«روما».. تحفة العام السينمائية.. يكشف كيف نعيش عالما مجروح المشاعر - بوابة الشروق
السبت 25 مايو 2024 2:32 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«روما».. تحفة العام السينمائية.. يكشف كيف نعيش عالما مجروح المشاعر

خالد محمود:
نشر في: الخميس 29 نوفمبر 2018 - 11:10 م | آخر تحديث: الخميس 29 نوفمبر 2018 - 11:10 م

يعد فيلم المخرج المكسيكى الكبير ألفونسو كوران «روما»، أحد أهم المفاجآت الكبرى لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، بل لعام 2018، بما يمثله من حالة سينمائية متفردة وثرية مدهشة تمنح روحا فوق روح لعالم الأبيض والأسود الذى انتهجه المخرج الكبير، ليلقى بأبطاله فى منطقة إنسانية خالصة وشاهدة على عصر ذاق من الألم كثيرا لكنه يعيش.
أحداث الفيلم تدور حول «كليو» شابة من سكان المكسيك الأصليين تعمل خادمة، و«أديلا» زميلتها فى العمل وهى أيضا من أصل مكسيكى، تعملان لدى عائلة صغيرة من الطبقة المتوسطة فى حى روما.. وهناك «صوفيا» أم لأربعة أطفال، تحاول أن توائم حياتها مع غياب زوجها الممتد إلى أجل غير محدد، فى حين تواجه «كليو» أخبارا قاسية خاصة بها، تصرفها عن رعاية أبناء «صوفيا» الذين تحبهم كما لو كانوا أطفالها.. بينما تحاول أن تبنى إحساسا جديدا بالحب والتضامن بين الجميع، وذلك فى ظل سياق اجتماعى تتشابك فيه الطبقة الاجتماعية وأيضا الأعراق بشكل يظهر تباين المشاعر وأسلوب الحياة.
فى الأحداث تتصارع «كليو» وصوفيا بهدوء فى مواجهة المشكلات ومع التغييرات الجديدة التى تتسلل إلى منزل العائلة فى بلد يواجه مواجهة بين ميليشيا تدعمها الحكومة ومتظاهرين من الطلاب وهو الشق السياسى الموازى للحالة الاجتماعية التى صورها المخرج بنعومة رغم قسوة مردودها.
يأتى فيلم «روما» بدون شك مثيرا للإعجاب برؤيته الفنية الحيوية والعامرة بالأفكار وتقنياته أيضا، حيث يكشف ذكريات المخرج من الطفولة وشهادته على المجتمع من خلال الفيلم، فى شبه دراما لسيرة ذاتية مستوحاة من الأحداث التى عايشها «كوران» بنفسه، كطفل فى مدينة مكسيكو وبالتحديد فى مقاطعة كولونيا روما عام 1970، فهو لم يكن كاتبا ومخرجا للفيلم فحسب، بل أيضا مصورا سينمائيا لأنه أراد أن يكون هو عين الحكاية.
فى تتابع الأحداث ندرك بداية انهيار العلاقة بين الزوجين صوفيا وأنطونيو، حيث سافر فى رحلة عمل إلى كيبيك، وإنه ربما لا يعود، بينما الزوجة تحاول أن تحافظ على الأسرة بمشاعر الألفة والحب، وإذا كان كل ذلك لم يكن كافيا، فمدينة المكسيك نفسها سرعان ما تصبح مكانا خطيرا للعيش، كما تظهر فى الأفق التوترات بين الأثرياء أصحاب الأراضى وعمالها والتى تصل إلى منطقة صعبة وتتخذ مسار العنف.
روما يعود بنا إلى كلاسيكيات السينما العظيمة التى فجرتها موجة إيطالية، وكان من أجمل ما يميزه هو عالم الأبيض والأسود، فقد شاهدنا خلفيته المدينة الصاخبة بكل أنفاسها التى لهسنا وراء أيامها وأحلامها الذاكرة، والزمان والمكان يلعبان دورا مهما فى المسار النفسى لتلقى العمل.
الحوار كان نبيلا والأداء بارع، وتفاصيل السيناريو بمتوالياته يكتسب مذاقا كونه غارقا فى دراما تبدو أكثر واقعية من الواقع نفسه، وإن كانت تلك التفاصيل قد أثرت على إيقاع الفيلم بكثرة لحظات الهدوء والتأمل، لكنه فى الوقت نفسه كان يركز على التقاط التفاصيل الحميمية من الحياة الحميمية، لتشكل إحدى تحف كوران وخاصة الصورة التى حيكت ببالغ الدقة، بالإضافة إلى قصته الشخصية جدا للخادمة الشابة «كليو»، بينما قصة هجر الزوج كانت مجرد خلفية لقصة «كليو» نفسها، التى تؤديها ياليتسا أباريسيو ببراعة رغم أنها المرة الأولى التى تمثل فيها، كما نجحت مارينا دى تافيرا فى تمثيل دور الأم القوية التى تخفى ألمها قدر المستطاع، وهى قصة ليست بعيدة عن عالمنا، وهى أحداث مستوحاة من قصة امرأة حقيقية تدعى ليبو، التى استلهم منها المخرج شخصية «كليو»، وهى عاملة منزلية ومربية أطفال كانت تعمل لدى أسرة ميسورة تشبه كثيرا أسرة مخرج الفيلم، كما أن «روما» هو اسم الحى الذى تربى فيه المخرج كوارن، وفيه صورت مشاهد الفيلم أيضا كانت هناك العديد من المشاهد المؤثرة، منها مشهد صديق «كليو» وهو يتركها فى السينما، ويخرج دون أن يخبرها بأنه لا يعتزم العودة.
بعدها، نراها تجلس وحدها على رصيف الشارع ممسكة بمعطفه الذى تركه قبل خروجه، ويرتسم على وجهها الارتباك ثم خيبة الأمل، ولا تظهر عليها علامات الشفقة على الذات كعالم لا مكان فيه لمشاعر.
وفى مشهد آخر، وخلال زيارة «كليو» لأحد المستشفيات تقع هزة أرضية، وتلقى بعينيها بهدوء على حطام متساقط فوق حضانة أطفال، بينما يرينا المخرج أن هناك طفلا ما زال يتنفس.
وتبدو الصوررة على اتساعها وكأنها ليست فى حاجة لتوجيه أحاسيس المشاهد عدسة بحجم وينجح الفيلم بشكل مدهش فى خلق عالم فعلى يجتذبنا لحياة شخوص واقعية كالتى نلتقيها كل يوم؛ ومن ثم يتطلب شاشة كبيرة لإدراك جميع أبعاد هذا العالم.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك