الأصول التاريخية لاستخدام فزاعة معاداة السامية في كتاب جديد لمؤرخ بريطاني - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 7:44 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. هل تنجح خطة الـ21 بندًا لترامب في إنهاء حرب غزة؟

الأصول التاريخية لاستخدام فزاعة معاداة السامية في كتاب جديد لمؤرخ بريطاني

منى غنيم
نشر في: الجمعة 26 سبتمبر 2025 - 5:54 م | آخر تحديث: الجمعة 26 سبتمبر 2025 - 5:54 م


لم تكن نهاية الرايخ الثالث وهزيمة الزعيم النازى، أدولف هتلر، بمثابة نهاية لمعاداة اليهود، سواء فى ألمانيا أو فى بقية العالم، ولكن المؤرخ البريطانى ، مارك مازور ، رأى عبر صفحات كتابه الجديد الذى يحمل عنوان «حول معاداة السامية: كلمة للتاريخ» أن سقوط النازية جعل من الصعب على معاداة السامية أن تُطرح مجددًا كبرنامج سياسى مشروع أو «إيجابى»، على الأقل لعقود لاحقة.
وتعبر هذه الملاحظة الصادمة، التى تبدو وكأنها تعيد المحرقة إلى مجرد «ملف سياسات عامة»، فى الحقيقة عن رؤية «مازور» الأوسع؛ ألا وهى أن أشكال العداء لليهود يجب أن تُفهم فى سياقاتها السياسية والاجتماعية المختلفة، لا باعتبارها خطًا متواصلًا منذ الأزل.
وقدم الكاتب عبر صفحات الكتاب - الصادر عن دار نشر «بنجوين» والذى أشادت به الصحف العالمية فور صدوره على غرار «النيويوركر» و«الجارديان» - سلسلة من التمييزات الدقيقة التى تعيد النظر فى معانى العداء لليهود عبر العصور؛ حيث أوضح أن الكراهية لم تختفِ بعد عام 1945، لكنها خرجت من الخطاب السياسى المعلن، بعدما صار الجهر بها ثمنه مكلفًا انتخابيًا، وهكذا، تراجعت «المفاخرة بمعاداة السامية» من المجال العام، حتى وإن ظلت الكراهية كامنة.
وما ميز طرح «مازور» هو رفضه التعامل مع الظاهرة كامتداد أبدى من العبودية فى مصر القديمة إلى مذابح القرن العشرين؛ صحيح أن التاريخ ملىء بأمثلة اضطهاد اليهود، من المذابح فى العصور الوسطى، إلى المجازر القيصرية، وصولا إلى الإبادة النازية والاضطهاد السوفيتى والهجمات الإرهابية الحديثة، ولكن المؤلف أصر على أن كل مرحلة كانت نتاجًا لظروفها الخاصة سواء سياسية أو اقتصادية أو دينية، ومن هنا فهو يرى أن اختزال كل ذلك فى مصطلح واحد مثل «معاداة السامية» يفتقر إلى الدقة.
وقال المؤلف إن حتى تعريف «اليهودية» نفسه ليس بسيطًا؛ فاليهودية كدين ضاربة فى القدم، لكن اليهودية كهُوية اجتماعية وثقافية خضعت لتحولات عميقة، والمظاهر العلمانية الراهنة كانت ستبدو غريبة على المجتمعات المتدينة فى أوروبا ما قبل الحداثة، ومع ذلك فإن الطقوس الدينية القديمة ما زالت تمثل رابطًا قويًا حتى لليهود الملحدين، وهذه المفارقات تكشف التعقيد الذى يحاول المؤلف التعامل معه وهو يبحث عن تعريف أدق لمعاداة السامية.
وخصص المؤلف مساحة كبيرة للقرن التاسع عشر، لحظة ظهور مصطلح «معاداة السامية» فى ألمانيا، فى سياق صعود القومية وترويج نظريات «العلوم الزائفة» حول التفوق العرقى، وهنا شدد على ضرورة التمييز بين هذه المرحلة الحديثة التى شهدت تسييس العداء لليهود، وبين أشكال العداء السابقة، التى وإن كانت عنيفة، لم تتبلور كحركة سياسية منظمة.
ولكن التحدى الأكبر ظهر عندما وصل الأمر إلى تأسيس دولة إسرائيل؛ فحتى عام 1920، كان معظم اليهود يقيمون فى أوروبا، وبحلول 1950 انتقل مركز الثقل إلى الولايات المتحدة، أما اليوم فإن الأغلبية الساحقة منهم تعيش فى إسرائيل، حيث تقدّم حكومة قومية متشددة نفسها باعتبارها الممثل الوحيد للمصالح اليهودية عالميًا، وهذا التحول الجذرى فى المشروع الصهيونى لا يجد قبولا واسعًا بين يهود الشتات، ولا بين كثير من الإسرائيليين الليبراليين أنفسهم.
ومن هنا، حاول المؤلف أن يضع حدودًا واضحة بين النقد السياسى المشروع لسياسات إسرائيل وبين اللحظة التى تحول فيها النقد إلى فزاعة «معاداة للسامية»، فمن الممكن ـ كما يقول ـ إدانة مقتل المدنيين فى غزة، والمطالبة بالعدالة للفلسطينيين، دون الانجرار إلى نظريات مؤامرة قديمة ترى اليهود قوة عالمية متعطشة للدماء، أو الدعوة إلى محو إسرائيل من الوجود.
وأشار إلى أن كثيرًا من الإسرائيليين أنفسهم يخرجون فى تظاهرات ضد حكومة بنيامين نتنياهو، ولا يمكن اتهامهم بمعاداة السامية أو كراهية ذواتهم، رغم أن خصومهم من المتطرفين يرمونهم بذلك، وبعض هؤلاء المتطرفين ليسوا يهودًا أصلًا، بل إن ظاهرة مقلقة برزت مؤخرًا، تتمثل فى تبنّى قوميين من أصول غربية وأصوليين مسيحيين مواقف مؤيدة بشدة لإسرائيل، باعتبارها خط الدفاع الأول فى صراع حضارى ضد الإسلام.
وفى الختام، فإنه لا يمكن لكتاب واحد أن يغطى كل زوايا قضية بهذا العمق والتعقيد، ولكن «مازور» نجح فى أن يمنح القارئ أدوات لفهم معاداة السامية كظاهرة متغيرة وليست قدرًا أبديًا، وهو ما يجعل كتابه مساهمة بارزة فى النقاش الدائر حول معنى «اليهودية» والعداء لها عبر التاريخ وحتى يومنا هذا.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك