فى «الاعتدال والممانعة» - يوسف الحسن - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى «الاعتدال والممانعة»

نشر فى : الأحد 1 مارس 2009 - 6:58 م | آخر تحديث : الأحد 1 مارس 2009 - 7:03 م

 نحتاج فى لحظات كهذه، إلى ما يتجاوز الثرثرة عن وهم اسمه «الاعتدال والممانعة» فى المواقف والسياسات العربية، فالتاريخ العربى الآن على تخوم حقبة حاسمة، ولحظات فاصلة لا تحظى باعتناء معظم النخب السياسية، وهى لحظات تضيع فى زحمة الغضب والانفعال، فضلا عن زحمة مشاهد فضائية، فيها نسبة الثقلاء والتسطيح شديدة الارتفاع.

لا حاجة لخبرة كبيرة، لتوصيف المشهدين الإقليمى والدولى، ففيهما حراك ساخن، ورياح عاصفة، وفى نهاية المطاف، على سبيل المثال، ستضع أمريكا ومعها إيران خريطة المنطقة على طاولة المفاوضات، وهى طاولة تشبه إلى حد كبير طاولة الشطرنج، للاتفاق على مناطق النفوذ وتقاسم المصالح، ولا أحد من العرب، معتدل أو ممانع، سيجلس حول الطاولة، لإسماع وتقديم حتى هواجسه، ولن تنفع دماء الشعبين العربيين فى فلسطين والعراق، وهى دماء غزيرة، فى شراء تذكرة لحفل طاولة الشطرنج، رغم أنها أثبتت أن الحلول من الخارج، فاشلة وخاسرة، لأن العيب الأساس فينا، «معتدلين وممانعين» ــ على حد سواء.

اختبار عسير، وربما مصيرى، أمام النظام العربى، الرسمى والمدنى الشعبى، لإعادة تقدير الموقف، وتصحيح النهج فى إدارة الصراع العربى ــ الإسرائيلى، بمراحله المختلفة، وما جرى على المسار التفاوضى منذ مؤتمر مدريد، وكل هذا الدمار والمذبحة فى غزة، مدعاة لليقظة، وتغليب العام والقومى على الحزبية والفصائلية وعقلية «القبيلة»، التى تحدث عنها أردوغان التركى فى دافوس.

الثرثرة المتواصلة حول «الاعتدال والممانعة»، والتلاسن السياسى بشأن هذا المفهوم، يصيب الإنسان العربى بالغثيان، ويهز النظام العربى فى مفاصله. لا «المعتدل» مستسلم، ولا «الممانع» متهور، وإنما هو وهم واختلاف على «زبيبة»، وصناعة أجنبية مغشوشة، صكتها كوندوليزارايس ذات يوم، ورسمت خطا وهميا على الخارطة العربية، وقسمت العرب إلى معسكرين متقابلين، وصدقنا هذا التقسيم والتخندق.

إن كل من يأخذ شكل «الدولة» ومضمونها، هو بالنتيجة يتحرك فى إطار الدبلوماسية الدولية، يفاوض ويناور ويخطب ويقيم التحالفات المرنة، حتى هؤلاء الذين يأخذون شكل «اللادولة»، يفاوضون ويناورون ويشاركون فى الحكم، وينصبون سيرك التحالفات فى الداخل والخارج.

وإسرائيل نفسها، تفاوض وتناور، ويدها على الزناد دوما، تتوسع على الأرض، وتفاوض فى آن. تضرب بإفراط وتتحدث عن المدنيين الأبرياء وعن القانون الدولى الإنسانى. لكن المنطق السائد على الضفة الأخرى، ضيق للغاية، شخصى وغير مسلح بأى مهارات أو معرفة بالمتغيرات.

وفى المحصلة، يمكن القول بلا تردد أن الفلسطينى وحده، لا يستطيع إدارة صراعه مع هذا العدو الشرس، مثلما لا يستطيع العربى، حتى لو «ركب» فصيلا فلسطينيا، أن يدير هذا الصراع، إدارة ناجعة.

القضية الآن، من أسف، بعد كل هذه التضحيات والتجارب فى السياسة والمقاومة، تعود إلى المربع الأول، وأصحابها من عرب وفلسطينيين، ينوبون عن جلادهم، وسارق حقوقهم، لاستكمال ما تبقى على قيد الأرض والاستقلال ومقومات الدولة.

جميعنا، ونحن لم نفرغ بعد من نقد المفاوضات ونتائجها، أو دفن الشهداء، نلتفت إلى بعضنا البعض، وليس إلى الجهة التى جاء منها كل هذا العدوان والاستيطان والتهويد والتهجير والدماء. كم من الموت، وكم من ضياع الحقوق والأرض، يحتاج القادة المتنازعون فى معسكرى الوهم، «الاعتدال والممانعة»، كى يكتمل نصاب الاختلال!

لا حاجة لخبرة كبيرة، للقول إنه مطلوب بإلحاح إعادة بناء حركة التحرير الوطنى الفلسطينى على أسس جديدة، بعيدا عن عقلية القبيلة (فتح وحماس)، وعن مناهج أثبتت فشلها، ووصفات شخصية، وتصنيفات لا تعرف كيفية بناء دولة ذات مؤسسات، ولا تفقه دروس التاريخ، فى التفاوض والمقاومة فى آن.

إن رفض «المقاومة» بالمطلق كارثة، ولا تقل مخاطره عن رفض «العمل السياسى»، الذكى صاحب الرؤية.

مطلوب بإلحاح، إعادة تقدير الموقف العربى وتصحيح مناهجه فى إدارة الصراع، فلسطينيا وعربيا، وفى إطار واع يضبط الخلافات العربية، والحراك الاجتماعى لخدمة المستقبل الواعد للجميع. ويلجم هذا التمادى فى التخندق، وراء مسميات ملتبسة، لا تنتج سوى أسبابا إضافية للعجز والإحباط والغلو.

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات