الطريق إلى أوزبكستان.. استئناف الدور - مجدي زعبل - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 3:33 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الطريق إلى أوزبكستان.. استئناف الدور

نشر فى : الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 3 سبتمبر 2018 - 9:35 م

تمثل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لأوزبكستان نقلة نوعية فى الدور المصرى خارج حدود الإقليم، فهى تأتى أولا استجابة لنداء المصلحة الوطنية العليا فى أن تكون مصر فى قلب آسيا الوسطى دعما لجسور ثقافية وعلمية وحضارية ربطت ولاتزال بين قلبى عالمين شقيقين، وان تباعدت الجغرافيا، فكما أن مصر تمثل قلب أمتها العربية، فإن اوزبكستان تمثل قلب آسيا الوسطى بامتياز استنادا إلى الإرث الثقافى والعلمى والحضارى الذى قدمه نخبة من علمائها الأفذاذ «ابن سينا والفارابى والبيرونى والرازى والخوارزمى والزمخشرى والفرغانى والإمام البخارى والقفال الشاشى وابى منصور الماتريدى والترمذى وبهاء الدين نقشبند. ثم إن الزيارة تأتى ثانيا امتدادا وإنعاشا للدور المصرى فى اوزبكستان حيث كانت مصر من أوائل الدول التى اعترفت باستقلال اوزبكستان فى 26 ديسمبر عام 1991 (بعد أقل من أربعة أشهر من إعلان الاستقلال فى 31 اغسطس 1991)، وتم تدشين العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فى يناير 1992 وافتتاح السفارة المصرية والمركز الثقافى المصرى «مركز العلوم والتعليم المصرى» عام 1993. وهو المركز الثقافى العربى الوحيد فى العاصمة الأوزبكية طشقند.
من ناحية أخرى فإن الزيارة تؤكد حرص مصر على التفاعل مع ــ والاقتراب من ــ البلدان الإسلامية التى استقلت بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ضمن الدوائر الطبيعية للدور المصرى للتعاون مع الشعوب الإسلامية الشقيقة. وأخيرا تفتح الزيارة الطريق إلى المستقبل بوعى الحاجة الملحة والضرورية لتعاون اقتصادى شامل يتوازى ويتوازن مع المضمون الثقافى والحضارى الذى يمثله الإرث المشترك لكلا البلدين وهو ثقيل وغنى بالمضامين الثقافية والعلمية والحضارية والأثرية والفنية، ويمثل الحاضنة الأهم فى العلاقة بين البلدين، أو إن شئت قل إنه البوابة الذهبية لنمو وتطوير وتأطير العلاقات المشتركة.

قراءة «بنظرة طائر» على أوضاع أوزبكستان بعد الاستقلال.
بعد الاستقلال مباشرة وضعت القيادة الأوزبكية بقيادة الرئيس الراحل إسلام كريموف رؤية لبناء الوطن الأوزبكى تنطلق من الإيمان بهوية حضارية متميزة للأمة الأوزبكية ويتشكل جوهر هذه الهوية من عنصرين أساسيين الأول هو الإسلام بما يمثله من عقيدة وحضارة، والعنصر الثانى هو الاعتزاز بالقومية الأوزبكية كانتماء حضارى وتاريخى حاكم. ولقد صاغت القيادة الأوزبكية رؤيتها فى 5 بنود على النحو التالى:
1ــ أولوية الاقتصاد على السياسة بما يعنى أن الاصلاحات الاقتصادية ينبغى أن تتحرر من القيود الايديولوجية.
2ــ الدولة هى من يقود الإصلاح والتنمية، وتحديد الأولويات الحيوية واتجاهات الاصلاح ومراحله.
3 ــ الالتزام بالدستور وسيادة القانون.
4 ــ ضمان الحماية الاجتماعية خاصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة وأصحاب المعاشات والأسر متعددة الأبناء.
5 ــ التحول التدريجى لآليات السوق.
على هدى هذه المبادئ تم تحقيق «النموذج الأوزبكى للتنمية» وجرى تغيير جذرى للهياكل الاقتصادية وتم وضع أسس التنمية المستقلة. وخلال أقل من عشر سنوات بعد الاستقلال ارتفع النمو الاقتصادى 5.5 مرة وارتفع حجم الناتج المحلى الاجمالى للفرد الواحد 4 مرات. لقد أدى النمو الاقتصادى والادارة الرشيدة خلال فترة ما بعد الاستقلال ــ وأهمها عدم اللجوء إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية برغم تقديمها إغراءات كبيرة فى هذا الصدد ــ إلى عدم تأثر البلاد بموجات الأزمة المالية العالمية فى العام 2008.
لقد تجاوز حجم الاستثمارات التى تضخ سنويا نسبة 23% من الناتج القومى المحلى وهذا معناه اتاحة الفرصة لتوفير قواعد راسخة للنمو الاقتصادى فإذا علمنا أن المؤشر المذكور فى الولايات المتحدة يمثل 15% وفى بلدان منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى يمثل 20% فإن هذا يؤكد جدارة الاقتصاد الأوزبكى وصحة توجهاته الكلية نحو الاستثمارات التى وجهت إلى قطاعات واعدة مثل: صناعة السيارات وكيماويات البترول والغاز والنفط وصناعة الماكينات وصناعات مواد البناء الحديثة وصناعة قطارات السكك الحديدية والمواد الالكترونية الاستهلاكية وصناعة الدواء وصناعة المواد الغذائية والمنسوجات وتصنيع الماكينات الزراعية بالتعاون مع شركات رائدة فى هذا المجال مثل «كلاس» و«كيس نيو هولاند» و«ليمكين»، وتم إقامة صناعة تكنولوجية عالية الجودة لإنتاج الجرارات الزراعية الحديثة.
وفى الوقت الراهن فإن أكثر من 65% من حجم الانتاج الصناعى يتمثل فى المنتجات التى تصنع من الصفر وبقدرة تنافسية عالية فى الاسواق العالمية وتتمتع بالقيمة المضافة العالية للاقتصاد الوطنى.. كل هذه المجالات متاحة للتعاون مع الجانب المصرى.
والسؤال المهم فى ضوء هذه المعطيات هو ماذا تريد مصر من اوزبكستان؟
أولا: تريد مصر اعادة فتح المركز الثقافى المصرى لأنه يمثل روح العلاقة بين البلدين وعنوانها الأبرز. ولعب المركز دورا ناهضا فى دعم وتطوير العلاقات العلمية والثقافية بين البلدين طوال ما يزيد عن عشرين عاما وهنا نذكر على وجه التخصيص «المبادرة المصرية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها»، وهى المبادرة التى تخرج منها آلاف الطلاب يجيدون اللغة العربية إجادة تامة فضلا عن افتتاح مراكز مصرية لتعليم اللغة العربية فى 12 جامعة ومدرسة فى العاصمة طشقند وامتد النشاط إلى سمرقند وبخارى ونامنجان واورجانش. وفى مجال توقيع الاتفاقيات العلمية والثقافية فقد اشرف المركز على توقيع أكثر من ثلاثين اتفاقية وبروتوكول تعاون بين الجامعات المصرية والأوزبكية فى مجالات: الطب البيطرى والطب البشرى والفنون الجميلة والعمارة والتصميم والأدب والآثار والمخطوطات. كما ساهم المركز فى دعم البحث العلمى فى مجال الأدب العربى حيث تم إنجاز عدة رسائل علمية (ماجستير ودكتوراه) فى جامعة الاستشراق بطشقند عن أعمال كل من نجيب محفوظ وألفريد فرج وادوارد الخراط وجمال الغيطانى ويوسف القعيد.
ثانيا: انشاء المركز التجارى المصرى فى العاصمة طشقند كمقدمة لإحلال وتوطين الصناعة المصرية فى أوزبكستان ومنها يمكن الانطلاق إلى عموم آسيا الوسطى. ولكاتب هذه السطور تجربة مهمة فى محاولة توطين صناعة الجلود المصرية فى أوزبكستان عام 2007.
ثالثا: ضرورة تدشين خط طيران مباشر بين البلدين ضمن رؤية استراتيجية حاكمة وليست فقط رؤية تجارية خاضعة للمكسب والخسارة لأنه لن يكون هناك ــ إن شاء الله ــ سوى مكاسب جمة (توجد خطة تفصيلية فى هذا الجانب).
رابعا: تطمح مصر بالضرورة إلى أن تكون جزءا من منظومة التعاون مع منظمة شنغهاى وكذلك مجموعة البريكس ووجود علاقات مصرية مع أوزبكستان ومختلف دول آسيا الوسطى تقدم فرصا جادة لبلوغ الهدف.
خامسا: السياحة بين البلدين هى السياحة الثقافية الدينية فى الأساس وكلا البلدين يعتبران مخازن كبرى للآثار الاسلامية خاصة المتصوفة فى مصر يمكنهم زيارة أضرحة رموز الطرق الصوفية فى أوزبكستان (تبنت جمعية الصداقة مبادرة بهذا الشأن بين الشيخ عبدالهادى القصبى والسفارة الأوزبكية بالقاهرة).
سادسا: الحديث عن طريق الحرير الجديد(الطوق والطريق) والتداخل بين الدوائر الآسيوية والاسلامية والإفريقية يمكن أن تضع مصر كأحد أقطاب هذا المشروع المستقبلى الطموح.
ا.د. مجدى زعبل ــ رئيس جمعية الصداقة المصرية الأوزبكية ــ المستشار الثقافى ومدير المركز الثقافى المصرى بأوزبكستان سابقا

مجدي زعبل أ. د. مجدي زعبل ــ رئيس جمعية الصداقة المصرية الأوزبكية ــ المستشار الثقافي ومدير المركز الثقافي المصري بأوزبكستان سابقا
التعليقات