صحيفة الخليج ــ الإمارات: المثقف العربى.. همومه وعطاؤه - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صحيفة الخليج ــ الإمارات: المثقف العربى.. همومه وعطاؤه

نشر فى : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:15 م | آخر تحديث : الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:15 م

نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب يوسف مكى بتاريخ 30 أغسطس تناول فيه هموم وضغوط المثقف العربى التى تحول بينه وبين عطائه الإبداعى، وضرورة تجاوز تلك الضغوط لتحقيق النهوض الفكرى... نعرض من المقال ما يلى.
يستعير هذا الحديث عنوانه من كتاب صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت، عام 1995، شارك فيه ثلاثة عشر كاتبا ومفكرا، من مختلف الأقطار العربية، وموّلته مؤسسة عبدالحميد شومان. وعلى الرغم من أن الكتاب صدر قبل ما يزيد على ربع قرن، فإن القراءات والتحليلات التى وردت فيه لا تزال مثيرة ومفيدة فى اللحظة الراهنة.
ليس من هدف هذا الحديث، الاستغراق فى تفاصيل بحوث الكتاب، فذلك ما يفوق طاقته بكثير، ولكن الاسترشاد بخلاصات بحوثه، فى مناقشة معاناة المثقف العربى، وكيف تثقل هذه المعاناة على العمل الإبداعى، الذى يفترض أن يؤديه.
المثقف العربى فرد من سائر أفراد مجتمعه، يتأثر بعاداته وتقاليده وثقافاته، ويحمل همومه، ويشاركه أفراحه وأحزانه، وليس هناك ما يميزه عن غيره، سوى تقدّمه فى الفكر والوعى، عن سائر أفراد مجتمعه. والكلام عن الهموم لا يعنى اختصاص المثقف فيها؛ بل مستوى ثقلها عليه دون غيره.
فى هذا السياق، يناقش المفكر الفلسطينى أنيس صايغ، موضوع هموم المثقف، فيوضح أنها ليست هموما خاصة لفئة معينة من البشر؛ بل هى هموم تلقى بثقلها على معظم الناس، لكن ثقلها ليس متساويا على الجميع، بمعنى أن ثقلها نسبى، وضغطها على المثقف أعلى بكثير منه على الآخرين. وبالمثل، فإن انعكاسات هذه الهموم على أداء المثقف، هى غيرها على عموم المواطنين.
فإذا أخذنا على سبيل المثال، مطلب الحرية، وهو من الهموم الدائمة للمثقف ليس فى مجالنا العربى فحسب؛ بل على المستوى العالمى، فإن أيا من البشر لا يستطيع، تحقيق ذاته، وأداء دوره الوظيفى والاجتماعى من دون الحصول، فى الأقل، على الحدود الدنيا منها. وكان هذا المطلب مبعثا لثورات وانتفاضات وأحداث تاريخية كبرى، منذ القدم وعلى مر العصور. لكن تأثير وجود هذا الهم، يضغط كثيرا على المثقف، أكثر من ضغطه على سائر أفراد المجتمع؛ لأن شرط العطاء والإبداع فى حالته هو توفر مناخات من الحرية تتيح لعمله النجاح.
ولذلك يمكن القول إنه فى اللحظات التاريخية التى تضيق فيها مساحات الحرية، تتراجع الثقافة والفكر، وتسود الخرافة والخزعبلات، ويضيع العلم الحق. ومن هنا، كان الربط فى عنوان هذا الحديث، بين الهم والعطاء. إن التميز فى هذا السياق، لا يعنى الاستئثار بالحرية؛ بل لكونها شرطا وظيفيا لازما، من غيرها يغيب الإبداع، وتغيب الرؤية الواقعية للمستقبل الأفضل، لكن التوق للحرية فى جوهره، يظل واحدا، سجلته أسفار الحضارة الفرعونية والإغريقية وحضارة ما بين النهرين، والحضارة العربية، بمعنى أنه كان ولا يزال مطلبا إنسانيا.
المثقف العربى الآن، يعانى همين رئيسيين: الأول هو الحرية، وقد أسهبنا قدر المتاح فى الحديث عنه، والمطلب الثانى هو مقابلة المتطلبات الأساسية للعيش الكريم. وقد تضاعفت أهمية ذلك فى السنوات الأخيرة، بحيث يمكن القول إن فئة المثقفين هم من أكثر الناس عوزا وحاجة بين الفئات فى المجتمعات العربية.
وقد اعتاد الفكر السياسى العربى أن يحمّل القوى الخارجية، مسئولية غياب الحقوق، ليس السياسية فحسب؛ بل والمعيشية أيضا، وذلك صحيح إلى حد كبير، لكن من شأن الاستغراق فى ذلك، إعفاء الذات الجماعية من تحمّل المسئولية، وبقاء الحال على ما هو عليه. فرفع سقف الحرية فى المجتمعات العربية، الذى هو شرط لازم لاستمرار عطاء المثقف، يقتضى بالدرجة الأولى، تكنيس المعوقات الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى، التفاعل مع الحضارة الإنسانية المعاصرة، والولوج فيها. لا بد من أن تكون من مهام المثقف، العمل على تجاوز العناصر المعوقة للنهوض فى مجتمعاتنا العربية، وهى مهمة عسيرة، لكنها ليست مستحيلة، وتحقيقها هو أقصر الطرق لتجاوز الهموم، وتحقيق الذات، والنهوض بالثقافة والفكر.
لا مناص فى ظل الأوضاع الصعبة التى يمر بها المثقف العربى، من عمل خلاق يجعل من التحدى عاملا محفزا للانطلاق، وتقديم عطاء وافر، أكثر غزارة، وأرقى مستوى، وأكثر قابلية للبقاء. وقد شهدنا مثل ذلك، فى ما خلّده التاريخ الإنسانى من فنون وآداب، وفلسفة وإنتاج فكرى، فى عصور معتمة وصعبة.
وأخيرا وليس آخرا، فإن الثقافة ليست شأنا راكدا ومحايدا. إنها صناعة الإنسان، ولن تكون ثقافة حقة، إلا فى حال التزامها بقضايا الإنسان وهمومه ومستقبله، وذلك يعنى تلازم الإبداع بمعايير أخلاقية ووطنية، وبما يعيد الاعتبار للمثقف العضوى، ولمقولة أن المثقف هو ضمير أمته.

التعليقات