عوائق تجديد الخطاب الدينى 28ــ غياب التخصص والاختصاص - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عوائق تجديد الخطاب الدينى 28ــ غياب التخصص والاختصاص

نشر فى : السبت 2 يوليه 2016 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 2 يوليه 2016 - 9:32 م

ــ1ــ


حينما تولى «محمد على» عرش مصر فى ظروف قلق وفوران، وكان الرجل كما تعرف الكافة مجرد مجند فى القوة العسكرية الألبانية ــ أحد البلاد التابعة للخلافة العثمانية ــ بل ويتفق الجميع على «أمية» الرجل سواء فى اللغة العربية أو فى أى لغة من لغات العالم، إذ لم يكن يتقن القراءة والكتابة بأى لغة! فكيف يقال إن هذا الرجل هو «بانى مصر الحديثة»؟! فإذا كان التغيير والتحديث تم فى عهده وباسم سلطته هو وعائلته إلا أن جميع أعمال تلك الحقبة كانت من صنع أوروبا خصوصا بريطانيا / فرنسا تخطيطا وتنفيذا ومتابعة وإعادة. وكل قراءة متأنية لتاريخ تلك الحقبة من (1805ــ1952) تثبت أن الغالبية الغالبة للرموز المتحركة على الساحة فى القصر أو فى الحكومة أو المؤسسات، كل ذلك ما هم إلا «عرائس» تتحرك حيثما تحركت الخيوط فى يد «المخرج» الأوروبى المتمثل فى وزارتى الحرب الفرنسية والإنجليزية ثم بيد السفيرين، وقد يرتفع صوت المخرج كما رأيناه فى فترة المراقبة الثنائية أو ينخفض كما نجد فى صناعة بطل أو نجم يتم فرضه على الساحة العامة.


ــ2ــ


بدأ السير فى تنفيذ نصائح مستشارى وزارتى الفرنسية والإنجليزية من خلال الاتصالات الخاصة مع الحاكم وحكومته، وقد ظهر التفصيل والشرح والبيان فى التقارير السنوية التى كان يكتبها سفراء الدولتين. وتلك التقارير موجودة ومترجمة وسبق نشر بعضها وأشهرها تقارير: السير ايفلين (لورد كرومر)، السير جورست، والسير كوتشنر وغيرهما (ارجع إلى تقارير السفراء فى المكتبات الكبرى). وقد بدأ محمد على معركة مع الأزهر أثناء معاركه مع المماليك حتى ينشغل الناس بالحرب الداخلية فتنصرف أذهانهم عما يفعله بالأزهر من: نفى لبعض كبار الشيوخ، والتدخل بترقية من لا يستحق وتأخير من يستحق فضلا عن اصطناع صف ثان من العاملين يوجهون ولاءهم للحاكم. فإذا أضفت إلى ذلك تكرار العبث فى «أوقاف الأزهر» التى تمثل الدخل الوحيد لجميع نفقات الأزهر (معلمون/ طلاب.. إلخ)! ومع ذلك الهجوم والتدمير فى هذا الجانب فنبدأ بإنشاء مؤسسات تعليمية حديثة تتمتع بنفقة الدولة عليها نفقة كاملة! فانظر الحصار المفروض على الأزهر والإغداق الممنوح لمدارس ومعاهد مستحدثة حتى تمثل ذلك فى إنشاء مدرستى القضاء الشرعى ثم دار العلوم ثم إقامة الجامعة المصرية ثم تعددت الجامعات والمعاهد ثم صودرت أوقاف الأزهر. ثم تحول علماء الأزهر إلى موظفى دولة.. وهكذا غفلت الدولة عن حقيقة كبرى هى: كلما أصبح الأزهر غير مقنع وغير كاف فتحت أبواب واسعة للتطرف والجهل وتداعياتهما الأليمة.


ــ3ــ


ومن السياسات المفهومة أن ترى الحكومة فى الوقت الذى تفتح فيه المدارس وتزيد النفقات فى أنحاء القطر، توارى مساوئها بإنشاء خمسة معاهد أزهرية خلال مائة سنة مثل معهد الإسكندرية، ومعهد أسيوط، ومعهد دسوق، ومعهد الزقازيق، والمعهد الأحمدى بطنطا لتظهر الحكومات أنها تعتنى بالأزهر. على أن تلك المعاهد قد نشأت متطورة فى مبانيها ومرافقها، دون تطوير فى المناهج أو المقررات التعليمية والأنشطة الطلابية فضلا عن الإثقال على الطلاب بالمقررات ليهرب الراغب ويذهب إلى مجال آخر، ومازالت تلك السياسات حتى توجت بإنشاء جامعة الأزهر 1933 والتى تولت تقسيم التخصصات الأزهرية إلى ثلاثة تخصصات.


ــ4ــ


قام السلطان (الملك) فؤاد الأول بافتتاح الكليات الثلاث لجامعة الأزهر والعمداء الثلاثة كانوا من بين أعضاء هيئة كبار العلماء ولا رياسة للجامعة بل تتبع الكليات مشيخة الأزهر مباشرة. وعند هذا المنعطف وقع الخطاب الدينى فى حلقة جديدة من حلقات «التطويق» و«الحصار»، فقد تم ولأول مرة تقسيم التخصص العلمى تقسيما عجيبا، فكلية أصول الدين تضم تخصصات فرعية هى: التفسير/ الحديث/ الفلسفة/ الدعوة. أما كلية اللغة العربية فهى بعيدة عن علوم الوحى، ومتفرعة لتخصصات: النحو والصرف/ البلاغة/ الأدب والنقد، ثم أضافوا إليها التاريخ! ثم الإعلام ثم فصلوا الإعلام فى كلية خاصة، وكل تلك التخصصات انقطعت صلتها سواء سواء بالقرآن أو الفقه. وكلية الشريعة تتولى دراسة الفقه أصولا وفروعا على اختلاف المذاهب.. 
لكن العجب أن جميع الخريجين من أى تخصص متاح لهم وظائف الخطابة والإمامة أو التدريس بالمعاهد والمدارس.. هكذا أيا كان تخصصه.. فهل ينتظر من هؤلاء خطاب دينى رشيد؟!

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات