شبابنا والعدمية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شبابنا والعدمية

نشر فى : السبت 1 مارس 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : السبت 1 مارس 2014 - 8:55 ص

حادثتان فى منتهى الخطورة، شباب فى عمر الزهور يقرر أن يقوم برحلة سفارى فى منطقة جبلية وعرة يموت نصف الفريق (أربعة أفراد) نتيجة عاصفة ثلجية موت بلا مبرر، حادثة كان يمكن تجنبها بسهولة، والحادثة الثانية شاب فى عمر الزهور أيضا يفجر نفسه فى أتوبيس سياحى عند منفذ طابا يقل فوجا كوريا مات أربعة وجرح خمسة عشر وروع أكثر من ثلاثين شخصا، ترى ما الذى يجمع بين الحادثتين؟

فى عام 1984 كنت أدرس فى معهد دولى بسويسرا، وكان هذا المعهد فى الريف السويسرى، وكان الهدف من الدراسة هو التعرف على حضارات الشعوب على تنوعها لذلك كان المشاركون شبابا من معظم بلدان العالم وفى إحدى عطلات نهاية الأسبوع أعلنوا عن رحلة بعد 15 يوما لتسلق جبال الألب للتعرف على ملامح الحضارة الأوروبية وخاصة السويسرية على أن من يريد أن يشترك عليه أن يسجل اسمه خلال 48 ساعة، ولقد تعجبت كثيرا لأننا فى مصر نسجل للرحلة قبلها بـ48 ساعة أو على الأكثر 72 ساعة، إلا أنى بعد أن سجلت اسمى كان على أن اجتاز عدة مراحل من أهمها قياس الضغط وحالة القلب والعينين والقدمين وقدرتى النفسية والعصبية، وكنت أسخر من كل هذا وهم يفحصوننى بهذا الأسلوب لأنى كنت شابا قويا متفائلا محبا للحياة ثم جمعونا معا وألقوا علينا عدة محاضرات عن جبال الألب وتاريخها ومتسلقوها والصعوبات والأخطار.. إلخ، ثم عرضوا علينا أفلاما بهذا الشأن، وعندما جاء يوم التسلق كانت هناك تجهيزات وملابس خاصة، وبالطبع ذكّرونا أنه من المستحيل الوصول للقمة وأننا سنبيت فى مكان دافئ فى أكواخ فى الجبل وأننا سنمارس التزحلق على الجليد مع مدربين حتى للذين لم يختبروا ذلك من قبل لأن هذا جزء من حضارتهم، وقد صعد معنا محترفون فى التسلق هم فى نفس الوقت مدربون على التزحلق والإنقاذ يحملون معهم أدوات لقياس درجات الحرارة فى كل منطقة وأدوية وإسعافات أولية..إلخ، وبطبيعتى كمصرى أحسست أن هذا مبالغ فيه، وإنفاق لأموال بلا داعٍ ولست أنا فقط بل معظم القادمين من العالم الثالث كان لهم نفس الرأى، وقد تطوع البعض منا وسأل قائد الرحلة «لماذا كل هذا؟» وكانت إجابته بمنتهى البساطة أنه بدون كل ذلك تعتبر رحلة انتحارية.

•••

تسلقنا إلى ارتفاع محدد ومحدود ثم قال لنا قائد الرحلة إن على اثنين منا أن يعودا وعندما سألنا، قالوا من الواضح أن احتمالهما وقدرتهما الجسمانية على الصعود لا تؤهلهما للصعود أكثر من ذلك، وقد وافق واحد منهما، إلا أن الأوامر صدرت للاثنين وعادا فى رفقة اثنين من فريق القيادة، ذلك على الرغم من أن ما تبقى من رحلة الصعود كانت مسافة قليلة إلا أنهم كانوا يرون أن سلامة الإنسان أولوية مطلقة، ولقد كنت مقتنعا أن ما توافر من عوامل الأمان هو أكثر مما ينبغى لسنين طويلة حتى وقع حادث سانت كاترين، وقرأت أن هؤلاء الشباب لم يهتموا أن يعرفوا حالة الجو ولا طبيعة المنطقة، وأن الدليل الذى رافقهم كان عليه بخبرته أن يتوقع العاصفة الثلجية ولابد أنه لاحظ علاماتها لكنه ربما لم ينصحهم بالعودة وربما نصحهم ولم يستمعوا إليه. وهنا تذكرت قول قائد رحلة الثمانينيات أنه بدون كل هذه التجهيزات سوف تكون رحلة انتحارية. إن هؤلاء الشباب لم يكونوا يقصدون أن يموتوا أو يتألموا بل كان مقصدهم المتعة، لكن هل هناك دور للعقل الباطن فى هذا الشأن؟ هل الاندفاع فى مثل هذه الأمور بدون وعى وتجهيزات كافية يشير إلى العدمية؟ أو عدم الاهتمام بالحياة فى مجملها أو عدم النظر للحياة بكاملها كقيمة يجب الحفاظ عليها والانجاز خلالها لأجل من نحب ويحبوننا وهذه النوعية من البشر يستمتعون باللحظة بغض النظر عن النتيجة مهما كانت (يقول البير كامى رائد العدمية: إنه فى داخل الانسان تتصارع مقومات الحياة مع مقومات الفناء والعدمية هى اقتناع الإنسان بالفناء الحتمى أى الانحياز لعوامل الفناء التى بداخله لذلك يفضل الموت على الحياة ويتجه فى حياته وسلوكه دون وعى إلى ذلك).

•••

على نفس المستوى نرى شابا آخر اقتنع أن الموت هو طريقه الوحيد للاستمتاع بالحياة، لقد حرم هذا الشاب من متع الدنيا فقد بلغ الواحدة والعشرين من العمر ومن المؤكد أنه يشعر بقهر المجتمع له، فهناك من جيله من يستمتع بكل مباهج الحياة لأنهم أبناء موظفون فاسدون، أو رجال أعمال قذرون، وطبق‍ا لقياداته التى يطيعها طاعة عمياء، تربى على الحقد على الجميع، أقنعوه أن فى موته حياة له، وأنه بموته يرضى الله وسوف يجد نفسه بعد ذلك فى الجنة، حيث ما لذ وطاب من طعام وشراب وراحة ومتعة، لذلك عليه أن يقوم بعملية انتحارية ضد مجموعة من الكفار لا يؤمنون بالله يأتون إلى مصر رجالا ونساء لممارسة الفسق والرذيلة، فى بلد باع نفسه للشيطان لأنه رفض حكم الله ويريد حكما علمانيا وهو بتفجيره لجسده سوف يذكر كشهيد فى سبيل الله. وهكذا مضى الشاب لا يلوى على شىء فهو يذهب إلى الموت بقدميه مقتنعا تمام الاقتناع أنه يقوم برسالة لرفعة شأن الله والدين والأخلاق.

والفارق بين شاب طابا وشباب سانت كاترين أن الأول عدمى بعقله الواعى (على الأقل كان يعلم ماذا يفعل) أما الآخرون فكانوا يتحركون بالعدمية من خلال عقلهم الباطن والذين ضغطوا عليه بعقلهم الواعى وبشدة من خلال تطرفهم فى البهجة والمغامرة للاستمتاع بالحياة حتى الثمالة اندفاع دون حساب للعواقب. لقد ارتفع شباب مصر إلى عنان السماء بثورته ضد الفساد والظلم ونجح فى مهمته وطالب رؤساء العالم منهم أن يعلموا شبابهم لكن مرت ثلاث سنوات ولم يحصلوا على أى شىء يذكر مما ثاروا لأجله فهل اجتاحتهم العدمية؟ أتمنى ألا يكون ذلك كذلك.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات