صناعة الكوميديا في عصر الذكاء الاصطناعي - صحافة عالمية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صناعة الكوميديا في عصر الذكاء الاصطناعي

نشر فى : الأحد 3 سبتمبر 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الأحد 3 سبتمبر 2023 - 8:35 م
تظاهر العديد من كتاب الكوميديا الأمريكية فى شهر مايو الماضى، للمطالبة بتحسين أحوالهم المادية والوظيفية فى ظل وجود أنظمة الذكاء الاصطناعى.. إذ يخشى كتاب السيناريو من احتمالية خسارة وظائفهم فى ظل وجود تقنيات الـ AI. فى ضوء هذا، نشرت جريدة «فايننشال تايمز» مقالا للكاتبة جيليان تيت، تناولت فيه محاولة بعض الفرق الكوميدية الأمريكية الاستعانة بالروبوتات فى العروض الفكاهية لإضحاك الجماهير، مما يثير تساؤلا، هل تستطيع الأدوات المؤتمتة تقديم عروض كوميدية تماما مثل البشر؟ لذلك، أشارت الكاتبة إلى احتمالية ظهور فئة جديدة من الوظائف مستقبلا، ألا وهى صانع الكوميديا بالاشتراك مع الذكاء الاصطناعى... نعرض من المقال ما يلى:

بداية، تعج الشوارع المحيطة بمحطة جراند سنترال فى نيويورك، بالأشخاص مع ظهور جو توبلين، أحد أفضل كتاب الكوميديا التلفزيونية فى المدينة، البالغ من العمر 69 عاما، يرتدى السراويل الرياضية الفضفاضة وقبعة الشمس وقميصًا أبيض قائلا: «نقابة الكتاب فى حالة إضراب!»، ويضيف توبلين «نحن نتظاهر»، موضحًا أنه يعتصم مع أعضاء نقابة الكتاب الأمريكيين «WGA» أمام استوديوهات NBC فى روكفلر بلازا.

صراحةً، هناك تطور ملفت للنظر فى حبكة القرن الـ21 للكوميديا، حتى مع مخاوف الاتحاد من أن الاستوديوهات قد تستخدم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعى لخفض الوظائف، فإن توبلين نفسه يتبنى تقنيات الذكاء الاصطناعى التوليدى ــ من أجل الضحك.

للتوضيح، عندما طور العالم البريطانى آلان تورينج، فى الخمسينيات من القرن الماضى، «لعبة التقليد» ــ التى عُرفت فيما بعد باسم «اختبار تورينج» ــ لمعرفة ما إذا كانت أجهزة الكمبيوتر تستطيع إقناعنا بأنها قادرة على التصرف مثل البشر، حذر من أنه سيكون من الصعب للغاية على الآلات اجتياز هذه اللعبة من خلال إظهار روح الدعابة. والسبب هو أن الكوميديا تعد مثالا بليغا ومعقدا للثقافة الإنسانية، والتى ــ على عكس لعبة الشطرنج ــ لا يمكن تعريفها منطقيا بسهولة. وكما كتب تونى فيل، عالم الكمبيوتر الأيرلندى، فى كتابه «ذكاؤك هو أمرى»، فإن النكتة «مثل خدعة سحرية»، لأنك عندما تشرحها ببرود، فإنها تتوقف عن العمل.
لكن توبلين يعتقد أن التطورات الأخيرة فى مجال الذكاء الاصطناعى، من النوع الذى أدى إلى ظهور أدوات مثل ChatGPT، تخترق الآن هذه الحواجز والتحديات. فمثلا، شهد مهرجان إدنبرة هذا الشهر عروضًا لا يضحك فيها الكوميديون على الروبوتات فحسب، بل يضحكون معها.
توضح الكاتبة أن الكوميديا تنشأ من كيفية استجابة البشر لمخرجات الذكاء الاصطناعى، ومن لعبة يخمنون فيها ما هو بشرى أم لا، وهذا هو اختبار تورينج الحديث.

لكن هل يمكن لهذا التقليد أن يجعلنا نضحك حقا؟ أم يمكن اعتبار هذه الأدوات المؤتمتة هى النسخة الكوميدية من موسيقى المراهقين السطحية، التى سرعان ما ستفقد بريقها وتصبح مملة فيما بعد؟ إذا تمكنت الروبوتات من اختراق هذه القلعة الثقافية البشرية، فإن فكرة التُميز البشرى برمتها تواجه خطرا حقيقيا.

• • •

فى سياق متصل، النكات تلخص تعقيد المياه الثقافية التى نسبح فيها جميعًا. بمعنى أوضح، اسأل نفسك: لماذا بالضبط تضحك على أى شىء؟ فى اليونان القديمة، اعتقد الفيلسوف أفلاطون أن السبب فى ذلك هو أن النكات تعكس وتعيد إنتاج التسلسل الهرمى الاجتماعى: فالأشخاص الأقوياء يحبون الضحك على الضعفاء.
ومع ذلك، اعتقد فيلسوف القرن التاسع عشر آرثر شوبنهاور، بدلا من ذلك أن «سبب الضحك فى كل حالة هو الإدراك المفاجئ لـ«التناقض»، أى الرغبة فى التوفيق بين التناقضات الموجودة دائمًا فى خرائطنا الثقافية. يتفق العديد من علماء النفس المعاصرين مع هذا الرأى، حيث ينظرون إلى الفكاهة كأداة تطورية لحل التوتر والموضوعات المثيرة التى نتجاهلها عادة، أو الصمت الاجتماعى.

الشىء الوحيد الذى يتفق عليه جميع طلاب الفكاهة تقريبًا هو أن النكات تقوى الروابط بين الأفراد. يعود السبب إلى أن الكوميديا تعتمد عادة على افتراضات مشتركة، وإن كانت فى كثير من الأحيان نصف مخفية. وبالتالى فإن ما تجده مجموعة مضحكة، لا تراه مجموعة أخرى ــ مما يعنى أنك إذا فهمت المراد من النكتة، فأنت من المطلعين على بواطن الأمور، وإذا لم تفعل ذلك، فأنت لست كذلك. فالضحك يعتمد على السياق.

وهذا يجعل الأمر صعبًا على الروبوتات، أو هكذا كان يبدو. عندما تطور مجال الذكاء الاصطناعى فى النصف الثانى من القرن العشرين، بحث العلماء عن قواعد متسقة حول كيفية عمل الفكر البشرى، والتى يمكن تكرارها عبر تسلسل من الرموز. يعمل هذا النظام الرمزى بشكل جيد نسبيًا فى معالجة المشكلات المنطقية والعالمية، لكن الأمر يختلف مع الثقافة الإنسانية.

إذن، مع أن العلماء كانوا يحاولون استخدام أجهزة الحاسوب لتوليد النكات منذ فترة ــ ويدعى هذا المجال الفكاهة الحسابية ــ إلا أن النتائج كانت ضعيفة جدا.. إذ تقتصر على التورية. لكن حدث تحول كبير مؤخرًا فى كيفية عمل أنظمة الذكاء الاصطناعى. يعد أحد الأسباب فى هذا التحول، هو تطوير باحثى جوجل براين Google Brain فى عام 2017، شكلا جديدًا من الذكاء الاصطناعى يستخدم ما يسمى بالمحولات لمراقبة ما يفعله البشر على نطاق واسع، عبر البيانات (أو «نماذج اللغة الكبيرة»)، ثم يستخدم التحليل الإحصائى لتكراره.

النقطة الأساسية التى يجب فهمها هى أنه فى حين حاولت أنظمة الذكاء الاصطناعى القديمة تقليد الفكر البشرى من خلال إنشاء مجموعة عالمية من القواعد المنطقية المصنوعة بشريا، فإن الذكاء الاصطناعى الإحصائى يحاكى ببساطة الأنماط التصاعدية التى يلاحظها، حتى لو بدت غير منطقية ــ مثل طفل يتعلم لغة، أو أجنبى يحاول التأقلم مع ثقافة جديدة.

لكن هل هذا يعنى أن الروبوتات يمكن أن تكون مضحكة؟ قبل بضعة أسابيع، ذهبت الكاتبة إلى حانة عصرية فى بروكلين لمعرفة ذلك. كان هذا المكان المظلم الصاخب، المليء بجيل الألفية، يستضيف عرضًا قدمته فرقة من خبراء الذكاء الاصطناعى الذين تحولوا إلى فنانين كوميديين المعروفين باسم ComedyBytes، والتى تشكلت فى أواخر العام الماضى. تضع هذه الفرقة إنسانًا واحدًا فى مواجهة روبوت يستخدم إحدى أنظمة الذكاء الاصطناعى مثل ChatGPT. هذا النوع من العروض لا يحدث بعفوية وتلقائية مثل العروض البشرية. حيث تدرب فرقة «كوميدى بايتس» ComedyBytes الروبوتات الخاصة بها عن طريق إدخال الرسائل النصية إلى ChatGPT، واختبار استجابة الروبوت لهذه الرسائل، ثم تنسيق النكات والتفاعلات المضحكة. بالمعنى الدقيق للكلمة، لا يتم كتابة الأداء، لأنه لا أحد يعرف بالضبط كيف سيستجيب الروبوت للأمر، ومع ذلك لا يتم العرض عشوائيًا مثل المحادثة البشرية.

فى بعض الأحيان، يتم انتهاك حقوق الملكية لبعض المشاهير من خلال تدريب هذه الروبوتات باستخدام أقوال وأعمال منسوبة لأشخاص بعينها، مثلا الممثلة الكوميدية سارة سيلفرمان. حيث انضمت سيلفرمان مؤخرًا إلى الدعاوى القضائية الجماعية ــ مع اثنين من المؤلفين ــ المرفوعة ضد OpenAI وMeta بسبب انتهاكهما المزعوم لحقوق الطبع والنشر لأنهما استخدما كتابها لتدريب أدوات الذكاء الاصطناعى الخاصة بهما. وفى حين أن نتيجة هذه الدعاوى لا تزال غير واضحة، فإن التحديات القانونية مثل هذه قد تؤدى فى النهاية إلى قص أجنحة عالم كوميديا الذكاء الاصطناعى، تمامًا كما تهدد استخدام الذكاء الاصطناعى لإنشاء الموسيقى.

إذا كان الأمر كذلك، فإن هذا ينطوى على نتيجتين إضافيتين: أولا، قد لا يكون الذكاء الاصطناعى هو الذى يدمر وظائف الكتّاب؛ وبدلا من ذلك، يمكن للآلات أن تكون بمثابة مساعدين لهم. ولهذا السبب، لا يرى توبلين أى تناقض فى حقيقة أنه يعمل على تطوير أدوات الذكاء الاصطناعى الخاصة به ــ والمشاركة فى إضراب نقابة الكتاب.

ثانيا، بقدر ما يبدأ البشر والروبوتات فى إلقاء النكات معًا، فقد يساعد هذا فى بناء بعض الجسور بين الجمهور والتكنولوجيا. بعد كل شىء، إذا كانت الكوميديا واحدة من الأشياء التى تعكس إنسانيتنا وتحددها، فقد يكون من الأسهل على الناس قبول أدوات الذكاء الاصطناعى إذا كانت بارعة ــ خاصة عند التعامل مع المهام التى تتطلب التعاطف، مثل التدريس أو التمريض. «نحن نواجه وباء الوحدة. ويصر توبلين على أنه «إذا تعلم أحد مرافقى الذكاء الاصطناعى الفكاهة، فقد يساعد ذلك فى مكافحة مرض الوحدة».

جوهر القول، سيكون هناك فئة جديدة من الوظائف مستقبلا ــ وهى صانع الكوميديا بالذكاء الاصطناعى. وهذا بالطبع هو السبب وراء تخلى توبلين، وفيل، وميروفسكى، وستابلز وآخرين عن صمتهم وسرد النكات الآن ــ حتى لو لم يكن من الواضح مَن سيضحك أخيرا.. البشر أو الروبوتات.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر

النص الأصلى

التعليقات