مدينة مدمرة وكورونا وطقس متقلب.. كواليس ما وراء كاميرا «بطلوع الروح» - بوابة الشروق
الإثنين 19 مايو 2025 1:47 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مدينة مدمرة وكورونا وطقس متقلب.. كواليس ما وراء كاميرا «بطلوع الروح»

الشيماء أحمد فاروق
نشر في: الجمعة 6 مايو 2022 - 9:08 م | آخر تحديث: الجمعة 6 مايو 2022 - 9:25 م

يرى الجمهور عادةً عناصر العمل الفني مكتملة أمام عينيه، على الشاشة يتحرك الممثلون وسط ديكورات وأجواء صنعت خصيصا لهذا العمل، ولكن ما وراء هذه الصورة الكاملة يوجد عشرات الأيادي التي عملت خلف الكاميرا في الكواليس وصنعت هذا المشهد الذي يراه الجمهور للحظات على الشاشة، لكنه استغرق وقتا كبيرا أحيانا ليكون بكل هذه الدقة.

ومن الأعمال المعروضة مؤخرا وأحدثت جدلا واسعا على مستويات مختلفة، كان مسلسل "بطلوع الروح"، والذي دارت أحداثه في مدينة الرقة السورية -وفق الأحداث الحقيقية التي استوحى منها المؤلف محمد هشام عُبية قصته- لذلك كان يتطلب الأمر مجهود كبير لتحقيق صورة مماثلة لمدينة تعرضت للقصف في بلد أخرى.

في تصريحات خاصة لـ "الشروق" روى العاملون في مسلسل "بطلوع الروح" -في هذه السطور- كيف تخطوا عقبات إصابة بعض الممثلين بفيروس كورونا، وضيق الوقت، وتجهيز شوارع كاملة تعرضت للقصف وغيرها من الأشياء.

كيف أسس المسلسل للأحداث التاريخية؟

بدأت رحلة حديثنا مع الباحث والصحفي المصري علاء عزمي، متخصص في الجماعات الجهادية والتنظيمات المسلحة وجماعات الإسلام السياسي، والذي كان مسؤولا عن المراجعة التاريخية والعلمية والمادة التوثيقية والبحثية المستخدمة في أحداث المسلسل، على حد قوله.

 

No description available.

 

قال عزمي: "الأحداث تقع ما بين الفترة من فبراير وحتى أكتوبر 2017، وتحديدا يوم سقوط آخر مواقع تنظيم داعش، أي في فترة زمنية معروفة ومحددة شاهدناها جميعا عبر وكالات الأنباء، والمسلسل إن كان له خط درامي إلا أنه مغلف داخل إطار أحداث واقعية، سواء الشخصيات أو الأحداث، ودوري كان ضبط كل هذه التفاصيل، بداية من مراجعة السيناريو والحوار، بما يتناسب مع الطريقة التي يتحدث بها الدواعش، والآيات الدارجة على لسانهم، ومراجعة الملابس الخاصة بكل فئة –الأكراد وأهل الرقة والدواعش والمواطنيين- مع ريم العدل، ومراجعة الديكورات مثل شكل الشوارع واللافتات والسيارات، وملامح البيوت من الداخل، الفروق بين بيت أم جهاد وعمر وروح، وأيضا وضع المخارج الدرامية المناسبة مع الحلول الواقعية للتنظيم مثل المَخرج الذي وُظف لخروج روح من تطبيق حد الإعدام، وهذا العمل كان ثمار جلسات مكثفة وتكاد تكون يومية مع مؤلف العمل محمد هشام عبية سواء هنا في القاهرة أو بعد السفر للتصوير مع المخرجة كاملة أبو ذكري".

 

No description available.

 

وأضاف: "أقيمت جلسات عمل متعددة مع الممثلين، للتدريب على عدة أشياء، على سبيل المثال الطريقة التي يتكلم بها جلال العشري تختلف عن طريقة أحمد السعدني، ومختلفة عن طريقة محمد حاتم لأن اختلاف مرتبة الشخص في التنظيم وظروفه تؤثر على طريقته الخطابية، وبدأنا في كل هذا منذ شهر نوفمبر 2021، ومراجعة مستمرة مع المخرج المنفذ وسكريبت الإكسسوار والحركة".

 

No description available.

 

اعتمد عزمي في تقديم المادة البحثية والتاريخية للمسلسل، على أكثر من ركن، الأول كان خبرته العملية في هذا المجال الممتدة إلى 15 عاما، وثانيا الاستعانة بأفراد من أهل الرقة الذين عاشوا هذه الفترة، بتفاصيل كثيرة جدا، بالإضافة إلى مصادر موثوق فيها لجأ لها مثل الكتب وشهادات نقلها أشخاص كانوا ضحايا أومنتمين إلى داعش أو مقاتلين ومقاتلات قُبض عليهم، ومن الكتب التي لجأ إليها "كنت في الرقة.. هارب من الدولة الإسلامية"، "النساء والإرهاب دراسة جندرية" و"نساء في مخدع داعش"، "Empire of Fear: Inside the Islamic State" والإصدارات الإعلامية لتنظيم داعش مثل مجلة رومية ودابق وصحيفة النبأ الأسبوعية.

إصابة منة شلبي والسعدني وحاتم بكورونا.. معوقات لا تنتهي

ومن مرحلة البحث والتجهيز، إلى التنفيذ، كان حديثنا الثاني مع المنتج الفني شريف عطية، وهو حلقة الوصل بين الشركة المنتجة وأطراف العملية الإبداعية، ودوره هو تنفيذ وتسهيل أية معوقات تواجه التنفيذ، وتحقيق ما يراه كلا من المخرج والمؤلف على أرض الواقع.

قال عطية: "دورنا أنا وفريق الإنتاج إننا نحول ما تحلم به المخرجة كاملة أبو ذكري –المخرج عامةً- إلى واقع ملموس، أي نحول الورق المكتوب إلى أشياء مرئية، مرورا بكل المراحل، ترشيحات مواقع التصوير والمعاينات، والمكساج والتلوين والمونتاج، وأيضا الديكور والملابس بكل تفاصيله".

وتابع أن فريق الإنتاج ضم حوالي 15 فرد، 6 مصريين و7 آخرين ما بين سوريين ولبنانيين، وجميعهم بذلوا مجهود كبير لظهور العمل، على حد قوله.

وأوضح: "صعوبات التصوير كانت كثيرة ولكن أبرزها كان التصوير خارج مصر وكل ما يحيط بذلك من تفاصيل، وخاصة مع ضيق الوقت، فقد بدأنا في منتصف ديسمبر، وكان الأمر بمثابة تحدي أن نخلق أجواء مشابهة لمدينة الرقة في فترة 2017، والعمل مع مخرجة مثل كاملة أبو ذكري كان أيضا تحد آخر، لأنها لا ترضى بأي حلول بديلة أو غير مناسبة تريد الأشياء كاملة ومعبرة، لذلك حتى آخر يوم تصوير كنا نعاين مواقع، وكنا نكتشفها أثناء التصوير، لأن هناك أماكن تم اختيارها في شهر ديسمبر أو يناير وعند الاستعداد للتصوير فيها أصبحت ممتلئة بالثلج".

 

No description available.

 

تصوير المسلسل جرى في مدينتين لبنانيتين، 35% من مواقع التصوير كانت في بيروت، وحاولي 65% في بعلبك، على حد قول عطية، والذي وصف اختيار بعلبك بالجانب القاسي لفريق العمل، لأن المدينة لها طبيعة خاصة جدا سواء الطقس أو ظروف أخرى؛ ما أدى إلى صعوبة الوضع.

وقال: "كنا نحاول دعم بعض، وكانت بالفعل تجربة قاسية جدا، خاصة وأن التصوير استمر حتى 29 رمضان، والأمر زاد تعقيدا وقلقا بعد حادث اختطاف أحد أفراد الفريق، وظلت حالة القلق والخوف والإحباط حتى عودته".

ومن التفاصيل المرهقة الأخرى في التصوير، إقامة فريق العمل في مدينة أخرى تبتعد عن بعلبك لعدم ملائمة فنادق المدينة لعدد فريق العمل كله، وهي مدينة الزحلة، وروى عطية أن هذا الاختيار كان يكلف فريق العمل إجهادا فوق طاقته أحيانا، على سبيل المثال إذا كانت المخرجة ستبدأ تصوير 10 صباحا كان يجب أن يكون العاملين في المكان من الثانية بعد منتصف الليل لتجهيز المكان.

 

No description available.

 

الحلقة الأخيرة من المسلسل تأخرت في العرض على منصة شاهد والتي كانت تسبق العرض على شاشة التلفزيون، وعن أسباب هذا قال عطية: "عوامل كثيرة كانت السبب منها طبعا بداية التصوير المتأخرة، بدأنا 15 فبراير بدلا من 15 يناير، والإنجاز الذي حدث كان توفيق من الله، وسرعة وجودة فريق العمل وشركة الإنتاج الداعمة بشدة، بالإضافة لإصابة منة شلبي بكورونا ثم أحمد السعدني ومحمد حاتم، ما تسبب في تعطيل العمل".

 

No description available.

 

واستطرد: "من المعوقات الأخرى، الطقس الذي يتسبب في غلق الطرق أحيانا وتغيير ملامح مواقع التصوير مع الأمطار والثلوج، لذلك تم تسليم الحلقة 15 يوم 30 رمضان الساعة الثانية ظهرا تقريبا، كنا لا نستطيع النوم حتى ننتهي من العمل، وعندما بدأ عرض المسلسل ووصل لنا ردود الفعل في مصر منحنا بعض الأمل والطاقة للاستمرار".

الرقة أم بعلبك.. كيف بُنى ديكور المسلسل؟

ورغم أن الأحداث كانت تدور في مدينة سورية، إلا أن صناع العمل اختاروا لبنان بديلا، لعدة أسباب كان التصوير في سوريا صعبا، منها عامل الوقت الذي كان سيُهدر في الانتقال والتجهيزات والتصريحات الأمنية وإجراءات السفر، والفنانة إلهام شاهين تواصلت مع أشخاص في سوريا لتسهيل الأمر ولكن هذا الحل كان صعبا للغاية، وكانت لمهندسة الديكور نغم لبُس فضل كبير في خلق صورة مطابقة للواقع لا تشعر عند مشاهدتها بأي فرق، كما أن المخرجة كاملة أبو ذكري استغلت فترات التوقف والوقت عامةً في مشاهدة الكثير من الأفلام الوثائقية، وفقا لحديث عطية.

كان من المهم أيضا التحدث إلى مصممة الديكور اللبنانية نغم لبس، والتي أكدت كثيرا من التفاصيل المذكورة سابقا، وأخذتنا في جولة داخل شوارع مدينة الرقة التي بنيت خصيصا للعمل.

قالت لبُس: "في البداية كنت أعتقد أني لن أستطيع المشاركة في المسلسل بسبب ضيق الوقت، ولكن قررت أن أقرأ ما أرسل لي من السيناريو وبعد ما انتهيت قررت فورا الموافقة، السيناريو كان مغري جدا بالنسبة لي، لأنه يتناول قصة إنسانية عشناها جميعا وتابعناها، وأول اجتماع بيني وبين المخرجة كان رائعا، وجميعنا في الاجتماعات التالية طرحنا أفكارنا ورؤيتنا للعمل، وكان الأمر تحد كبير لتحويل ما أفكر فيه من مجرد خيال إلى واقع ملموس في الديكور الذي نصنعه، نوع المباني وشكلها والأحجار المستخدمة ومساحات الخضرة الموجودة بالمدينة".

من خلال البحث المكثف حددت "لبس" المناطق المشابهة لمدينة الرقة والديكورات التي صُنعت بألوانها، كل شيء كان مدروسا بدقة ليعبر عن دلالة معينة ولم يوضع اعتباطا، على حد قولها، وتم مراجعة عدد كبير من الوثائقيات المتاحة لمساعدتهم في التحضيرات، وأكدت معاينة الكثير من مواقع التصوير، لأن البيئة الصحيحة تضع الممثل في الأجواء سواء الرهبة أو الأمان وغير ذلك، حتى يستشعر ويعايش الشخصية التي يجسدها بشكل صحيح.

أما عن ديكورات المنازل، لماذا كانت مختلفة بالنسبة لكل شخصية قالت: "كل التفاصيل مدروسة بصورة دقيقة، لذلك كان يجب أن تختلف تفاصيل المنازل، على سبيل المثال منزل أهل الرقة مختلفة عن منازل الأجانب المقيمين في المدينة لأنهم استولوا عليها وجمعوا الأثاث من بيوت مختلفة تم نهبها، وأيضا أشكال بيوت قادة داعش تختلف على حسب مكانتهم داخل التنظيم، وبيت أم سعود كان يشبهها ممتلئ بالألوان والحيوية لأنه المتنفس الوحيد لروح داخل المدينة".

وكشفت "لبس" عن أن شكل المكان الذي كانت تُنفذ به (الحدود/ القتل) ورحلة روح في الطرقات المدمرة والمنازل المهدمة، كانت تحدٍ كبير، كيف يمكن صناعة مساحة كبيرة من الدمار في مدينة مثل بعلبك؟! وبعد تفكير طويل وجدت "لبس" المساحة التي تصلح لبناء ديكور كامل يعبر عن شوارع تعرضت للقصف، في منطقة قريبة من قلعة بعلبك، وعندما شاهدتها شعرت أن هذا هو الموقع المناسب، وعرضت الصور على المخرجة التي أيدت نفس الشعور، ورغم عدم مساندة عامل الوقت وضيقه الشديد، إلا أنهم استطاعوا بناء ديكورات كاملة لهذا المكان الذي يمثل رحلة روح من الإعدام إلى منزل عمر ثم محاولة الهروب مرة أخرى، وتم تعمير تقريبا ما يقرب من 9 شوارع فقط لهذه المشاهد.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك