سري، عن مدينة يلفها العنف والخوف، وتعيش على وقع عمليات إعدام، ودوريات شرطة الأخلاق، ومحاكمات، وقصف جوي، ونقص متزايد في السلع، ومنع وسائل الاتصال.
الحياة اليومية في المدينة تمضي على ايقاع عمليات عنف للدلالة على هوية من يتحكم ويسيطر هنا.
وتذكر إحدى الروايات أنه أثناء عودة احد الاشخاص من رحلة تسوق في الموصل، استوقفهم مقاتلو التنظيم وأجبروه، مع غيره من المارة، على مشاهدة عملية قطع رأس "مخيفة ومفزعة".
كما تواجه المدينة خطر الغارات الجوية لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد التنظيم، إذ شهدت الموصل واطرافها 32 غارة جوية الاسبوع الماضي لوحده.
كيف تعمل الجامعة تحت سيطرة التنظيم؟
قال أحد المصادر من الموصل إن "الحياة في ظل تنظيم "الدولة الإسلامية" لها معنى وحيد؛ الخوف الشديد".
ثمة ثقافة من التجسس، والخيانة، والابتزاز، و"الإذلال" المتكرر.
"قتل أي شخص أمر شديد السهولة بالنسبة لهم (مقاتلي التنظيم). وتُصدر محاكمهم أحكاما خلال دقائق قليلة، ويُنفذ الإعدام في الحال".
وقال احد المصادر، شهد استيلاء التنظيم على جامعة الموصل في يونيو/حزيران 2014، إن "بعض الطلبة عملوا مع "الدولة الإسلامية" وبدؤا بالتجسس علينا".
وعُلقت الدراسة في أقسام مثل الأدب والفلسفة، كما أن المواد التي يرى التنظيم ان تتعارض مع افكاره الدينية تم القضاء عليها وازالتها
وتابع المصدر: "أحرقوا الكتب في المكتبة المركزية، ثم دمروا المواقع الأثرية. ولا قيمة لاي كتاب لا يعلي من قيمة الإسلام. كما قُتل كل الأكاديميين الذين كانوا على صلة بالغرب أو موالين للحكومة العراقية".
وتحولت الجامعة إلى تدريس مناهج تروج لحروب التنظيم. وخُصصت بعض المباني لإقامة المقاتلين الأجانب.
كما احتلت علوم الفيزياء الأولوية، وشجع التنظيم دراسة الطب، والصيدلة، والتمريض، وطب الأسنان لسد الفراغ الذي خلفه فرار الأطباء من المدينة.
ويلقى تدريس اللغات تشجيعا، كونها وسيلة للتواصل مع المقاتلين الأجانب، ولدعم الة الحرب الإعلامية للتنظيم.
أما الرياضة والتدريبات ، فأصبحتا تدريبا جهاديا على هيئة دروس عسكرية.
قطع الاتصال
وتخضع الموصل لحصار من قبل قوات البيشمركة الكردية، والجيش العراقي. وتقول المصادر إن التنظيم لجأ إلى إحكام قبضته وتقييد الاتصالات والحركة.
ويقول المصدر إن أفراد التنظيم "يفرضون المزيد من القيود على الاتصال عبر الانترنت. يطرقون الأبواب ويفتشون المنازل، ويطلبون نسخ من الملفات الإلكترونية، ويطلعون على الهويات لمعرفة من يملكون حسابات على الإنترنت. ومن يثبت تبادله للمعلومات مع آخرين يكون في خطر شديد".
ويواصل الناس الحصول على المعلومات من مواقع التواصل الاجتماعي، لكنهم لا يكتبون أي شيء من جانبهم.
وتلقى العاملون في الجامعة تحذيرات من تعرضهم للعقاب في حال عدم الإبلاغ عن نية زملائهم الفرار من المدينة. وتنتشر الأخبار عن سائقين يعملون عملاء مزدوجين لتسليم من يحاولون الفرار.
هل تُستغل الجامعة لتطوير السلاح؟
وثمة مخاوف من استخدام معامل الجامعة لتطوير الأسلحة، بما في ذلك عناصر كيميائية أو بيولوجية. وفي مارس/آذار، استهدفت غارة أمريكية حرم الجامعة، الأمر الذي أثار تكهنات بشأن طبيعة المواقع المستهدفة.
وانتشرت أنباء عن استهداف الغارة لكلية الهندسة الكهربائية، وقنوات الاتصال التليفوني، وابراج الاتصالات العسكرية، ومحطة راديو استُخدمت في الدعاية للتنظيم. كما قيل إن العميد السابق لكلية علوم الحاسب كان من بين القتلى.
لكن يشكك آخرون في قدرة الجامعة على تطوير أسلحة. وبحسب أحد المصادر، فإن "كل شيء متوفر، الأسلحة والذخائر تأتيهم من حول العالم، فلماذا يصنعونها؟"
ويشير البعض إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يستغل الجامعة بشكل عملي كمصدر منفصل وآمن للإمداد بالطاقة الكهربائية.
كما تشير تقارير إلى أن التنظيم ينقل مراكز أبحاث الأسلحة والمواد الحساسة من جامعة الموصل إلى المناطق السكنية. "وشاهدت ذلك منذ استيلاء التنظيم على المدينة، وتُنقل براميل مثيرة للشكوك وذخيرة من منزل إلى آخر كل يوم".
في حين يقول آخرون إن حجم البحوث العسكرية الجارية ما زال غامضا. "وبصراحة، لا أحد يعرف أي شيء. كل مختبرات الفيزياء والكيمياء والمواد الزراعية محاطة بسرية شديدة".
"مجاعة"
وقال أحد الأشخاص إن تنظيم الدولة الإسلامية "يخسر مقاتلين في أرض المعركة، ويفقد السيطرة على الطرق. كما أن المدينة تحت الحصار، وتستنزف مواردها. المدينة تشهد مجاعة".
ويبدو الوضع وكأن ادارة التنظيم للمدينة تتعرض لضغط متزايد، وتُستنزف أمواله، ويزيد أفراده عنفا وقمعا.
ويقول أحد المصادر إن "عمليات الإعدام في الساحات العامة والرجم تحدث بشكل يومي. لكن يصعب إحصاؤها لأن أحياء المدينة تبدو وكأنها جزر منفصلة".
وأُشيع مؤخرا تنفيذ أحكام إعدام بطرق بالغة القسوة، من بينها غطس الضحايا في احواض الاسيد.
وبحسب أحد المصادر، فإن المشكلة لها أوجه كثيرة "إذ تجتمع ظروف سيطرة التنظيم على المدينة، والجهل، والفقر. وينتشر الجهل بشكل سريع. والناس يعانون من ظروف صعبة، ومستعدون لاتخاذ قرارات بالغة الصعوبة. الأمر قد يصل إلى الانضمام إلى التنظيم أو التعاون مع أفراده، فقط للحصول على الخبز".
واغلب العراقيين الذين انضموا للتنظيم هم شباب ابناء المناطق الريفية، الذين يحتاجون لدخل ثابت، وقد يكونون من ضحايا الممارسات الطائفية على يد قوات الأمن العراقية. "ويسعى الكثيرون منهم الآن الى مغادرة التنظيم، لكنهم يعلمون أنهم سيقتلون على الفور".
وقُتل الكثيرون من مسؤولي المدينة وأعضاء مجالسها. كذلك الباحثون وعلماء الدين المعارضين للتنظيم تعرضوا إما للسجن أو القتل، وحل محلهم مؤيدون له، حيث يحكم القبضة على مساجد المدينة.
وفرض التنظيم عقوبات خاصة على النساء تطبقها دوريات شرطة الأخلاق في المدينة.
أما بالنسبة للمقاتلين الأجانب، الذي يمكن رؤيتهم في نقاط التفتيش، فيوصفون بأنهم "مغسولو الدماغ وسذج يؤمنون بوجود الخلافة. ويحاولون ترك انطباع جيد عنهم عن طريق ملاطفة الأطفال".
والدعاية هي عماد سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على الموصل. وتُعلق الأعلام السوداء في الأماكن العام، وتنتشر "المكاتب الإعلامية" للتنظيم في أحياء المدينة.
وبحسب وصف أحد المصادر، فإن المكاتب الإعلامية "أشبه بكشك صغير، به شاشات تعرض أفكار التنظيم، طريقة قتلهم للكفار. كما يوزعون أقراص دي في دي مجانية على الأطفال. ويتوافد الشباب والجهلاء لمشاهدة هؤلاء المقاتلين الاشداء".
ثقافة العنف
وتضيف المصادر أن "ثقافة العنف تسير في اتجاهين، وتمنع الناس من فعل أي شيء يناقض إرادة التنظيم. كما تخلق جيلا من المقاتلين الذين يتسمون بالعنف والجهل، فهم يعلمون بوجود الأطفال في أماكن تنفيذ أحكام الإعدام، ويريدون لهم رؤية هذه المشاهد".
"وعادة ما تنزوي العائلات ذات القيم والمباديء بعيدا عن عمليات الإعدام. لكن ثمة مخاوف من حدوث صدمة بعيدة المدى. وسيحتاج المجتمع إلى إعادة تأهيل نفسي، بجانب إعادة إنشاء المباني".
لحظة وصول التنظيم
وتصف المصادر لحظة وصول مقاتلي التنظيم بأنها كانت "أشبه بتسونامي نفسي. لم نعرف كيف نتصرف. ومع تقدم مقاتلي التنظيم في منتصف الليل، حاول الناس الفرار نحو اقليم كردستان العراق. كان الأمر مخيفا. اتكأت على جدار منزلي، وأنا أسمع طلقات النار والصراخ. كنت في حالة ضياع لمعرفتي بالأوضاع التي سنعيشها".
"الأمر كان دراميا، وهي أكبر حالة نزوح جماعي أشهدها في حياتي. أعداد هائلة من الناس والسيارات والأطفال وكل ما يمكن تخيله تحاول الهرب".
في انتظار الهجوم
ومدينة الموصل في حالة من الترقب لحدوث هجوم.
ويقول أحد المصادر إن المدينة تسودها "ثقافة الخوف والقمع، والناس يموتون ببطء".
وثمة تحذيرات من أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يستخدم الغارات الجوية "للوقيعة بين قوات التحالف والمدنيين في الموصل".
ويطالب البعض بتطبيق إجراءات طارئة لإخلاء المدنيين من المدينة. كذلك ثمة توقعات بحدوث قتال عنيف. "والموصل هي المعقل الأخير للتنظيم، وسيقاتلون في سبيلها حتى الرمق الأخير".
ويقول ألان غودمان، رئيس معهد التعليم الدولي إن الاتصالات مع الأكاديميين في الموصل تكشف عن "قصص مرعبة. ضع نفسك مكانهم. نسمع أن كل من يقطن في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم يعيش في خوف دائم".
وبحسب مارك أنغيلسون، رئيس صندوق إنقاذ الباحثين، فإن "الباحثين ليس أمامهم خيار آخر. يتعين عليهم إما الانصياع أو القتل".