مصر ودبلوماسية القمم - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 1:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر ودبلوماسية القمم

نشر فى : الأربعاء 1 أبريل 2009 - 7:07 م | آخر تحديث : الأربعاء 1 أبريل 2009 - 7:07 م

 
غاب الرئيس حسنى مبارك عن قمة الدوحة كما كان متوقعا، وحرصت دوائر شبه رسمية على أن تلمح إلى أن سلوك الرئيس مبارك ليس متفردا، وأن عددا من القادة العرب سوف يحذون حذوه من أبرزهم السلطان قابوس (الذى لا يحضر القمم عادة).

والرئيس عبدالعزيز بوتفليقة (المشغول بانتخابات الرئاسة فى بلاده)، والرئيس عمر البشير (الذى وصل بعد ذلك إلى الدوحة للمشاركة فى القمة)، والملك عبدالله الثانى ملك الأردن (الذى حضر القمة بدوره).

لم يكن القرار المصرى مفاجئا لأحد، فقد سبقه توتر شديد فى العلاقات المصرية ـ القطرية، بدا وكأنه أصبح ملمحا دائما لهذه العلاقات، وقد بلغ هذا التوتر ذروته إبان العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة حين اتهمت دوائر مصرية مسئولة قطر بالتحريض على مصر (من خلال قناة الجزيرة).

وتباهت الدبلوماسية المصرية بأنها نجحت فى حرمان قمة الدوحة التى عقدت بمناسبة ذلك العدوان من النصاب الذى يضفى عليها صفة القمة الطارئة بموجب بروتوكول دورية القمة الذى تمت الموافقة عليه فى قمة القاهرة فى أكتوبر2000.

وانعكست تداعيات هذا التوتر فى العلاقات بين البلدين على جهود المصالحة اللاحقة التى دشنها العاهل السعودى، فذكرت التقارير أن مصر قد اشترطت لحضورها قمة المصالحة الرباعية فى الرياض غياب قطر عن تلك القمة، ثم اتضحت مؤشرات مستوى التمثيل المصرى فى قمة الدوحة عندما غاب وزير الخارجية المصرى عن الاجتماعات الوزارية السابقة لانعقاد القمة.

والواقع أن ثمة شيئا يبدو غير مفهوم فى أزمة العلاقات المصرية ـ القطرية التى تمتد لأبعد من هذه الملابسات الأخيرة بكثير، وقد نذكر أن غياب مصر عن قمة الدوحة الاقتصادية الشرق أوسطية فى1997لم يكن مبعثه موقفا من المشروع الشرق أوسطى الذى دشنته اتفاقية أوسلو 1993بقدر ما كان سببه متعلقا بموقف مصرى من السياسة القطرية.

غير أن الأهم من ذلك بكثير ـ وهو الأمر الذى لم يلتفت إليه أى من التعليقات التى تناولت غياب القيادة المصرية عن قمة الدوحة ـ أن السلوك المصرى فى هذا الصدد أعم بكثير من حالة قمة الدوحة، فقد بات مميزا للسياسة المصرية تجاه دبلوماسية القمم العربية والأفريقية.

تكاد القمم العربية أن تكون قد بدأت كظاهرة مصرية، أو لنقل على نحو أدق مرتبطة بالسياسة المصرية، فقد استضافت أنشاص المصرية أول قمة عربية فى1946لمناقشة تعاظم الخطر الصهيونى على فلسطين، وعقدت القمة الثانية فى بيروت 1956للنظر فى بلورة موقف عربى إزاء العدوان الثلاثى على مصر فى تلك السنة، ثم أمسكت مصر الناصرية بزمام المبادرة فى دبلوماسية القمم فى معظم عقد الستينيات من القرن الماضى.

فدعا عبدالناصر فى نهاية 1963إلى قمة عاجلة فى القاهرة لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوقى الخطر الإسرائيلى على مياه نهر الأردن، وعقدت هذه القمة بالفعل فى يناير 1964، وتلتها قمة أخرى فى الإسكندرية فى سبتمبر من السنة نفسها، ثم عقدت فى السياق ذاته قمة الدار البيضاء فى السنة التالية.

ومن اللافت أن القمة الأولى التى عقدت بعيدا عن مبادرات السياسة المصرية كانت هى قمة الخرطوم فى أغسطس/سبتمبر1967التى دعا إليها محمد أحمد محجوب رئيس وزراء السودان آنذاك للنظر فى تداعيات الهزيمة العربية أمام العدوان الإسرائيلى فى تلك السنة، وكان عبدالناصر مترددا فى حضورها لاعتبارات مفهومة، غير أنه حسم أمره فى النهاية وحضرها.

وخرج منها بشرعية عربية جديدة كان أساسها الاستقبال الأسطورى الذى حظى به من قبل الشعب السودانى، وكان انسحاب عبدالناصر من قمة الرباط فى1969 إيذانا بفشلها، وبعد ذلك استعادت مصر زمام المبادرة فى دبلوماسية القمم بدعوة عبدالناصر إلى قمة عاجلة فى سبتمبر1970لوقف الاقتتال بين السلطة الأردنية والمقاومة الفلسطينية.

ويمكن القول بأن البصمة المصرية الواضحة على دبلوماسية القمم العربية استمرت فى النصف الأول من السبعينيات وصولا إلى قمة القاهرة فى1976، سواء بسبب الدور المصرى فى إنجاز حرب أكتوبر 1973، أو فى محاولة وقف تداعيات الحرب الأهلية فى لبنان التى تفجرت فى1975.

غير أن القمم اللاحقة منذ قمة بغداد فى1978وحتى قمة عمان فى1987شهدت غيابا مصريا تاما بسبب القطيعة المصرية ـ العربية التى نجمت عن سياسة التسوية السلمية التى اتبعها الرئيس السادات فى إدارة الصراع مع إسرائيل اعتبارا من زيارة القدس فى 1977، وعندما عادت مصر إلى البيت العربى بحضورها قمة الرباط فى1989وبغداد1990سرعان ما استعادت تأثيرها على دبلوماسية القمم العربية، خاصة بعد أن أزاح الغزو العراقى للكويت فى1990العراق كمنافس لمصر على قيادة النظام العربى.

وهكذا كان إيقاع القمم العربية فى العقد الأخير من القرن الماضى مصريا خالصا، فعقدت قمة أغسطس1990 فى القاهرة بمبادرة مصرية، واتخذت من القرارات ما أرادت لها السياسة المصرية أن تتخذه، الأمر الذى سبب انقساما عربيا هائلا.

ثم عقدت قمة 1996فى القاهرة أيضا بمبادرة مصرية لمواجهة تداعيات وصول نتانياهو إلى سدة الحكم فى إسرائيل، وكذلك قمة 2000 لدعم انتفاضة الأقصى، وفى تلك القمة ووفق على بروتوكول دورية القمة الذى نقلنا إلى مرحلة جديدة من الحضور المصرى للقمم العربية.

منذ أول قمة عربية دورية عقدت فى عمان 2001 وحتى الآن (قمة الدوحة 2009) عقدت تسع قمم غاب الرئيس مبارك عن أربعة منها، فإذا تذكرنا أن واحدة منها قد عقدت فى شرم الشيخ (2003) لكان معنى هذا أن الرئيس قد تغيب عن حضور نصف القمم التى عقدت خارج مصر.

ومن اللافت أن الظاهرة نفسها موجودة على صعيد القمم الأفريقية وإن يكن على نحو أوضح، فمنذ تعرض الرئيس لمحاولة اغتيال فى أديس أبابا عام1996وحتى قمة سرت فى 2004 لم يحضر أى قمة أفريقية، وبعد حضوره قمة سرت حضر القمة التالية لها فى أبوجا فى يناير 2005، وكانت أول قمة يحضرها فى دولة أفريقية غير عربية بعد حادث 1996.

وبعد ذلك حضر قمة ثانية فى سرت فى يوليو 2005، وتغيب عن باقى القمم منذ ذلك الوقت وحتى الآن عدا قمة أكرا فى يوليو2007، وقمة شرم الشيخ فى يونيو 2008 بطبيعة الحال.

غياب مصر عن قمة الدوحة قد يكون له إذن منطقه الذاتى، غير أن هذا يجب ألا يحرفنا عن مناقشة السياسة المصرية تجاه دبلوماسية القمم بصفة عامة، التى يبدو أن الغياب صار ملمحا من ملامحها، ولن نجد تفسيرا لهذا إلا فى أمرين: أولهما الاعتبارات الأمنية، وهى مهمة بالطبع، ولكن ليس إلى الحد الذى يمثل قيدا على الدور القيادى للدولة، ولها ضماناتها على أى حال.

والثانى الاعتبارات السياسية الناجمة عن خلاف سياسى مع الدولة المضيفة للقمة، كما حدث فى حالتى الغياب الأخيرتين عن قمتى دمشق والدوحة، وهذه مسألة تستحق النقاش، فالقمم ليست ملكا لمضيفيها، وقد حضر عبدالناصر فى1960 اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو على غير وفاق مع السياسة الأمريكية.

ولبى خصوم عبدالناصر جميعا دعوته للقمة فى نهاية 1963لأنهم وجدوا فيها مصلحة لهم، مع أن بعضهم كان هدفا لانتقاداته العلنية الحادة، وبادر عبدالناصر بالذهاب إلى جدة فى 1965 لتوقيع اتفاق حول اليمن مع خصمه اللدود الملك فيصل، بل لقد ذهب السادات إلى أعدى أعداء مصر ليعرض على قادتها السلام فى1977، وهكذا فإن الخلاف السياسى بحد ذاته ليس مبررا للغياب عن القمم.

من ناحية أخرى لعلنا لاحظنا أن البصمة المصرية الواضحة على دبلوماسية القمم العربية قد ارتبطت صعودا وهبوطا بدور مصر القيادى فى النظام العربى، وتبدى الدوائر المصرية المسئولة فى الوقت الراهن تمسكا شديدا بهذا الدور القيادى، وعليها إذن أن تناقش تداعيات الغياب المتكرر عن القمم العربية على الوظيفة القيادية لمصر فى النظام العربى. أما إذا كان ثمة شىء تحت سطح الأحداث لا يعرفه المواطنون العاديون من أمثالنا فقد آن أوان التصريح به كى تبدو السياسة العربية لمصر مفهومة من الجميع ومن ثم أكثر قدرة على اكتساب التأييد والشرعية.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية